بعد تقليدها وسام الاستحقاق الوطني برتبة الضابط الكبير، تمنّت الكاتبة والشاعرة اللبنانية الفرنسية فينوس خوري غاتا على رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون مجدّداً ألّا ينسى لبنان.
ذكرت في حديث لـ"النهار" أن الرئيس ماكرون مسح دمعة على وجنتها، واعداً إيّاها بزيارة لبنان في الخريف المقبل إذا سمحت الظروف بذلك.
بادرت غاتا مذكرة إيّاه بأنه سبق أن زار لبنان واجتمع بناسه في الطرق، وقابل شبابه الثائرين، والتقى مع الطبقة الحاكمة ومجموعة من السياسيين من مختلف الانتماءات في لبنان ليدرك الواقع المأساوي في بلدي.
أكملت حديثها الى ماكرون وهي تحبس دموعها قائلة له: "في لبنان، أناس يموتون من الجوع بصمت ولا أحد يكترث لواقعهم المأساوي".
لم يغلب ثقل العمر على تمرّد فينوس خوري غاتا، المرأة الإنسان، على الظلم.
رفعت نبرة صوتها مشيرة الى "أنني أعيش مع مدينتي بيروت يومياً حتى لو كنت في الجسد أرزحتحت وطأة وحدة موحشة مع هرّتي كراميل في مدينة باريس".
تملّكها غضب شديد مطالبة اللبنانيين بأن "يثوروا"،قالت: "لولا صعوبة تنقلي من جرّاء الألم في رجليّوأسفل العمود الفقري، لكنت في صدارة هذا التحرّك، أحمل غضبي الشديد في وجه هذه الطبقة الفاسدة، التي أوصلت لبنان ومواطنيه الى الحضيض، أو ما دونه".
التجربة النموذجية
تصدرت الشاعرة والكاتبة فينوس خوري غاتا مع كل من جورج شحادة وأندريه شديد التجربة النموذجية اللبنانية في التأليف الأدبي والشعري باللغة الفرنسية في مدينة باريس.
علقت غاتا على هذه التجربة وما تبعها من دفاعها الشرس عن الفرنكوفونية في أقطار العالم، الذي جسّدته فعلياً من خلال مشاركتها لأعوام طويلة في عضوية "جائزة القارات الخمس الفرنكوفونية" وهي جائزة على مستوى عالمي أدبي، موضحة "أنني كنتمسكونة باللغة العربية، التي هجرتها طوعاً منذ زمن طويل أي منذ قرابة 50 عاماً، لأتوغل في كنف اللغة الفرنسية متعايشة معها بشغف كبير في كلّ من روتين حياتي اليومية وغالبية كتاباتي الشعرية والأدبية".
اعتبرت أنها "عبرت بلداناً عدة حاملة في أولوياتها الحديث لا فقط عن الفرنكوفونية بل عن نتاج الأدباء اللبنانيين باللغة الفرنسية، وذلك في أقطار الفضاء الفرنكوفوني بهدف الإعلاء من شأنهم وإبداعاتهم في هذا المجال".
محاكاة الأدب والشعر
لمَ هجرت اللغة العربية؟ سارعت في الإجابة بأنها "لغة صعبة مثقلة بالعواطف والمشاعر المعقدة، وتحكمها المصطلحات المجازية اللغوية وأنواع متفرّقة من الاستعارة، مع استثناء كتّاب أخرجوا أنفسهم من هذا "الخندق"، أمثال أدونيس وأنسي الحاج وعقل العويط، الذي أتابع شخصياً كتاباته الصحافية والأدبية بشوق، متذوّقةً إبداعاته الكتابية المتميّزة جداً في لغة صادقة تلبّي فكره وتلبّي لغة الأدب مع لغة الشأن العام".
توقفت عند "اعتناقها" اللغة الفرنسية في محاكاة الأدب والشعر من خلال حصاد وافر جداً من خلال منحها جوائز عدة منها جائزة غونكور للشعر (2011) وجائزة رينو لإصدارها "الخطيبة كانت على ظهر حمار" (2015)، مثنية على دور الشاعر الفرنسي آلان بوسكي، الغنيّ عن التعريف، "الذي نصحني منذ قدومي الى باريس قبل 50 عاماً، بألا أنجرف وراء تيّار لغوي ساد في حينها يعرّي اللغة من إكسيرهاوإيقاعها، مطالباً إياي أيضاً بألّا أتجرّد من جذور لغتي الأم أي اللغة العربية من خلال إقحام مشاعري الجيّاشة في مؤلفاتي".
قالت: "يطغى الشعر، الذي طبع ذاكرتي منذ صغري بعدما أتقن شقيقي كتاباته في سنّ مبكرة جداً مشاركاً معي تألقه اللافت في عالمه هذا، على الجوّالعام لمؤلفاتي الأدبية لأنني أعي تماماً أنني أتصدّر أدوار البطولة في الشعر، متملكة صياغة الكلمة الأولىللقصيدة وما يتبعها من بيت مقفّى الى بيت شعري آخر وصولاً الى الأبيات كلها، فيما أخضع كلياً في الكتابة النثرية لملاذ الشخصيات في الإصدار، الذين يسوقون الحوادث في القصة كما يحلو لهم، ويرشدونني ككاتبة الى المسار المختار، الذي يشقونه في سياق القصة ومجرياتها".
صارحت غاتا قُرّاءها في هذه المقابلة بمحاولات مريرة عاشتها لتدجين الموت في كتاباتها منذ بداياتها الى اليوم ومنها في إصدارها الأخير "ماذا بقي من الرجال؟" عن منشورات دار "أكت سود" في عام 2021، "وهو كان نتاج التباعد الاجتماعي وتداعيات جائحة كورونا وانعكاسات العزلة والوحدة عليّ، التي خففت من ثقلها قطتي كراميل دون أيّ منافس آخر".
شدّدت على "أنني عبّرت في هذا الإصدار عن خوفي الشديد من ألّا أجد من يدفنني في حينها إذا جاءتني المنيّة، ما دفعني الى خرق العزلة الاجتماعية لاختيار مدفني في مقبرة في حيّ مونبارناس".
قالت: "وقّعت اتّفاقاً مع حارس القبر على كل الإجراءات مع استثناء واحد أنه فاجأني بطرحه سؤالاً عليّ: من سيُدفن الى جانبي في القبر نفسه لأنه يتسع لشخصين".
تناولت مضمون الإصدار نفسه موضحة أنه "تغلّب عليّ الارتباك الشديد في محاولتي البحث عن شخص "يجالسني" في القبر الواحد لأنني فقدت أزواجي الثلاثة، ما جعلني أتخايل عشّاقاً عدّة مرشحين لمشاركتي في القبر نفسه".
... مي منسّى
انتقلت الى شقيقتها الأديبة والروائية والصحافية في جريدة "النهار" الراحلة مي منسّى، التي تقاسمت معها هموماً عائلية في مؤلفات عدة، مشيرة الى أنها "تشتاق الى مي منسّى أكثر من أيّ شخص آخر، وتتمنى لو كانت اليوم أكثر من أي وقت الى جانبها في باريس".
صمتت بحسرة شارحة أنها "تقاسمت مع مي في بعض كتاباتهما الواقع الصعب جداً للمنزل العائلي، الذي طغت عليه سيطرة والدها على مسار أفرادها"،موضحة أنه "لم يتمكّن من الانخراط في سلك الكهنوت، ما دفعه الى تحويل منزلنا العائلي الى ديرفرض فيه قواعد صارمة على أفراده".
لفتت الى أن "والدي لم يتصالح يوماً مع نفسه، وهجرته السعادة في حياته كلها، ما انعكس سلباً علينا،ودفعني الى الزواج في سنّ مبكرة هرباً من سيطرته على حياتي دون أن أدرك عواقب الارتباط في هذهالسن...".
Twitter:@rosettefadel