انتهت عملية الرد الإيراني على الضربة الإسرائيلية التي طاولت القنصليّة الإيرانية في دمشق، إلّا أن تداعيات الرّد لا تزال تتفاعل في عدد من بلدان الشرق الأوسط.
رحلة الصواريخ والمسيرات الإيرانية اجتازت المجال الجوي لأكثر من بلد، منها العراق وسوريا ولبنان والأردن قبل أن تصل إلى أهدافها في إسرائيل.
وقد أضحى من المسلّم به أنه تمّ إسقاط عدد كبير من هذه المقذوفات فوق العراق وسوريا بتدخّلٍ من الدفاعات الجوية الموجودة في القواعد الأميركية في هذين البلدين، من دون تدخّل رسميّ أو عسكريّ من سلطات هذين البلدين، فيما أقدم الأردن على إسقاطها باعتبار أنها خرقت مجاله الجويّ وتعدّت على سيادته.
لكنّ الذي لم يكن متوقعاً هو مرور عدد من هذه المقذوفات في أجواء لبنان، حيث تمّ إسقاطها من قبل منظومات وبطاريات مشتركة إسرائيلية-أميركية؛ وهذا ما جرى تأكيده بعد العثور على إحدى المسيرات الإسرائيلية في منطقة عاليه.
واللافت في ما جرى، وما كان يمكن أن يشكل كارثة وجرى استلحاقه في اللحظة الاخيرة، أن الأجواء اللبنانية بقيت مفتوحة أمام الطيران المدني لأكثر من ساعة من انطلاق المسيّرات الإيرانية، قبل أن يتم إقفالها.
و على عكس البلدان الأخرى، فإن لبنان لم يتلقَّ أي رسالة رسميّة أو تنبيه عسكريّ من إيران أو من الأميركيين وحلفائهم عن أخطار يمكن تلحق بلبنان أو بالطيران المدني، وهو ما تبرّره مصادر رسمية لبنانية بأن لبنان يقع على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وهو ليس خط عبور بين إيران وإسرائيل، وبالتالي لم يتم تبليغ السلطات الرسمية؛ وهو ما أدى إلى تأخير تعليق برنامج الرحلات الجوية في المطار.
وترجّح المصادر بأن ما شوهد في الأجواء اللبنانية عبارة عن صواريخ اعتراضية، أطلقت من القواعد الأميركية في قبرص، أو من إسرائيل، أو من البوارج الحربية في المتوسط، وعبرت الأجواء اللبنانية، ولم تكن مسيّرات إيرانية، لولا أنه تمّ العثور على مسيّرة إيرانية سقطت في منطقة عاليه.
والخطير أيضاً - بحسب المصادر - أن الرادارات اللبنانية لم ترصد أيّ حركة جويّة فوق الأراضي اللبنانية، من صواريخ أو مسيّرات، بالرغم من أن المقذوفات شوهدت في بعض المناطق بالعين المجرّدة. لكن واشنطن، وبدليل واضح على الدراية الأميركية بإمكانية دخول الصواريخ والمسيّرات في المجال الجوي اللبناني، أبلغت طهران، عبر أنقرة - وفق ما تسرّب - بأن أيّ مقذوف جويّ قد يعبر فوق مقرّ بعثتها الديبلوماسية في بيروت سيعتبر خرقاً للسيادة الأميركية، وسيتمّ الرّد عليه.
وعلى الرغم من كلّ ذلك، استبدلت الحكومة اجتماعها بلقاء وزاري تشاوريّ تجنّباً لعدم اتّخاذ أيّ موقف ممّا جرى، إن على المستوى السياسي أو على المستوى القانوني – السيادي، ومرّرت القضية كأنّ شيئاً لم يكن.
وبرأي الخبير العسكري حسن جوني أن مرور المقذوفات الإيرانية في المجال الجوي اللبناني أمر غير مستغرب، خصوصاً أن إيران أعلنت عن قصف إسرائيل من النواحي كافة؛ وبما أن لبنان بلد حدوديّ مع إسرائيل فسيكون مرور تلك المقذوفات في المجال الجويّ طبيعياً.
ويُضيف أن الإشكالية تكمن في أن هذه المسيرات تمّ إسقاطها، وسقوطها في لبنان أتى بعد الإسقاط وليس من المصدر،من دون أن تعلن أيّ جهة عن هذا الأمر؛ ومن غير الطبيعي أن تكون موجّهة لتسقط في لبنان!
أما قانونياً فمن المعروف أن أيّ اختراق للمجال الجوي لبلد معيّن هو اختراق للسيادة، إلّا إذا كان الفاعل حاصلاً على إذن من الدولة.
وإذا كان هناك إجماع على عدم قدرة لبنان الرسمي على اتخاذ أي موقف نظراً إلى وضع الحكومة والواقع الطائفي، فإن هناك إجماعاً قانونياً على أن ما جرى خرق للقوانين اللبنانية والمعاهدات الدولية، خصوصاً أن لبنان غير مشترك بأيّ معاهدة دفاعية عسكرية مع إيران.
وفي هذا الإطار، يُشير
من جهته، يلفت رئيس مؤسسة JUSTICIA والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ المحامي الدكتور بول مرقص إلى أنه على المستويين المبدئي والنظري الصرف، فإن ذلك يعتبر خرقًا للسيادة اللبنانية، خصوصًا أن لبنان غير مشترك في الأعمال الحربية، ولم يتّخذ مجلس وزرائه أيّ قرار بهذا الخصوص وفقًا للمادة 65 من الدستور.
من جهته يشير الخبير القانوني سعيد مالك إلى أنّه من الثابت والأكيد أن الأجواء، التي تعلو أيّ دولة تدخل ضمن إطار سيادة ومفهوم هذه الدولة؛ ومن أجل ذلك، لا يمكن خرق هذه الأجواء إلا بموافقة الدولة المعنيّة أو أقلّه ضمن إطار إعلامها. ومن أجل ذلك وُجدت المعاهدات والاتفاقيات من أجل إمكانية دخول أجواء أيّ دولة بشكل قانوني يحفظ السيادة.