باسل العريضي
الحرب في غزة دفعت "حزب الله" إلى فتح جبهة الجنوب، ما أعاد السجال حول تطبيق القرار 1701 وسط تخوّف من توسّع رقعة القتال لتشمل مناطق أوسع في لبنان مع تزايد حدّة التهديدات الإسرائيلية، تزامن ذلك مع انسداد سياسيّ يحول دون انتخاب رئيس للجمهورية، ونقاش دستوري سياسيّ حول الدور الذي يمكن لحكومة تصريف الأعمال ممارسته.
الملفات هذه لم يعد ممكناً فصلها عن الأحداث الإقليمية ودور الدول الفاعلة فيها، فيما تترقب المنطقة نتائج زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ولا سيّما أنّها تضمّنت للمرّة الأولى منذ "طوفان الأقصى" لقاءً مع اللجنة السداسية العربية.
إزاء خطورة الأوضاع الراهنة وتأثيرها على مستقبل لبنان والمنطقة، حاورت "النهار" المتحدّث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية صامويل وربيرغ.
ويشدّد وربيرغ على أن الزيارة "تؤكد أهمية العمل المشترك والتعاون الدولي لتحقيق استقرار دائم ودعم مسار السلام في المنطقة". إضافة إلى أنّ الولايات المتحدة تبقى "ملتزمة بالعمل مع جميع الأطراف لتحقيق تقدم نحو وقف إطلاق النار وإيجاد حلول دائمة تحمي الأرواح وتعزّز الأمن والاستقرار". وأضاف أنّ بلينكن "ناقش الحاجة الماسّة إلى ضمان أن تكون العمليات العسكرية، بما في ذلك تلك المتعلقة بمعبر رفح، متوافقة مع حماية المدنيين ولا تعيق تسليم المساعدات الإنسانية".
وعن البدائل لدخول رفح، التي يُمكن للإدارة الأميركية أن تطرحها على المسؤولين الإسرائيليين، يقول الناطق الإقليمي باسم الخارجية الأميركية لـ"النهار" إنّ بلينكن وخلال النقاشات مع القيادة الإسرائيلية، تحدّث "عن الجهود المتعلقة بالتفاوض للإفراج عن الرهائن، وزيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، والتأكيد على الحاجة لضمان هزيمة حماس بطريقة تحمي السكان المدنيين، بما في ذلك مَنْ في رفح"، مؤكداً، أي بلينكن، أن "من المهم التأكيد أنّ أيّ عمليات في رفح يجب أن تأخذ في الاعتبار الأهمية الحيوية للمعبر كممرّ لتوصيل المساعدات الإنسانية مباشرة إلى غزة، وأهمية حماية أكثر من مليون شخص يحتمون هناك".
وينوّه وربيرغ في هذا الإطار بأنّ بلاده "تدعو إلى بدائل تحقق الأمن وتضمن توصيل المساعدات دون عوائق، وتعزز فرص تحقيق سلام دائم يحفظ حقوق وسلامة جميع الأطراف".
دور مصريّ محوريّ... وإصلاح السلطة
وفي غمرة الأحداث هذه، تعترف الولايات المتحدة "بدور مصر المحوري والقيادي في تسهيل زيادة المساعدات الإنسانية وفي جهود التوسط لتحقيق تهدئة في قطاع غزة"، على حدّ قول الديبلوماسي الأميركي لـ"النهار"، ويضيف أنّ "اللقاءات التي جرت بين وزير الخارجية الأميركي والقيادة المصرية تناولت سبل تأمين وحماية المدنيين والعمال الإنسانيين في غزة ورفح، وكذلك الدور الأساسي الذي تضطلع به مصر في تعزيز السلام والاستقرار الإقليمي"، مجدّداً تأكيد بلاده "رفضها أيّ تهجير قسري للفلسطينيين من غزة، وعلى التزامها بالعمل مع مصر لتقدّم مساراً نحو دولة فلسطينية مستقلة مع ضمانات أمنية لإسرائيل".
الدولة الفلسطينية المستقلة، تعني حكماً السلطة الفلسطينية التي عيّنت أخيراً محمد مصطفى رئيساً للوزراء خلفاً لمحمد أشتيه، الأمر الذي رحّبت به الولايات المتحدة، ويعتقد وربيرغ أن "تأليف حكومة جديدة يمكن أن يكون جزءاً مهمّاً من عملية التجديد"، معرباً عن تطلع بلاده إلى مواصلة العمل مع السلطة الفلسطينية لتعزيز مصالح الشعب الفلسطيني، لافتاً إلى أنّ تجديد السلطة الفلسطينية "أمر حاسم لتحقيق رؤية غزة الموحدة مع الضفة الغربية تحت إدارة السلطة الفلسطينية... وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني بأكثر الطرق فعالية وتقديم الخدمات لهم"، مع تشديده على مسألة الإصلاح، من دون أن يغفل مشاركة السلطة الفلسطينية، عبر مكتب الرئاسة ورئاسة الوزراء، "بعض الأفكار لإصلاحات إدارية مهمة معنا وإذا تمّ تنفيذ هذه الإصلاحات، فإنها ستكون خطوة في الاتجاه الصحيح".
المفاوضات مع إيران... وجبهة الجنوب اللبناني
وعلى الطرف الآخر من الإقليم الملتهب في الشرق الأوسط، هناك لاعب أساسي بصماته تمتدّ من العراق الى اليمين، لكنّ المتحدث باسم الخارجية الأميركية رفض الإجابة عن أسئلة "النهار" في هذا الخصوص، وتحديداً مسار التفاوض بين واشنطن وطهران، مكتفياً بالقول: "لدى الولايات المتحدة العديد من القنوات لنقل الرسائل إلى إيران. لن نعلق على أيّ تفاصيل تخصّ تواصلنا مع إيران، سوى القول إنّ التواصل منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) كان يركّز على تسليط الضوء على مجمل التهديدات المنبثقة من إيران والحاجة لإيران لوقف تصعيدها الشامل على كافة الأصعدة".
والحديث عن إيران يأخذنا مباشرة إلى جبهة الجنوب في لبنان، حيث يخوض "حزب الله" حرباً منذ الثامن من تشرين الأول على طول الحدود. وكان لافتاً خلال زيارة الموفد الرئيس الأميركي للبنان آموس هوكشتاين، إشارته إلى أنّ الحلّ في غزة لا يعني بالضرورة وقف الحرب في جنوب لبنان، وعن هذا الأمر يجيب وربيرغ أنّ واشنطن تدرك تماماً أنّ "الأوضاع في غزة وجنوب لبنان تشكل تحدّيات معقّدة على حدّ سواء".
ويعود لتوضيح الموقف الأميركي بتأكيده "نحن لا ندعم الحرب في لبنان ونركز على استكشاف جميع الخيارات الديبلوماسية مع شركائنا الإسرائيليين واللبنانيين لاستعادة الهدوء وتجنب التصعيد"، ويشير إلى مسألة تعتبرها الولايات المتحدة في أقصى اهتماماتها، وهي "أن يعيش مواطنو لبنان وإسرائيل في سلام وأمان"، ويدعو إلى أن يكون هذا الأمر "أولوية قصوى لكلّ من إسرائيل ولبنان".
ويعبّر المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية عن قلقه من تبادل إطلاق النار على طول الخطّ الأزرق، ويقول "لبنان يجب ألّا يكون منصّة لشنّ هجمات ضد إسرائيل أو ملاذاً للإرهابيين. القيام بذلك يؤدّي فقط إلى زيادة احتمالية وقوع العنف المدمّر الذي يُضرّ بالشعب اللبناني، الذي في غالبيته العظمى لا يرغب في الانجرار إلى الصراع".
ونوّه في معرض إجابته، "نحن وشركاؤنا كنّا واضحين، يجب على "حزب الله" والفاعلين الآخرين عدم محاولة استغلال الصراع الجاري، والدمار المحتمل للبنان وشعبه قابل للتجنّب".
وأضاف، "الولايات المتحدة تصنّف "حزب الله" منظمة إرهابية، وهذا الموقف لم يتغيّر. نحن نستمرّ في الضغط على قيادة لبنان لمعالجة ملف أسلحة "حزب الله" التي تزعزع استقرار البلاد والمنطقة، ما يمنع التقدّم ويثبط تطوّر لبنان".
اللجنة الخماسيّة وتطبيق الـ1701
جبهة الجنوب المشتعلة وخطر توسّعها، مسألة تؤرق اللبنانيين من جهة، وتثير من جهة ثانية مخاوف الأطراف السياسية من انعكاسها على الاستحقاق الرئاسي المتعثر أصلاً، تزامناً وفشل اللجنة الخماسية في تحقيق أيّ خرق جدّيّ حتى الساعة.
في هذا السياق، يؤكّد المتحدّث الإقليمي صامويل وربيرغ، أنّ الإدارة الأميركية تواصل "التنسيق الوثيق مع شركائها لحثّ المسؤولين اللبنانيين على انتخاب رئيس وتأليف حكومة وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الحاسمة"، وأنّه يقع على عاتق القادة المنتخبين في لبنان تشكيل حكومتهم الخاصّة، لأنّ الشعب اللبناني "يستحقّ حكومة تستجيب لمطالبهم وتكون خالية من الفساد، وتقوم بالعمل وتتّخذ القرارات الصعبة التي ستسمح للبلاد بالخروج من هذه الأزمات".
هذا على خط انتظام واستقرار السياسة الداخلية، لكن أيضاً هناك شقّ آخر لا يقلّ أهمية وهو القرار 1701 وطلب الجانب اللبناني المستمرّ وقف الخروقات الإسرائيلية، وفي هذا السياق يؤكد الديبلوماسي الأميركي لـ"النهار" أنّ الولايات المتحدة، تشدّد على أهمية "الحفاظ على الاستقرار على طول الخطّ الأزرق وضرورة تجنب أيّ أعمال قد تؤدّي إلى التصعيد".
وأردف: "نحن نواصل العمل مع جميع الأطراف لضمان الالتزام بالقرارات الدولية وندعو إلى وقف جميع الخروقات. سنواصل الضغط من أجل تحقيق هذا الهدف، بالتعاون مع شركائنا الدوليين، لضمان السلام والاستقرار في المنطقة".