في ذروة التصعيد الإقليمي، ومخاطره التي تنبّئ بالأسوأ في منطقة الشرق الأوسط، وبينما لبنان المنخرط في هذا الصراع في حرب على طول حدوده الجنوبية، ومع رسائل التحذير التي تصل الى بيروت تباعاً من عواصم القرار في العالم حول مخاطر تصعيد الأوضاع جنوباً، برزت اليوم زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى العاصمة الفرنسية والحفاوة التي استقبله فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
التوقيت اللافت للزيارة التي استمرّت ثلاث ساعات، لم يختلف عن المضمون، خصوصاً وأنّ قائد الجيش العماد جوزف عون كان له حيّزٌ واسعٌ فيها.
في خلال الاجتماع، جدّد الرئيس الفرنسي تأكيده على دعم الجيش اللبناني في المجالات كافّة، مع التشديد على الاستقرار في لبنان وضرورة إبعاده عن تداعيات الأحداث الجارية في غزّة.
في ما يتعلق بالأحداث جنوباً، أكّد ماكرون مجدّداً على المبادرة الفرنسية التي أطلقت في شباط الماضي، مع بعض التعديلات التي تأخد بالاعتبار الواقع الراهن والمستجدّات، والتي اصطلح على تسميتها في لبنان الورقة الفرنسية.
أمّا في ّالملفّ الرئاسي، جدّد الجانب الفرنسي على أولوية هذا الاستحقاق والإفادة من الدعم الدوليّ، والموقف الموحّد للخماسية الدولية، مشيراً إلى توافق الجانبين الفرنسي والأميركي على مقاربة الحلول المقترحة، مع التأكيد أنّه ليس لدى فرنسا أيّ مرشح، وإنّها تدعم ما يتوافق بشأنه اللبنانيون.
كما تطرّق البحث إلى موضوع النازحين السوريين في لبنان، فوعد الجانب الفرنسيّ بالمساعدة في حلّ هذه المشكلة على مستوى الاتّحاد الأوروبيّ.
وأهمية المواضيع المدرجة على جدول الزيارة ظهر كذلك من خلال الوفد الفرنسيّ الذي حضر إلى جانب ماكرون والمتمثّل برئيس أركان الجيوش الفرنسية الجنرال تييري بوركهارد، ومستشار الرئيس الفرنسي إيمانويل بون، ومستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط آن كلير ليجاندر والموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان ومديرة إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية السفيرة آن غريو، إلى جانب سفير فرنسا في لبنان هيرفيه ماغرو.
إذ أعرب ميقاتي في ختام الزيارة، عن شكر لبنان لوقوف فرنسا الدائم إلى جانبه ودعمه في كلّ المجالات، "وعلى الجهود التي يبذلها باستمرار من أجل وقف العدوان الإسرائيليّ على لبنان، ودعم الجيش بالعتاد والخبرات لتمكينه من تنفيذ مهامه كاملة".
رئيس الحكومة أكّد أيضاً خلال حديثه للصحافيين، أنّه شرح للرئيس ماكرون عن المخاطر المترتّبة على لبنان بفعل الأعداد الهائلة للنازحين السوريين، وقال: "جدّدت المطالبة بقيام المجتمع الدوليّ بواجباته في حلّ هذه المعضلة التي ستنسحب تداعياتها على أوروبا خصوصاً. وتمنّيت على الرئيس ماكرون أن يطرح على الاتّحاد الأوروبيّ موضوع الإعلان عن مناطق آمنة في سوريا بما يسهّل عمليّة إعادة النازحين إلى بلادهم، ودعمهم دولياً وأوروبياً في سوريا وليس في لبنان".
وعن الملفّ الرئاسي، قال ميقاتي: "جدّدت التأكيد أنّ مدخل حلّ الازمات في لبنان هو في انتخاب رئيس جديد لاكتمال عقد المؤسسات الدستورية والبدء بتنفيذ الإصلاحات الضروريّة".
الساعات الثلاث في قصر الإليزيه، تخلّلها خلوة استمرّت نحو ساعة بين ماكرون وميقاتي، إلى غداء عمل موسّع شارك فيه عن الجانب اللبنانيّ قائد الجيش العماد عون، والمستشار الديبلوماسيّ للرئيس ميقاتي السفير بطرس عساكر.
وكان العماد عون قد شارك في اجتماع لدعم الجيش بدعوة من رئيس أركان الجيوش الفرنسية Le général d’armée Thierry Burkhard، في بحضور رئيس أركان الدفاع الإيطاليّ Admiral Giuseppe Cavo Dragone.
وعرض قائد الجيش وضع المؤسسة العسكرية خلال المرحلة الحالية وحاجاتها المختلفة من أجل الاستمرار في أداء مهمّاتها الوطنية وسط التحدّيات المتزايدة والظروف الدقيقة داخليًّا وعلى مستوى المنطقة.
من جهة أخرى، اعتبر المشاركون أنّ الجيش يقوم بدور بالغ الأهمية في حماية أمن لبنان واستقراره، وشدّدوا على ضرورة دعمه بمختلف السبل وتمكينه من تجاوز الصعوبات القائمة، مؤكّدين أنّ دعم سيادة لبنان يبقى أولوية بالنسبة إلى فرنسا وإيطاليا.
وجرى التشديد على أهمية دور قوّة الأمم المتّحدة الموقّتة في لبنان (اليونيفيل)، واستمرار التعاون والتنسيق بينها وبين الجيش ضمن إطار القرار ١٧٠١، ما يساهم في خفض التوتر في جنوب لبنان خلال الظروف الاستثنائيّة الراهنة.