ابراهيم الغريب
يكثر اللغط حول تموضع الجماعة الإسلامية بعد الانتخابات الداخلية الأخيرة التي أجرتها الجماعة صيف العام 2022 والتي قضت بوصول الشيخ محمد طقوش أميناً عاماً خلفاً للدكتور عزام الأيوبي، إذ باتت الجماعة تميل وبشكل واضح إلى محور الممانعة وحركة حماس بعدما كانت أكثر ميلاً للتحالف مع خط 14 آذار في لبنان، وهو ما تجلى في تحالفاتهم مع أحزاب وتيارات سيادية في الاستحقاقات الانتخابات الماضية لاسيما في انتخابات 2022 النيابية التي تحالفت فيها الجماعة مع حزب القوات اللبنانية في عكار ومع المرشح المستقل ايهاب مطر في طرابلس. أما اليوم فإننا إذا ما دققنا في هويات غالبية قيادات الصف الأول الجدد في الجماعة نجد أنهم منخرطون في صفوف حركة حماس وأبرزهم الأمين العام الحالي محمد طقوش الذي يشغل منصباً وظيفياً في جهاز أمن حركة حماس بحسب ما نشر مركز كارنيغي للدراسات.
الجماعة ومعركة طوفان الأقصى: استقطاب الشباب السني
مع انطلاق معركة طوفان الأقصى أعلنت الجماعة الإسلامية عن إطلاق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه مستوطنات الشمال فخلقت بذلك حالة من الانقسام في الشارع السني بين مؤيد يرى في ذلك ضرورة لردع العدو والوقوف إلى جانب غزة، ومعارض يقول ألا جدوى ميدانية في ذلك بل إن خطوة كهذه قد تدفع بالسنية السياسية نحو العزلة مع محيطها العربي، ناهيك عن أنها لا تشبه الجو السني العام في لبنان المتماهي مع فكرة "الدولة الوطنية"، بدليل المواقف السنية التي رفضت بغالبيتها الظهور المسلح للجماعة بدءاً بمعركة طوفان الأقصى ودخول قوات الفجر على خط المواجهة إلى جانب حزب الله مروراً بالاستعراض العسكري في بيروت منذ شهرين وصولاً إلى الاستعراض الأكبر في تاريخ الجماعة الإسلامية في عكار خلال تشييعها اثنين من قيادييها بعدما اغتالتهما إسرائيل في البقاع الغربي. فماذا يحدث في أروقة الجماعة الإسلامية؟
تقول مصادر أمنية لبنانية إن هناك التماساً لاستقطاب الجماعة الإسلامية عشرات الشبان السنة في عكار وطرابلس وبيروت للالتحاق بقوات الفجر واللافت في ذلك هو أن غالبية هؤلاء الشبان من طلاب الجامعات بدليل استشهاد الشاب حسين درويش عشية شهر رمضان أحد المقاتلين في قوات الفجر والذي يتلقى تعليمه في كلية الطب في جامعة بيروت العربية.
فما سبب هذا التحول الذي يراه البعض نسخة سنية عن محور الممانعة؟ سؤال أجابنا عنه مصدر قيادي في الجماعة الإسلامية قائلاً: "الجماعة ليست ضمن أي محور، والمحور الوحيد الذي تنتمي إليه هو محور الوطن. وقد أكّد ذلك الأمين العام في لقائه مع الإعلاميين في رمضان، وأعاد التأكيد عليه خلال تشييع الشهيدين في عكار عندما قال إن الجماعة لم تفوّض أمرها لا إلى الشرق ولا إلى الغرب بل إلى الله وحده".
تجدر الإشارة إلى أن الجماعة الإسلامية كانت قد أطلقت في العام 2017 وثيقة سياسية وطنية بعنوان "وثيقة وطن" وضعت خلالها رؤية وطنية وعصرية تطالب فيها بنزع السلاح غير الشرعي وحصر السلاح بيد الجيش اللبناني والوصول إلى دولة مدنية في لبنان. فلماذا تتعارض سياستهم اليوم مع وثيقة الـ2017 يجيب المصدر القيادي: "أداء الجماعة لم يتغيّر ولم يختلف وما زال مسنجماً مع وثيقة رؤية وطن التي أعلنتها العام 2017 لناحية بناء الدولة ومؤسساتها، وإذا كان المقصود بالتعارض مسألة المقاومة فهي واضحة أيضاً في الرؤية".
غياب المرجعيات السنية وتأثيره في صعود الجماعة
يرى النائب السابق الدكتور مصطفى علوش في حديث لـ"النهار" أن غياب تيار المستقبل عن الساحة السياسية ساهم في بروز الجماعة الإسلامية لكنه لم يزد من شعبيتها. فالشارع السني لا يؤمن بالإسلام السياسي وهذا ما لم يكن لصالح الجماعة الإسلامية، بدليل حصولها في الانتخابات النيابية الماضية على نائب واحد فقط. ويضيف علوش: "بالمحصلة فإن الجماعة حركة سياسية تستخدم الدين كغطاء، وهي رأت أن التموضع باتجاه إيران قد يكون أنفع كونها الجهة الوحيدة التي بقيت حالياً".
وعن سؤالنا عن مصير الجماعة الإسلامية في الفترات المقبلة يقول علوش: "مصيرها مرتبط بمصير حماس وعليه فإن مستقبلها مرتبط بمفاوضات معركة طوفان الأقصى، واذا استمرت الجماعة في هذا الخط فإنها تأخذ الشارع السني إلى المزيد من الانقسام والتبعية لإيران".
تاريخ الجماعة الإسلامية
يقول نائب مدير مركز كارنيغي لشؤون الأبحاث الدكتور مهند الحاج علي لـ"النهار" "إنه بالعودة للنشأة فإن الجماعة الإسلامية لم تكن تنظيماً إسلامياً ريادياً في لبنان بمعنى أنها لم تكن من تنظيمات الأخوان الأولى في المنطقة والقصة تعود إلى الخمسينيات حيث شكلت حينها حالة جمعياتية وكانوا محصورين في مناطق معينة بسبب وجود الزعامات السنية التقليدية حينها في لبنان. فالسنة هم من سكان المدن ومن هذه المدن ولدت القيادات السنية التقليدية التي كان لها دور تأسيسي في لبنان إن كان في الميثاق الوطني والحكومات التي ترأسوها وبالوقت نفسه لم تكن الطائفة السنية مهمشة سياسياً مقارنة بالشيعة فكان دور الجماعة محدوداً بالإضافة إلى موجة الناصريين التي اكتسبت الساحة في لبنان، ناهيك عن تضييق الدولة اللبنانية عليهم، إلى أن أتت الحرب الأهلية وشاركت الجماعة في حرب السنتين وشكلت حركة عسكرية اسمها "المجاهدون". بعدها دخلت سوريا وحاولت احتواءهم إلى حين تشكيل حركة حماس وتشكيل قوات الفجر التي لا تحمل دوراً اساسياً في المقاومة اللبنانية، وما نراه اليوم من مشاهد للجماعة في الشارع هي "أعمال هواة" فقط والجماعة لا تفقه الوضع السياسي والعسكري في لبنان جيداً ولا تفهم ما يريد الشارع السني والمزاج اللبناني العام .
الجدل الذي خلفه تشييع قياديي الجماعة في عكار
لم يمر تشييع القياديين في الجماعة الإسلامية مصعب وبلال خلف في ببنين العكارية يوم الأحد مرور الكرام، فالتشييع تخلله غرض عسكري لقوات الفجر وإطلاق نار كثيف أدى إلى 3 إصابات في المناطق المجاورة، ما دفع بالجماعة لإصدار بيان استنكرت خلاله إطلاق الرصاص، نافية أن يكون أحد عناصرها قد أطلق النار، لكن البيان لم يمنع من استهجان عدد من الأصوات اللبنانية أبرزها النائب ابراهيم منيمنة الذي قال في حديث للنهار: "دائماً كنا نطالب بحصر السلاح بيد الجيش اللبناني لكننا اليوم وخلال الحرب لا نطلق هذا الخطاب كي لا يكون ذلك ورقة يستخدمها العدو الإسرائيلي في النزاع الداخلي، ولكن أن يفهم البعض هذا الموقف وكأنه تسامح وسماح بظهور مسلح إضافي في البلاد فهذا غير مقبول".
وأضاف منيمنة: "لا نريد أن تصبح هذه الظاهرة مكرسة وكأنها أمر عادي ومقبول والتي قد تظهر وكأنها طريقة للتعبير عن التضامن مع فلسطين لكنها في الحقيقة لا تمنع أعمال العنف الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وتزيد من الانقسام الداخلي اللبناني".
وكانت قد صدرت مواقف من شخصيات سياسية ونيابية استهجنت "العراضة العسكرية" للجماعة الاسلامية على رأسهم وزير البيئة ناصر ياسين ونواب من طرابلس وبيروت والبقاع وصيدا، ووفقاً للمعلومات فإن شخصيات "سنية" تضم وزراء ونواباً وفاعليات تحضر لورقة سياسية سيجري توزيعها على المسؤولين السياسيين والأمنيين ترفض حالة الفوضى والاستقطاب التي تقوم بها الجماعة وغيرها في الشارع السني.