الطابع المالي، هو المثير للغرابة في لبنان، مع الاصرار على اعتماد وسيلة تقليدية في استيفاء الرسوم. وآخر فصول هذا الإصرار كان اقتراح قانون للنائب الياس جرادي يقضي في مادته الاولى بان "تصدر وزارة المال طابعًا ماليًا قيمته 250 ألف ليرة لبنانية تحت مسمّى "طابع الجيش اللبناني"، يعود ريعه للمؤسسة العسكرية حصريًا ويُصرف في باب النفقات الطبية والمنح المدرسية للعسكريين في الخدمة والمتقاعدين".
في السياق، أكد النائب جرادي لـ"النهار" ان اقتراح القانون "كان وليد اللحظة، وأتى في سياق مطالباتنا للجيش بقيامه بأدواره التي تتطلب الدعم، لذلك فضلنا ان يكون دعم الجيش المادي داخليًا لا خارجيًا. فكان اقتراح اصدار طابع مالي هو الأكثر دستورية من فرض ضرائب ورسوم مباشرة لمصلحة المؤسسة العسكرية". ولا يمانع جرادي أن يصار الى تعديل الاقتراح الذي يؤمن مصدرا ماليا مستداما، ليشمل كل المؤسسات الأمنية التي تُعنى بالحفاظ على الامن القومي اللبناني.
وعلى رغم اصدار لبنان بعد عامين من استقلاله طابعا لمصلحة الجيش عام 1945 ثم جرى الغاؤه عام 1947، ثمة جملة تساؤلات على طرح جرادي. فما هي عيوب هذا الاقتراح من حيث الشكل؟ وكيف يمكن "قوننته" أكثر؟
يوضح المحامي الدكتور باسكال فؤاد ضاهر ان رسم الطابع المالي "إما ان يكون نسبيا أو مقطوعا. ولكن يبدو أن اقتراح جرادي قد اعتمد المقطوع بمبلغ ثابت وهو يشكل حلا مجتزأ ومشوبا بعدم دقته وبنقص في تحديد الآلية التنظيمية الواجب اعتمادها والضوابط وكيفية تأديته على عكس ما جرت العادة في النصوص التشريعية التي تناولت مواضيع مشابهة". وأضاف: "لو كان هذا الاقتراح جديا ومعمقا كان لا بد حينها ان تتم قوننته بطرح انشاء صندوق للجيش اللبناني، اسوة ببعض المرافق العامة الأخرى."
هل تتعارض مواد الاقتراح مع مبدأ شيوع الموازنة الساري في لبنان؟ يعرّف ضاهر مبدأ الشيوع في الموازنة بانه "منع تخصيص واردات محددة لنفقات معينة، ويفرض بذلك جمع كل جبايات الدولة في الخزينة العامة لتغطية جميع النفقات العامة"، ويقول: "سندًا لقرارات المجلس الدستوري اللبناني، فان هذا الاقتراح لا يخالف مبدأ الشيوع. ففي اوائل العام 2023 اصدر المجلس الدستوري قرارا اكد فيه وجود استثناءات على مبدأ شيوع الموازنة، اذ ورد في قرار المجلس ما حرفيته: "وحيث ان مبدأ الشيوع هو القاعدة، والاستثناءات عليه محدودة جداً، فيجري في بعض الحالات تخصيص ضرائب ورسوم لتغطية نفقات ذات صلة بالأمور التي فُرضت عليها هذه الضرائب والرسوم تحديداً، أو نفقات تتعلق بالتنمية المحلية، كالضرائب والرسوم المجباة لمصلحة البلديات، على سبيل المثال، او تخصيص بعض الرسوم لتسديد دَين عام، وحيث ان تطور مفهوم الدولة ووظائفها المتزايدة قضى بالخروج على هذه المبادئ التقليدية تلبية لحاجات هذا التطور، ما يفسر لجوء الدولة، وتحديداً السلطة المشرّعة، الى اقرار قوانين تتجاوز هذه المبادئ."
وفي الحديث عن مدى فعالية استحداث طابع مالي لتأمين ايرادات لمؤسسة ما، أوضح ضاهر: "قبل اقرار هذا القانون من المفترض ايجاد حل لاحتكار الطوابع المالية التي ترهق كاهل الشعب اللبناني برمته، لا سيما انه يشتري الطوابع من السوق السوداء وبأسعار مرتفعة جدا"، معتبرًا ان "حل هذه المسألة واضح وهو تطبيق النصوص القانونية وتفعيلها ،لا سيما الفقرة 2 من المادة 20 من قانون رسم الطابع المالي بواسطة آلات الوسم".
تعود نشأة الطوابع البريدية الى العام 1840 عندما وضعت بريطانيا أول طابع في العالم موضع التداول بغرض تنظيم اعمال البريد، لتتبعها البرازيل بعد ثلاث سنوات إذ أصدرت ثلاث فئات من الطوابع تحت مسمّى "عين الثور". ولم يقتصر إصدار الطوابع على الدول فحسب، بل تبنّت منظمات دولية هذه الثقافة. ففي العام 1951 وبناء على طرح الارجنتين، أصدرت الأمم المتحدة طوابع مقيّمة بالدولار الأميركي. اما في لبنان فتعود نشأة الطوابع الى العام 1925، حين أصدرت مصلحة البريد مجموعة من الطوابع الموشحة بعبارة”Republique Libanaise" .
وعلى رغم تحوّل "الطوابع البريدية" الى تراث في معظم دول العالم التي نجحت في إرساء قواعد ما يُعرف بالـ “E-government"، إلا أن لبنان لا يزال يعتمدها في اداراته كوسيلة لاستيفاء الرسوم.
في لبنان ثلاثة أنواع من الطوابع البريدية. ولعل أكثرها رمزية هي الطوابع البريدية "التذكاريّة" التي اصدرتها الدولة اساسًا للصقها على المراسلات الورقية قبيل اندثار البريد. اما اليوم، فصارت الحكومة توافق على إصدارها بناء على قرار من وزارة الاتصالات في المناسبات الوطنية كعيد الاستقلال، وعند الاحداث المفصلية كانفجار المرفأ عام 2020، وتخليدًا لشخصيات فنية او أدبية او سياسية كالطابع الذي حمل صورة واسم الاديب "جبران خليل جبران"، او تكريمًا لشخصية عملت في الشأن العام اللبناني، أبرزها الطابع التذكاري عام 2018، تكريمًا لحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة في مناسبة مرور ربع قرن على توليه منصبه.
إضافة الى الطوابع ذي الطابع التذكاري، تلك التي تُستخدم حصرًا في المعاملات القانونية والدعاوى القضائية، وهي طابع المحاماة وطابع القضاء اللذان يعود ريعهما الى صندوق نقابة المحامين وصندوق تعاضد القضاة، ويصدران بقانون مقرّ في المجلس النيابي. اما النوع الأخير والأكثر شهرةً وطلبًا، فيتمثل بالطوابع "الماليّة" او "الاميريّة" المتعددة الفئات والتي تُستخدم في دوائر الدولة ووزاراتها وفي الجامعة اللبنانية، والتي تناط صلاحية إصدارها ايضًا بمجلس النواب، لكنها منذ أشهر، تكاد تكون منعدمة في المرافق العامة ومراكز بيعها المملوكة غالبًا من الحائزين على رخصة بيع الطوابع، ولم تعد متاحة للبنانيين إلا في سوق المحتكرين السوداء وبأضعاف قيمتها المحددة.