حرص رئيس مجلس النواب نبيه بري لدى استقباله وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه اول من امس على إقران اقواله بالوثائق حيال تبيان حجم الاعتداءات الاسرائيلية في الجنوب منذ الثامن من تشرين الاول الفائت الى اليوم.
وتتضمن الخريطة التي عرضها بري على سيجورنيه الاضرار التي ارتكبتها اسرائيل في تدمير الآلاف من المنازل والمحال التجارية والمؤسسات الاقتصادية والصناعية، فضلا عن تخريب مساحات شاسعة من اشجار الزيتون والفاكهة والخيم الزراعية التي تضررت، الى بساتين الموز والحمضيات في الناقورة وساحل صور. ولم تستعمل اسرائيل هذه المرة اسلحة تقليدية بل لجأت الى اطلاق قنابل فوسفورية محرمة دوليا وتخلّف آثارا لسنوات طويلة على المساحات الحرجية والزراعية، فضلا عن انعكاسها السلبي على الآبار والمياه الجوفية.
وأعدّ المجلس الوطني للبحوث العلمية هذه الخريطة من خلال فرق حضرت على الارض وعاينت الاضرار وليس كلها بواسطة موظفين في مجلس الجنوب الى اتحاد البلديات في محافظتي الجنوب والنبطية. واجرت وزارة الزراعة بدورها مسوحات على هذه الاضرار بمتابعة من الوزير عباس الحاج حسن.
ولم تتمكن كل هذه المؤسسات من اجراء احصاءات ومسوحات كبيرة نتيجة التهديدات الاسرائيلية التي تمنع هذه الفرق من الوصول الى اكثر من بلدة حدودية حيث عملت تل ابيب على تدمير مجموعات كبيرة من المنازل والمباني التي تحجب الرؤية لمواقعها العسكرية ومواقع الرصد. وهذا ما فعلته في اكثر من قرية من الناقورة الى تخوم مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة.
ومن اجل ألا يمر مسلسل التدمير الاسرائيلي في الجنوب مرور الكرام على غرار محطات حربية سابقة، يجب على لبنان ان يعدّ ملف هذه الخريطة من الاعتداءات بعناية شديدة بحسب مصادر رسمية سبق لها ان واكبت هذا النوع من اعمال المسح حيث يقوم المجلس الوطني للبحوث العلمية بجهود كبيرة، وان من الافضل اقتران هذا العمل واستكماله مع مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني بغية إعداد ملفات شاملة ومتكاملة وارسالها الى وزارة الخارجية والمغتربين لتعرضها أمام الجهات المعنية في الامم المتحدة والمحافل الدولية وكشف حقيقة ما ترتكبه اسرائيل في الجنوب. ولم تظهر الخريطة التي اطّلع عليها سيجورنيه حجم أعداد المنازل المدمرة ولو تم التركيز على البلدات المتضررة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك ما لا يقل عن 250 منزلا قد سوّيت بالارض من اصل 800 في بلدة بليدا (مرجعيون).
وهناك مئات المنازل التي تهدمت في الضهيرة وعلما الشعب وعيتا الشعب وكفركلا وميس الجبل ومركبا وغيرها في مشاهد أدت الى محو أحياء عدة على غرار ما تنفذه اسرائيل في قطاع غزة. وتكمن اهمية الاستعانة بالجيش اللبناني لإعداد صور وخرائط واجراء مسح عام مع التوقف ايضا عند الاضرار الزراعية، لان شجرة الزيتون التي احترقت واقتُلعت من جذورها لا يمكن حصر خسارة انتاجها في هذه السنة فحسب بل تمتد الى مواسم عدة الى حين زرع شجرة مكانها لتنتج ثمرا جديدا.
ويبقى المطلوب من الجهات المعنية هنا التعاطي بطريقة مدروسة مع هذا الملف وعدم الوقوع في اخطاء سابقة نتيجة التعنت الاسرائيلي وعدم اكتراثه بكل المواثيق الدولية. وابلغ مثال على ذلك قيامه ابان عدوان تموز 2006 في تدمير خزانات الجيّة التي تسببت بإفراغ 15 ألف طن من الفيول في البحر حيث تلوثت مساحة كبيرة من الشاطىء وصولا الى طرطوس في سوريا.
وتقدم لبنان بشكوى آنذاك امام مجلس الامن وسُجلت له تعويضات مالية ما زالت على الورق بقيمة 800 مليون دولار اميركي ومن دون توافر المتابعة الدولية من ارفع مؤسسة دولية.
في اختصار، لم تلتزم اسرائيل بالدفع. ومنعاً لتكرار تلك المشهدية الاسرائيلية على الجهات المعنية في لبنان ان تعدّ هذه المرة ملفها جيدا من خلال استكمال المسح العام والشامل بطريقة علمية وبإشراف العاملين في المجلس الوطني للبحوث العلمية والاستفادة من امكانات الجيش هنا ووزارتي الزراعة والبيئة. واذا لم يتم العمل وفق كل هذه القواعد العلمية والقانونية يكون لبنان غير مبالٍ وليس على مستوى التضحيات البشرية والمادية والسكنية والزراعية التي تقدَّم على أرض الجنوب.