النهار

الهجرة الموسميّة تثير عاصفة في لبنان: شروطها وآليّاتها ومدى نجاحها
المصدر: "النهار"
الهجرة الموسميّة تثير عاصفة في لبنان: شروطها وآليّاتها ومدى نجاحها
عمّال يعملون في أحد الحقول. (تعبيرية)
A+   A-
أثار تصريح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حول الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي عن انضمام لبنان إلى القانون الذي يشمل الدول المستضيفة للنازحين السوريين الذي يفتح المجال أمام اللبنانيين للهجرة الموسمية إلى دول الاتحاد الأوروبي كي يعملوا هناك موسميًا، ردود فعل مستنكرة، حيث ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي في اليومين الأخيرين بالانتقادات والسخرية.
حديث ميقاتي جاء بعد زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، الخميس إلى بيروت برفقة الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس، وأعلنت عبرها عن حزمة مالية بمليار يورو تُقدّم على ثلاث سنوات لتعزيز قطاعَي التربية والصحّة ولدعم القوى الأمنية وتدريبها لحماية الحدود.
 
سبق للاتحاد الأوروبي أن عقد مثل هذه الاتفاقيات مع بعض الدول في شمال أفريقيا: وفي بعض الحالات دفع المليارات للدول التي تعاني اقتصادياً. وهناك اتفاقيات مع موريتانيا وتونس على سبيل المثال. ولم يبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقاً آخر مع مصر إلّا في منتصف آذار الحالي وبناءً على ذلك، ستحصل القاهرة على 7.4 مليارات يورو من بروكسل في غضون أربع سنوات - على شكل قروض، بالإضافة إلى استثمارات في التقنيات الخضراء أو التحوّل الرقميّ في البلاد. وفي المقابل، على البلاد اتخاذ إجراءات أكثر تشدّداً ضدّ المهرّبين والمتاجرين بالبشر وتوفير حماية أفضل لحدودها مع السودان وليبيا.
 
وفي ما خصّ الهجرة الموسمية يقوم التعاون بشأن هجرة العمالة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والدول الشركاء في المتوسط في الأساس على الاتفاقيات الثنائية، ومنها تلك الاتفاقيات المتعلقة بالهجرة الدائرية. ومن المرجّح أن يستمرّ هذا التوجّه، بغضّ النظر عن أيّ حلول مخصّصة ومطروحة على مستوى الاتحاد الأوروبي. وإذا كان الهدف من مبادرات الاتحاد الجديدة كشراكات المواهب مساندة وتنويع مجموعة التدابير القانونية لدى الدول الأعضاء، فيجب أن تأخذ في الاعتبار احتياجات كافة قطاعات الاقتصاد.
 
رغم الجهود المستمرة المبذولة لإنشاء منصّات تعاون أوروبية في شأن هجرة العمالة مع الدول الشريكة خارج الاتحاد، إلّا أنّه في الواقع يفضّل أغلب الدول الأعضاء في الاتحاد الحلول الثنائية في شأن تنظيم هجرة العمالة، في ضوء حقيقة أنّ القليل من توافق التشريعات التي تحكم دخول وإقامة العاملين الأجانب في دول الاتحاد، يؤدّي إلى قيام الدول المهتمّة بالتعاون في شأن هجرة العمالة بإبرام أنواع مختلفة من الاتفاقيات الثنائية، وهناك أمثلة عديدة على ذلك، خصوصاً بين المغرب وإسبانيا، تقضي بمشاركة المغربيات بقطاف موسم الفريز، وكذلك تسمح الاتفاقية بسفر آلاف العاملات المغربيات الموسميات إلى الحصاد السنويّ في إسبانيا، وتحديداً في مقاطعة ولفا. إلّا أنّ هذه الاتفاقات لاقت انتقادات على شاكلة الاعتداءات الجنسية وعدم احترام حقوق الإنسان.
وفي تونس وُقّعت اتفاقات مع ألمانيا عام 2011 عقب الثورة التونسية، عندما بدأت الدولتان البحث عن فرص جديدة لتعزيز تنقّل العمالة تلبية لقطاعَي الصحة والتكنولوجيا تحديداً.
 
 
وضع الاتحاد الأوروبيّ الشروط والقوانين للهجرة الموسمية في عام 2014 وألزم الدول ضمن إطاره على الالتزام بها عند عقد الاتفاقيات مع أيّ بلد.
ومن أهمّ هذه البنود عدم تطبيق مكتسبات "شنغن" بالكامل، وتبدأ من 90 يوماً قابلة للتجديد، أي تبقى للمهاجر حرية الحركة في البلد الذي يقصده، ولكن يتمّ التحقّق من أنّه لا يشكّل خطراً من ناحية الهجرة غير الشرعية، مع إلزامه بمغادرة أراضي الدول الأعضاء على أبعد تقدير عند انتهاء التفويض.
كما تشترط الدول الأعضاء أن تكون لدى العامل الموسمي موارد كافية أثناء إقامته لإعالة نفسه دون اللجوء إلى أنظمة المساعدة الاجتماعية الخاصّة، ولا يجوز قبول مواطني الدول الثالثة الذين يعتبرون أنّهم يشكّلون تهديدًا للسياسة العامّة أو للأمن العامّ أو للصحّة العامّة.
 
وفي 2023، اعتُبرت ألمانيا من الدول المتقدّمة على غيرها بعد إقرار قانون لاستقطاب العمالة الماهرة من خارج الاتحاد الأوروبيّ، ووضعت له خططاً تنفيذية.
ولكن بحسب خبراء ألمان واجهت هذه القرارات عقبات عدّة أهمّها العقبات البيروقراطية، والاعتراف بالشهادات الأجنبية، وحتّى عدم اشتراط الاعتراف ببعض الشهادات من أجل العمل والانتقال من مهنة إلى أخرى، بصرف النظر عن المؤهلات المهنية، ومنح الشركات الحقّ في تحديد معايير الموظفين الذين تحتاج إليهم، وقبل كلّ شيء تسريع اتّخاذ القرارات من خلال وضع بنك معلومات رقميّ للراغبين وللشركات وللسلطات الحكوميّة في آن واحد.
والأهمّ بالنسبة إلى الدول العربية تبقى قضية إعطاء التأشيرات وتقييدها بشكل كبير، فبالإضافة إلى أنّ تكلفتها العالية والوقت المستغرق لنيلها يعتبران من أصعب العقبات، نجد الدولة تُطالب بإتقان اللغة الأجنبية.
وتحدّثوا عن صعوبة ستواجهها الدول تتمثّل في رفض المهاجرين العودة، وخصوصاً الذين يأتون من بلدان تواجه أزمات اقتصادية، كتقديم طلب لجوء سياسيّ، أو تظلّم أحدٍ من عدم قبول مجتمعه له لاختلاف في الديانة أو الجندر، بما يضع هذه الدول في مأزق احترام معاهدات حقوق الإنسان والهجرة.
 
وفي لبنان واجه الحديث عن هجرة موسمية رفضاً واسعاً من أغلبية الأفرقاء السياسيين.
وقال رئيس "التيّار الوطنيّ الحرّ" جبران باسيل: "تحدّث ميقاتي عن اتفاق أو دخول لبنان في القانون الأوروبيّ لهجرة موسمية، وذلك حتى يتمكّن اللبنانيون من العمل في دول أوروبية، وحقيقة هذا القانون يبيّن أنّ الدول الأوروبيّة في حاجة إلى اليد العاملة الأجنبية، وستمنح تأشيرات دخول إلى أراضيها لفترة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد برضى الدول المضيفة لسدّ النقص في اليد العاملة في قطاعات محدّدة، وبمعنى آخر تهجير مقنّع وتدريجيّ للبنانيين تحت مسمّى الهجرة الموسمية، التي يمكن أن تؤدّي إلى هجرة دائمة".
وتابع باسيل: "زارتنا رئيسة المفوضية تحت عنوان "أوروبا تكافح هجرة السوريين إلى أوروبا"' وبالتالي فهي تقول أنّ على لبنان إبقاء السوريين على أراضيه، وفي الوقت نفسه، أوروبا ستفتح باب الهجرة للشعب اللبنانيّ، أي أنّها ستقوم بإغراق الأرض اللبنانية بغير اللبنانيين، وستفتح باب الهجرة للبنانيين، أي استبدال الشعب اللبناني بالنازحين السوريين وتغيير هوية الشعب والأرض، الذي سيؤدّي بعد أعوام عدّة إلى زوال لبنان من الوجود".
وأعرب المجلس الوطنيّ الأرثوذكسيّ، في بيان، عن "رفضه القاطع لما تقوم به المنظمة الأوروبية وأعوانها على حساب الشعب اللبنانيّ"، سائلاً "كيف تسمح حكومة تصريف الأعمال ورئيسها نجيب ميقاتي بالمجازفة وبانتهاك سيادة الدولة اللبنانية؟".
وقال: "الدولة اللبنانية ليست جزءاً أو عضواً في منظمة الاتحاد الأوروبيّ التي تسعى إلى تهجير الشعوب العربية من سوريا وفلسطين ولبنان، وإلى تغيير الخريطة العربية والجغرافية والديموغرافية لمنطقة الشرق الأوسط، ومشروعها توطين النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين".
أمّا نوّاب التغيير فأشاروا إلى أنّ "الطغمة الحاكمة سرقت وأفقرت وقتلت اللبنانيّين، ولا تزال تُمعِن بجرائمها، واليوم تبيعهم بالجملة مقابل الحصول على رضى المجتمع الدوليّ، علّه يغفر لها أخطاءها وخطاياها؛ لقد قايضت أمن واستقرار ومستقبل اللبنانيّين بثلاثين من الفضّة"
ورأوا ‏إنّها رشوة مزدوجة، في شقّها الأول فتات من المال سيستغله حتماً مَن يغتصب السلطة، فيوزّعه على المحسوبيات، وفي شقّها الثاني يُسهّل سفر اللبنانيين واللبنانيات إلى الدول الأُوروبية، تحت ستار "العمل الموسميّ"، بدل القيام بإصلاحات بنيوية من شأنها أن تنهض بالاقتصاد اللبنانيّ، وتخلق فرص العمل من أجل تثبيت الشباب في وطنهم".
 
 
هذه الردود استدعت ردّاً عنيفاً من رئيس حكومة تصريف الأعمال معتبراً "أنّها محاولة واضحة لإثارة الغرائز والنعرات، أو من باب المزايدات الشعبية، أو حتّى بكلّ بساطة لعدم الاعتراف للحكومة بأيّ خطوة أو إنجاز...".
 
وتساءل: "هل المصلحة الوطنية تقضي بعزل لبنان، في هذا الوقت، بالذات عن أصدقائه في أوروبا والعالم، والتشكيك بأيّ خطوة مشكورة لدعم وطننا في هذه الظروف؟ وبتجاهل الدلالات والمعاني الجادّة لكلّ رسائل الدعم المعنوية والديبلوماسية والمادية للبنان والتسابق إلى المزايدات الشعبوية؟ أم بالمزيد من العمل لحشد أكبر تأييد وتفهّم للموقف اللبنانيّ وللخطوات المطلوبة لحلّ ملفّ النازحين بطريقة تحمي سيادة الوطن وواقعه ومصلحة شعبه؟".
وفي ما يتعلّق بكلامه عن قرار الهجرة الموسمية الخاصّ بدول الجوار الذي اتّخذه الاتحاد الأوروبيّ وضمّ إليه لبنان على تركيا والأردن ومصر وتونس، أوضح: "القصد منه ليس تشجيع اللبنانيين على الهجرة كما زعم البعض، بل فتح الباب أمام فرص عمل موسمية في الخارج يعلن عنها من الدول الأوروبية في حينه، وبالتالي تكون هذه الهجرة شرعية لمن تنطبق عليه الشروط المحدّدة عوضَ أن تكون في مراكب الموت غير الشرعيّة".
 
بحسب الاستاذ في القانون الدولي أديب الفرزلي، كان من الأجدى أن يفرض لبنان الذي يزخر بالكفاءات أجندة على الاوروبيين بينها تعزيز التعاون مع دول الاتحاد وعقد اتفاقيات مشتركة معها من أجل توفير فرص أفضل لشبابه في مجالات الأبحاث والإبتكارات في مراكز البحوث والتعليم الأوروبية والاستفادة بأعداد أكبر من منح التعليم العالي، إلى بعض الإمتيازات كتسهيل حصول الخريجين من اصحاب الاختصاصات التي تعاني اوروبا من نقص منها على إقامات عمل وتدريب في الشركات الأوروبية المتميزة، وهذا ما يحصل مثلا بين المانيا وعدد من الدول الافريقية والهند والفيليبين بينها في مجال التمريض والطب. هناك معاناة مع السفارات والقنصليات بالحصول على اقامات لاستفادة من هكذا فرص، ناهيك عن تفاهمات من أجل رفع مستوى التعليم المهني والتقني في البلاد، وعلى سبيل المثال مع دول مثل فرنسا وألمانيا المتميزتين في هذا المجال، وهذا ما قد يحمي أجيال بأكملها من الهجرة مستقبلا وان تحقق طموحاتها في بلدها.
 
وفي المجال الزراعي والصناعي التوافق على بعض المطالب والإمتيازات بينها توسيع سلة الصادرات الزراعية والصناعية إلى دول الإتحاد والجوارالأوروبي والتعاون لرفع جودتها لتصبح مطابقة للمواصفات المطلوبة اوروبيا، ما يخدم الناتج المحلي الإجمالي في البلاد ويعززبقاءالمواطنين في الأرياف ويساهم في رفع مستوى معيشتهم بفعل تحريك عجلة الإنتاج، فضلا عن برامج التوأمة لمكافحة التهرب الضريبي والجمركي وتبادل المعلومات والخبرات، بدلا من الحديث عن هجرة موسمية لا تنطبق على اللبناني سيما وانها وباغلبيتها لاعمال زراعية والفنادق وورش البناء وحيث عادة ما يتم التعاون مع شركات في دول اوروبا الشرقية تؤمن اليد العاملة من بلغاريا ورومانيا والبانيا وغيرها من دون مشكلة اقامات سيما وانه يحقق لهم التنقل دون عناء لفترة ٣ اشهر.

اقرأ في النهار Premium