سيجورنيه والرئيس نجيب ميقاتي.
تبدّى بوضوح أن زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه إلى بيروت، إنما جاءت في توقيت مفصلي شكلاً ومضموناً، وتناولت أكثر من شقّ سياسي و"استحقاقي" وأمني، وإنْ كانت هذه العناوين قد بُحثت في الإليزيه خلال الزيارة الاخيرة لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى باريس. وثمة معلومات موثوق بها تفيد بأن أحد السفراء الفرنسيين السابقين في بيروت ابلغ مسؤولاً لبنانياً كان في العاصمة الفرنسية، أن إسرائيل تحضّر بشكل جدي ووفق معلومات استخبارية استقتها باريس من واشنطن من خلال تواصلها مع تل أبيب، للقيام بعمل كبير في لبنان، ما سيؤدي إلى كارثة كبيرة، وبالتالي ندخل في الحرب الشاملة، خصوصاً ان ثمة حدودا مباشرة بين لبنان وإسرائيل، الأمر الذي من شأنه أن يدمر لبنان ومنشآته المدنية والحيوية وكل مرافقه ومؤسساته، في ظل شغور رئاسي، وحكومة تصريف أعمال وترهّل الدولة، وظروف اقتصادية هي الأصعب في تاريخه المعاصر. وتؤكد المعلومات أن سيجورنيه حمل نقاط الحل، وكشف عن اتصال أجرته باريس بتل أبيب لثنيها عن أي مغامرة في لبنان، وتطبيق القرار 1701، وتنسحاب "حزب الله" حتى شمال الليطاني، ليعود سكان المستوطنات وتتوقف الحرب، ومن دون ذلك ليس هناك حلول، أو بحث في أي بند آخر. وبات جلياً أن رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي غالباً ما يفاوض باسم "حزب الله" مع الموفد الأميركي ٱموس هوكشتاين، وكذلك مع الذين يزورون لبنان من موفدين دوليين وعرب وسواهم، يدرك سلفاً أن "الحزب" لن يقبل على الإطلاق بفصل مسار الجنوب عن غزة، لكن هناك أخذ وعطاء وردود قد تتوضح خلال الساعات المقبلة على ضوء ما كشفه سيجورنيه عن نيات إسرائيل المبيتة، وهذا ليس ترهيباً أو تهويلاً، بل أمر واقعي، لأن ثمة خططا كُشفت سابقاً والخطة التي تعدّها إسرائيل باتت معروفة. وعلى هذه الخلفية، فإن الأيام القليلة المقبلة ستكون في غاية الدقة والصعوبة في آن. والسؤال: هل يتم فصل مسار الجنوب عن غزة، أم يكون هناك اتفاق أو صيغة ما برضا "حزب الله" وموافقته ومن دون أي تنازلات، لأن الثابت حتى الساعة أن الموفد الأميركي عندما طرح آخر صيغة، لم يتناول سلاح المقاومة، والأمر عينه لوزير الخارجية الفرنسي ومعظم الذين يتولون تطبيق القرار 1701.
في السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة إلى أن المسارات باتت مترابطة بعضها ببعض، فدور اللجنة الخماسية لا يمكن فصله عن المساعي الآيلة لعدم توريط لبنان في حرب لا قدرة له على تحمّلها، إضافة إلى أن الرئيس لن يُنتخب قبل أن تتوقف الحرب في الجنوب، وكل ذلك مرتبط بما يحصل في الداخل الفلسطيني ويحتاج إلى تسوية دولية إقليمية، إضافة الى أن دور "الخماسية" لا ينحصر فقط بالإستحقاق الرئاسي، بل السعي الى "تلطيف" الأجواء بين المكونات اللبنانية، في حين يجب قراءة ما صرح به السفير السعودي وليد بخاري لدى زيارته دار الإفتاء، ولقائه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وهذا الكلام من هذا الموقع الذي له أهميته، أي التلاقي والحوار، يراه بخاري مدخلاً أساسياً لتلاقي اللبنانيين، ما يعني ان السعودية التي لها موقعها الدولي والعربي والإقليمي، تعمل جاهدة على مستوى ردع إسرائيل عن أي عملية تقوم بها في رفح، وحل الدولتين، وكذلك عدم السماح لها بأي اجتياح عسكري في لبنان، ومساعيها قائمة في هذا الإطار مع الشركاء والحلفاء والأصدقاء، الأمر الذي سيناقشه وزير الخارجية الفرنسي مع كبار المسؤولين في المملكة.
وتعرب المصادر عن قلقها من الوقت الضائع إلى حين التوصل إلى تسوية، وإن ليس في الأفق ما يؤكد أن الأمور تتجه إلى توافق حول هدنة في غزة، لأنه في حال حصل ذلك ستنسحب على الجنوب، وطالما ان ليس ثمة تسويات أو هدن، فمعنى ذلك أن جبهة الجنوب ستبقى مشتعلة، وعندها يُخشى ان تتوسع رقعة العمليات الميدانية وتطاول العمق اللبناني. لذا، فاللعبة مفتوحة على كل الإحتمالات، ومن الطبيعي أن الإستحقاق الرئاسي سيتأثر بهذه الأجواء والمعطيات، لأنه من الصعوبة بمكان انتخاب رئيس والحرب مشتعلة، ناهيك عن أن أحد الذين يواكبون اللجنة الخماسية يؤكد في مجالسه أن الحرب في الجنوب كانت العائق الأكبر لانتخاب الرئيس، "وقد بدأنا نعمل من أجل الحوار والتهدئة ليتجاوز لبنان هذه المرحلة، بعدما حددنا المواصفات والمقاربات والخيار الثالث".
-