من دون التقليل من الأهمية القصوى لملف النازحين السوريين الذي يتخذ يوماً بعد يوم طابعاً متوهجاً في صدارة الازمات والتحديات والأخطار التي يواجهها لبنان، بدا من غرائب الواقع السياسي الداخلي أن هبة المليار أورو التي أعلنت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين منحها للبنان خلال زيارتها قبل أيام لبيروت استطاعت أن تفجر الانقسامات والسجالات الداخلية حولها اكثر من الثقل المخيف لأكثر من مليونين نازح سوري في لبنان. ذلك أن "عاصفة" السخرية السياسية والإعلامية مما وصف على نطاق واسع بـ"الرشوة" الأوروبية نالت من الواقع السياسي بقوة إذ اثارت سجالات حادة تجسدت في رد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمس على هذه الحملة فيما كان جبران باسيل يمعن في توظيفها للهجوم على ميقاتي. ولكن الأمر اتخذ طابعاً جدياً للغاية حين بادر ميقاتي إلى نقل العاصفة من مرمى الحكومة إلى مرمى مجلس النواب وطالب رئيس المجلس بعقد جلسة تخصص للملف.
يحصل ذلك فيما تغيب عن الشاشة والواجهة والمشهد مسالة التفاوض والرد في ملف "حرب الجنوب" ولم يطلع أحد بعد على الرد الذي أعده رئيس المجلس بالتنسيق مع "حزب الله" وحده على الورقة الفرنسية. ولربما كان في عاصفة ملف النازحين جانب مخفي يهدف إلى حجب ما يجري على ضفة التفاوض حول الوضع في الجنوب!
إذن أعلنت السرايا مساء أمس أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أجرى اتصالاً هاتفياً برئيس مجلس النواب نبيه بري تشاورا في خلاله بالاوضاع الراهنة. وفي خلال الاتصال "تمنى رئيس الحكومة على الرئيس بري الدعوة إلى جلسة نيابية عامة لمناقشة موضوع النازحين وذلك من أجل وقف الاستغلال السياسي الرخيص الحاصل في البلد في هذا الملف على حساب المصلحة العامة".
سبق ذلك صدور بيان عن المكتب الإعلامي للرئيس ميقاتي رد فيه على "الحملة السياسية والإعلامية الجارية تحت عنوان أن "الاتحاد الاوروبي يقدّم رشوة للبنان لقاء إبقاء النازحين السوريين على أرضه والتي يشارك فيها سياسيون وصحافيون ووسائل اعلام، في محاولة واضحة لاستثارة الغرائز والنعرات، أو من باب المزايدات الشعبية، أو حتى بكل بساطة لعدم الاعتراف للحكومة بأي خطوة أو إنجاز. والمدهش أن بعض هذه الحملات السياسية يستخدم نبرة السخرية التي تسيء إلى الدبلوماسية اللبنانية الجادة والمسؤولة، في انعدام واضح للحس بالمسؤولية الوطنية في مقاربة ملف بهذا الحجم والخطورة يتطلب إجماعاً وطنياً ورؤية موّحدة لحله". واعتبر "إن الكلام عن رشوة أوروبية للبنان لإبقاء النازحين على أرضه غير صحيح مع التأكيد أن هذه الهبة غير مشروطة بتاتاً ويتم إقرارها من جانب اللبناني حسب الأصول المتبعة بقبول الهبات. إن ما يحصل هو محاولة خبيثة لإفشال أي حل حكومي، تحت حجج واتهامات باطلة، وما توصل إليه رئيس الحكومة بحصيلة الحملة الدبلوماسية مع مختلف الأطراف الخارجية.
وهذا المسعى سيستمر فيه دولة الرئيس خلال انعقاد مؤتمر بروكسيل قبل نهاية الشهر الحالي". وقال: "أما بشأن حزمة المليار يورو التي أقرت للبنان من الاتحاد الأوروبي والتي أُعلن عنها خلال زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية والرئيس القبرصي نيكوس للبنان، يكرر دولة الرئيس ويقول بكل وضوح أنها مساعدة غير مشروطة للبنان واللبنانيين حصراً وتشمل القطاعات الصحية والتربوية والحماية الاجتماعية والعائلات الأكثر فقراً إضافة إلى مساعدات الجيش والقوى الأمنية من أمن عام وقوى أمن داخلي لضبط الحدود البرية زيادة العديد والعتاد، وكل ما يقال خلاف ذلك مجرد كلام فارغ واتهامات سياسية غير صحيحة. كما أان دولة الرئيس كان واضحاً في تأكيد عزم الحكومة على تطبيق القوانين على كل الأراضي اللبنانية وكل من يقيم بشكلٍ غير شرعي سيتم ترحيله إلى بلده وهذا الموضوع لا جدال فيه والأوامر أعطيت للأجهزة المختصة لتنفيذ ما يلزم.
وفي المقابل هاجم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل خطوة الحكومة اللبنانية في قبول مساعدة المليار دولار مقابل ما وصفه إبقاء اللاجئين السوريين في لبنان لأربع سنوات إضافية. واعتبر باسيل هذه الخطوة بأنها محاولة أوروبية لاستئجار لبنان لصالح اللاجئين مقابل تشريع أبواب الهجرة للبنانيين في مقابل إبقاء اللاجئين مكانهم. وشدد باسيل على رفض سياسة الاتحاد الأوروبي بإبقاء النازحين السوريين في لبنان والتأكيد أن لبنان ليس للبيع أو الإيجار، محدداً المشكلة اللبنانية الأساسية بانصياع المسؤولين للسياسات الخارجية ولو كانت على حساب المصلحة الوطنية، ومعلناً عن سلسلة تحركات للتيار الوطني الحر على المستويات النيابية والشعبية لمواجهة معضلة النزوح.
وأكد باسيل أن المشكلة تكمن في انصياع المسؤولين للسياسات الخارجية، وتوجه إلى المسؤولين اللبنانيين بجملة أسئلة على سبيل الاستفسار وأولهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وتساءل: "كيف توزع الاموال للمليار يورو وما هي حصة الدعم لبرنامج العودة لسوريا".
وناشد المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى أمس جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي "وضع حل نهائي لمأساة النزوح السوري إلى لبنان، والذي فاق طاقته وإمكاناته المتواضعة، فقضية النزوح السوري بقدر ما هي قضية إنسانية بالدرجة الأولى، هي قضية تعالج بالحكمة من قبل الحكومة اللبنانية، وحلها يتطلب عودة النازحين إلى الأماكن الآمنة في بلادهم ووضع حد لهذه الأزمة".