بعد أكثر من أربع سنوات على حجز الودائع في المصارف تطرح نقابة المحامين خطة من 3 عناوين لاستعادة تلك الودائع. فهل تلك الخطة عملية وكيف يمكن تطبيقها؟
جمعت نقابة المحامين في بيروت حشداً من الشخصيات النيابية والقانونية والمصرفية بهدف وضع خريطة طريق لاستعادة الودائع من المصارف بعد سنوات من حجزها وحرمان أصحابها من حقوقهم المكرّسة قانوناً.
"لا خطة حكومية لاستعادة الودائع"
لم تستطع الحكومة بعد، إقرار خطة واضحة لإعادة الودائع المصرفية الى أصحابها على الرغم من مرور أربعة أعوام ونصف العام على بداية الأزمة التي يتخبط فيها لبنان بعد 17 تشرين الأول عام 2019.
فلا الحكومة ولا جمعية المصارف قدمتا خطة واضحة تضمن إعادة الحقوق لأصحابها، وكذلك لم يخرج مجلس النواب بعد بتصوّر واضح يسيله في قوانين ملزمة بطبيعتها لأصحاب المصارف لإعادة الودائع.
والمناقشات التي جرت تقاطعت بشأن تصنيف الودائع بين ما يُسمّى ودائع مؤهّلة وودائع غير مؤهّلة، ووضع سقف للوديعة التي يمكن استعادتها عدا عن تقسيط الودائع وفي المحصلة يمكن لصاحب الوديعة المتوسطة أن يحصل على وديعته بعد عشرة أعوام أو عشرين عاماً.
فرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تحدث عن قانون ستعدّه الحكومة لاسترداد الودائع، ويصنف مشروع القانون تلك الودائع بين فئة تحت الـ100 ألف دولار، والفئة الثانية تلك الودائع التي تفوق ذلك المبلغ.
وستعطي الحكومة الأولوية للفئة الأولى، أما من لديه أكثر من 100 ألف دولار في المصارف فستكون أمامه سنوات طويلة من الانتظار.
وسط تلك المخططات، ليس هناك من إجابات واضحة عن أسئلة غير معقدة ومنها: أين ذهبت الودائع؟ وهل تصرفت بها المصارف أم مصرف لبنان أم الحكومة؟ والسؤال الآخر: من سيتحمّل مسؤولية إعادتها لأصحابها؟
نقابة المحامين والمهمّة شبه المستحيلة
تحاول نقابة المحامين في بيروت من خلال إطلاق "لجنة الشؤون المصرفية وحماية حقوق المودعين" الولوج الى حلول تحفظ حقوق المودعين، وجاء ذلك التحرك بمشاركة رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، ورئيس لجنة الإدارة والعدل جورج عدوان ونقيب المحامين في بيروت فادي مصري وشخصيات حقوقية ومصرفية. لكن لنقابة المحامين محاولة سابقة تمثلت بإعداد اقتراح قانون لاستعادة الودائع بعد تصنيفها. ذلك الاقتراح أعدته لجنة حماية حقوق المودعين في النقابة، ويميز بين الودائع المشروعة وغير المشروعة، والأخيرة تكون متأتية من أعمال غير قانونية ومحظورة نصّ عليها قانون تبييض الأمول. الاقتراح المذكور دونه صعوبات جمة تبدأ من عدم تكوين حقيقة دامغة لدى المصارف على طريقة حصول المودع على الأموال التي أودعها في المصرف، ولا تنتهي عند صعوبة معرفة المصدر الحقيقي لتلك الأموال وكيق يمكن التمييز بينها، وهل يمكن على سبيل المثال اعتماد قيمة الراتب الفعلية لموظف في القطاع العام لمعرفة مصادر أموال يضعها في المصرف.
لكن الورشة التي نظمتها النقابة قبل أيام خلت من اقتراح قانون التمييز بين الودائع المشروعة وغير المشروعة وتركزت على محاولة لاستعادة الودائع عرضها النقيب مصري وترتكز على ثلاثة عناوين وهي: معرفة حقيقة ما حصل وتحميل المسؤوليات، وإعداد تشريعات جديدة وخاصةً تلك المتعلّقة بالتعافي الاقتصادي والمالي والمجرى القضائي، وتطبيق القوانين.
بيد أن ترجمة تلك العناوين ليست بالأمر اليسير، فكيف يمكن معرفة حقيقة ما حصل، وكيف طارت الودائع وهل كانت لدى المصارف أم لدى مصرف لبنان؟ وأيضاً: هل الحكومة تصرّفت بالودائع أم مصرف لبنان؟
مصري لـ"النهار": نحتاج لتشريعات حديثة
تلك بعض الأسئلة التي لا تزال بحاجة إلى إجابات واضحة، والأهم من ذلك كله هل فعلاً الحكومة في وارد إعادة الودائع لأصحابها؟ ومتى؟ وكيف؟
ويشرح مصري لـ"النهار" أنه "حتى اليوم لم يخبرنا أحد ماذا حدث، وربما عندما تصلنا الإجابة قد يفيد ذلك الأجيال الجديدة وليس نحن. وأقل ما يقال عن ذلك أنه عار كبير على المسؤولين الذين أخفوا عن شعبهم ما جرى بودائع المواطنين".
ويلفت نقيب المحامين الى أن سن التشريعات الملائمة هو الطريق الأفضل ولا سيما أن بعض التشريعات الحالية لا تتلاءم مع الأوضاع الحالية.
أما عن المجرى القضائي وتطبيق القوانين فيوضح "عندما توجد قوانين جديدة ويكون لدى القضاء عدة الشغل، عندها قد يتمكن من الوصول الى النتائج المرجوة وبالتالي شددت على أهمية المجرى القضائي".
ويشير الى أن هناك ودائع ليست فقط للأفراد بل للنقابات ويجب عدم المسّ بأموال المودعين، وهي أموال مصونة قانوناً ومكرّسة بالدستور. وحفظ تلك الأموال يتطلب تعاوناً بين الجمعيات والهيئات التي تعنى بالدفاع عن حقوق المودعين.
"ما عدالة تصنيف الودائع بالمؤهّلة وغير المؤهّلة؟"
ثمة تساؤل عن كيفية تصنيف الودائع بين مؤهلة وغير مؤهلة، وإن كانت المصارف سمحت للمودعين بتحويل ودائعهم من الليرة اللبنانية الى الدولار الاميركي على السعر الرسمي حينها، أي 1507 ليرات للدولار الواحد، وقام عدد من المودعين بذلك التحويل، فكيف يمكن للحكومة احتساب الدولار بسعر 15000 ليرة، ولا تنظر الى التاريخ الذي تم فيه التحويل، وبمعنى آخر، إن كان من حوّل الوديعة من اللبناني الى الدولار عندما كان سعر الصرف في السوق السوداء 2000 ليرة، فوفق أي منطق سيصار الى حرمانه من قسم كبير جداً من وديعته لدى الاحتساب على 15000 ليرة وعندها يخسر أكثر من 80 في المئة من تلك الوديعة.
في المقابل، لا وضوح لدى جمعية المصارف لإعادة الودائع، والنقاش السابق كان يتقاطع عند تحويل الودائع الى ديون عامة وبالتالي تحميل الدولة أعباء إعادة الودائع للمودعين. وبناءً على ذلك فإن الحكومة وجمعية المصارف تتفقان على تحميل المودعين القسم الأكبر من الأعباء سواء من خلال المدى الزمني الطويل لإعادة الودائع أو من خلال محاولة تحميل الدولة المسؤولية عن ضياع الودائع وإن كانت حكومة الرئيس السابق حسان دياب ومعها القوى السياسية التي دعمتها، قد أسهمت من خلال "مهزلة" الدعم بضياع مليارات الدولارات من الخزينة العامة وهي أصلاً، كما بات شبه مؤكد، أموال المودعين.