تابع ملتقى التأثير المدني مسار "الحوارات الصباحيَّة" الشهريَّة بانعقاد اللقاء التاسع في فندق الجفينور – روتانا الحمرا في حضور نخبة من الشخصيات الأكاديمية والإدارية والقانونية والدستورية والثقافية والفكرية والقضاة والضباط المتقاعدين والإعلاميات والاعلاميين، وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ورئيس وأعضاء الهيئة الإداريّة للملتقى.
اللقاء عقد تحت عنوان "لبنان دولة المواطنة: التعافي الاقتصادي – المالي والعدالة الاجتماعيّة" بهدف القاء الضوء على أهمية مواجهة الأزْمَة الماليّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة التي تضرُب كلّ مقوّمات صمود اللبنانيّات واللبنانيين، والسعي الى كل ما يؤدي إلى التعافي الاقتصادي – المالي والعدالة الاجتماعيّة.
في بداية اللقاء الذي قدّمته الإعلاميّة دنيز رحمة فخري، ونقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، وبعده وثائقي تعريفي عن "ملتقى التأثير المدني"، ومن ثمَّ وثائقي إستعراضي للِّقاء الثامن تحت عنوان: "لبنان دولة المواطنة: والشراكة الوطنيّة مع الاغتراب".
كلمة الخليل
بعدها كانت كلمة رئيس "ملتقى التأثير المدني" الذي قال: "نلتقي ولُبْنان في حالة انعدامِ وزنٍ على كل المستويات الدستوريّة، والسياديّة، والإداريّة، والقضائيّة، والماليّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة. إنعِدامُ الوزن، قد يبدو للبعض أنّه عفويّ، لكنّه في تقديرنا منهجيّ لتغيير هويّة لبنان الحضاريّة، وهذا ما سنتصدّى له سلميًّا دون هوادة. رَغْم هذه التحدّيات". وان "ملتقى التأثير المدني" مصمم على "استمرار النّضال في سبيل بناء دولة المواطنة، كما وردت في دستورنا الأوّل العام 1926. دولة المواطنة في الحريّة والسيادة والعدالة والعيش معًا."
واضاف الخليل: "ان الأزْمَة الماليّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة تَنْهَشُ وطننا، وتضرُب كلّ مقوّمات صمود اللبنانيات واللبنانيين، ويبدو أنَّ لَيْسَ في الأُفُق من قرار بإيجاد حُلول للتّعافي، تُعيدُ الكرامة لبناتِنا وأبنائِنا. الحُلول متوفّرة لكنْ ليس من قرار. عسى نَعْمَل معًا دومًا من أجلِ حَوْكَمَة سليمة أساسها المساءَلة والمُحاسبة. وهُنا بيت القصيد".
كلمة طبارة
ثمَّ تحدثت ميسّرة الحوار المحامية إيمان طبارة التي أدرجت كلمتها تحت عنوان "إشكاليّة اللّقاء والتساؤلات الأساسية" فلفتت الى "أن الاختلاف في تقاليد ونهج المواطنة على مر التاريخ، أنتج اختلافا في تفسير مفهوم المواطنة" وقالت: "ينعكس مفهوم المواطنة الأكثر شيوعاً للمواطنة بالعلاقة القانونية بين الفرد والدولة بطريقة "يفي فيها المواطنون بالتزامات معينة تجاه الدولة، وفي المقابل يتوقعون من الدولة حماية مصالحهم الحيوية". وأضافت "أن العلاقة بين الفرد والمواطنة لها أربعة أبعاد أساسيّة لوجودها تتوزع بين "السياسي- القانوني"،"الثقافي"، "الاجتماعي" و"الاقتصادي".
وبعدما أشارت طبارة إلى "أنَّ الدستور اللبناني تطَّرق إلى تحديد ملامح المواطنة وأبعادها"، لفتت إلى "أن المشرع اللبناني تطرق الى إشكالية أساسيَّة ضربت مفهوم المواطنة وهي الطائفية السياسية التي يجب الغاءها باعتبارها هدفا وطنيًّا". وتحدثت عن بعض ما هو ملتبس عندما تفرض "الجمهورية اللبنانية قوانينها على مُواطِنِها في كل الحقول وتساوي بينهم، لا تعترف به كمواطن إلا بصفة كونه منتميًا إلى طائفته"، وان الإقتصاد الذي "من المفترض ان يكون حرا إلا انه رأسمالي ومن ثم تحوَّل إلى أوليغارشي". واشارت الى ان "مبدأ العدالة الاجتماعية يرد ضمن المبادئ السياسية، وكأنَّه لا علاقة لها بالاقتصاد او بالعدالة الاقتصادية".
وحذَّرت طبارة من "هذا الالتباس الدستوري، مضافًا إليه النهج السياسي المتحكم بمفاصل البلد" واعتبرت "أن المواطنة، "ليست بنوداً وقوانين توضع في الدساتير فقط"، لا بل انها "سلوك عملي تطبيقي يمارس على أرض الواقع"، لتدعو ختامًا إلى "عملية عصف فكري لإرساء استراتيجية اقتصادية جديدة". لملاقاة الحكومة التي أقرت "الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية ولو متأخرة حوالي مئة سنة".
كلمة حايك
بعدها كانت مداخلة السيّد زياد حايك الذي استهلها بالقول "إنَّ تطوير الاقتصاد وتحقيق العدالة الاجتماعية لا يخلوان من بعض النواحي السياسيّة والأمنيّة، وحتى الخارجيّة، فكما أنَّه مخطئ من يعتقد أنّه يمكن لدولة أن تنهض من دون اقتصاد مزدهر ومجتمع عادل، مخطئ هو أيضًا من يعتقد أن الاقتصاد والمجتمع يعيشان باستقلاليّة عن محيطهما. الأمران متلازمان. لذا عبثًا نحاول النهوض باقتصاد لبنان أو تحقيق العدالة الاجتماعيّة فيه طالما لم نستعد هيبة الدولة من كل نواحيها إلى معالجة التواجد السوري وضبط السلاح على أرضها، أو طالما لم نجرِ الإصلاحات البنيوية وإقرار بعض التعديلات الدستوريّة لتصحيح نظام الحوكمة السيء".
وأضاف حايك: "إن طلب الي أن أتكلم عن الناحية الاجتماعية-الاقتصادية دون غيرها، أجزم أولاً ان المقاربات الجزئية لم تعد تنفع. ولا بدّ "من رؤية طويلة الأمد، تتطلّب قيادة حكيمة ملمّة بشؤون النمو المستدام والمتوازن يتبناها اللبنانيون عن قناعة". لافتا إلى أنَّ "التطلع الى الماضي، حال دون التغيير، فلو كان النهج الذي اتَّبعناه إلى اليوم ناجحاً لما كنَّا في الحالة التي نحن فيها". "المقاربات التقنية العادية لا تنفع في بلد كلبنان والبرهان في المقاربة التقليدية لصندوق النقد الدَّوليّ لوضعنا إبان الانهيار المالي"، والتي "انحاز اليها كثيرون غير متيقنين أنَّ ما يصلح لدول فيها عملة واحدة غير ما يصلح لبلد كلبنان فيه عملتي الليرة واللّولار".
وجدَّد حايك حديثه عن خطة مفصلة وكاملة تقدم بها مع زميله جيرار شارفيه لمعالجة الازمة المالية وتحويلها من كارثة الى فرصة تعتمد على تحويل ودائع اللّولار الى شهادات إيداع مصرفية طويلة الأمد يمكن تداولها على بورصة بيروت، وهي تصيب عدة أهداف ومن بينها تفادي إعلان إفلاس المصارف وتأمين السيولة للمودعين، ورسملة بورصة بيروت بمليارات الدولارات، بداية مهمة لخلق أسواق مالية حقيقية. أمَّا اليوم فقد ضاعت تلك الفرصة ولا بدّ من المضي قدماً بما أمكن، فبدل التفكير بخطة للتعافي المالي يجدر بنا العمل على وضع خطة للنهوض بالاقتصاد ككلّ، فيعوّض على مودعي الدولار بطريقة غير مباشرة لجهة تحسين فرص إعادة تكوين أصولهم ونمو أعمالهم وإيجاد فرص عمل لهم ولبنيهم.
وانتقد حايك "الخطط الاقتصاديَّة التي عملت عليها الدولة في الماضي على قياس من كانت موجّهة إليهم"، ذلك أنَّ "خطط باريس-1 و-2 و-3 ارتكزت على وعود تستجدي موافقة الجهات المانحة، واحتوت خطة (McKinsey) على أفكار لا تأخذ واقع البلاد الاجتماعي بعين الاعتبار، واحتوى برنامج الاستثمار المرافق لمؤتمر (CEDRE) على مشاريع غير مجدية طلبتها الجهات السياسية لأغراضها الخاصة". ولذلك تحدث عن "فرصة جديدة لخطة اقتصادية شاملة لا ترتكز على الناحية الاقتصادية حصراً، بل تشمل الناحية الاجتماعية أيضاً وبشكل لصيق ومتلازم. فالنموّ وسعادة الانسان لا يقاسان بالناتج المحلي الإجمالي، إنَّما أيضاً بمستوى المعيشة وغيرها من مكونات الأمن القومي".
وبعدما دعا إلى "مقاربة هذه الخطة بجرأة لا يحدّها الماضي. قال انها تستند على "ركيزتين أساسيتين هما: أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة على المستوى الاستراتيجي، ومقاربة السوق الاجتماعية على المستوى التنفيذي". لافتا إلى "أنَّ لبنان كان من بين 190 دولة وقّعت على اتفاقية أهداف التنمية المستدامة سنة 2015، ولكنه لم يعتمدها يوماً أساساً لخطة اقتصادية اجتماعية تنموية شاملة".
وقدَّم حايك بعض المقترحات الضرورية للخطة الاقتصادية الاجتماعية للبنان. وهي ترتكز على إعادة هيكلة قطاع المصارف، تنقيح دفاتر مصرف لبنان، التوصّل الى اتفاق ولو شكلي مع صندوق النقد الدولي لاستعادة بعض الثقة المالية التي فقدها لبنان حين توقف عن دفع مستحقات ديونه بدل جدولتها. إعتماد إنتاج الكهرباء والطاقة الشمسية كأساس. تشركة قطاعات الاتصالات والكهرباء وإنشاء هيئات منظمة تسهر على منع الاحتكار فيها. وضع كل المؤسسات العامة في صندوق ائتماني وإعادة هيكلتها، معالجة مديونية الدولة وتعزيز سلطة إدارة الدين العام، الإستثمار في البنى التحتية ووقف الدعم العشوائي. إنشاء مناطق اقتصادية خاصة ومتخصصة في المحافظات لتنميتها. الإتفاق مع الدول الأوروبية على تحسين شروط التجارة في إطار الشراكة المتوسطية. تسييل مخزون الذهب بهدف استثماره".
وانتهى حايك إلى التأكيد على "أهمية العدالة الضرائبية والشفافية الضرائبية في تحقيق العدالة الاجتماعية"، منتقدًا بشدة لجوء الحكومة "فرض ضرائب غير مباشرة لتغطية نقص المداخيل". ولذلك "لا بد من تصميم وتطبيق ضرائب تصاعديّة على الدخل وإجراءات تضمن الشفافية وتردع التهرّب الضريبي. وكل ذلك لإعادة تكوين الطبقة الوسطى".