ر.ع.
في وقت لا تنتظم فيه الحياة السياسية في لبنان، وبينما يجري القفز فوق قواعد الدستور وأعرافه على مستوى مجلسَي النواب والوزراء، وعدم تمكّن المؤسستين من القيام بالحدّ الأدنى من الواجبات المطلوبة منهما، يُكثر نوّاب، ولا سيّما من طرف المعارضة، زياراتهم للعواصم صاحبة التأثير السياسيّ في لبنان، وفي مقدّمها واشنطن وعواصم غربية أخرى.
وتوجّه تسعة نواب إلى أميركا الاثنين، حيث يعقدون سلسلة لقاءات على مدار سبعة أيام مع عدد كبير من المسؤولين في وزارة الخارجية، كما يلتقون أعضاءً في الكونغرس، فضلاً عن مسؤولين في الأمم المتحدة. ويضمّ الوفد النوّاب: فؤاد مخزومي، غسان حاصباني، أديب عبد المسيح، فيصل الصايغ، بلال الحشيمي، راجي السعد، الياس حنكش وإيهاب مطر.
وحُجزت سلسلة من المواعيد وجرى الإعداد للمواضيع التي ستُبحث في لقاءات من هذا النوع.
وهذه الزيارات التي لا تغيب عن أجندات البرلمانيين الذين يقصدون دول الغرب، يرتفع معدّلها في لبنان نتيجة انقسامات مكوّناته السياسية والطائفية التي أثبتت بالفعل أنّها غير قادرة على اجتراح حلول أو مخارج لأكثر من ملفّ، من انتخابات الرئاسة المعطّلة إلى أصغر قضيّة وسط طغيان حالة التفكّك في الإدارات، وتعطّل الإنتاج، وارتفاع معدّل التضخّم.
ولم يكن ينقص هذا المشهد إلّا التطوّرات العسكرية في الجنوب بين إسرائيل و"حزب الله" التي قد تؤدّي حصيلتها إلى حرب كبرى إذا نفّذ بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرّفة تهديداتهما المتواصلة لرفح، على ألّا تقتصر عمليات جيشه على اجتياح هذه المدينة في وقت تسابق فيه آلة المفاوضات في القاهرة آلة الحرب، إذا تمكّنت الأولى من وقف النار الإسرائيلية التي جلبت جملة من الارتدادات على لبنان.
وستكون المحطّة الأولى للوفد النيابيّ في نيويورك للقاء مسؤول كبير في الأمم المتحدة من الحلقة الضيّقة مع أمينها العامّ أنطونيو غوتيريش. وسيحلّ ملفّ النازحين السوريين من أوسع أبوابه، ولا سيّما بعد الضجّة المفتوحة في البلد حيال هؤلاء، واتهام الحكومة بأنّها لم تحضر إعداد برنامج عودة السوريين إلى بلدهم وسط بروز عدم اهتمام غربي وخصوصاً من الدول الأوروبية، حيث توجّه اتهامات إلى فرنسا وألمانيا أكثر من سواهما بأنّهما لا تساعدان لبنان في هذا الملفّ العالق منذ بدء قدوم السوريين ونزوحهم إلى لبنان عام 2011. وهذا ما أبلغه رئيس مجلس النواب نبيه برّي من دون مواربة لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه: "اذهبوا إلى سوريا وساعدونا في عودة النازحين".
ويوضح النائب الحشيمي لـ"النهار" أنّ من غير المنطقي أن يستمرّ اللبنانيون على وقع كلّ هذه الضغوط من النازحين السوريين حيث لا تجوز تجزئة هذا الملفّ على حساب أصحاب الأرض، ونريد أن نسمع بالمباشر من الأمم المتحدة حقيقة ما تريده وما يمكن أن تفعله حيال النازحين السوريين، والعمل على عودتهم إلى بلدهم". ولن تقتصر زيارة الوفد النيابيّ على موضوع النازحين فحسب، حيث سيحضر في واشنطن بقوّة القرار الأمميّ 1701 مع أكثر من عضو في الكونغرس ومسؤول في وزارة الخارجية للمساهمة في تحييد لبنان عن أيّ حرب كبرى، وطلب ممارسة الضغوط المطلوبة على إسرائيل لمنع قادتها من شنّ حرب كبرى ضدّ لبنان، مع الإشارة إلى أنّ أعضاء الوفد النيابيّ لا يؤيّدون ربط "حزب الله" جبهة لبنان بالحرب الدائرة على أرض قطاع غزّة منذ سبعة أشهر.
وعلى جدول زيارة الوفد النيابيّ عقد لقاءات مع مسؤولين اقتصاديين وماليين في صندوق النقد الدوليّ، ولا سيّما أنّه لم يتمّ التوصّل حتّى اليوم إلى إبرام أيّ اتّفاق مع لبنان نتيجة جملة من المشكلات في الداخل اللبنانيّ، وعدم قدرة مؤسّساته على تحقيق الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد، والتي لم تسلك طريقها إلى التطبيق بعد.
من جهته يقول النائب عبد المسيح لـ"النهار" إنّه "ستجري متابعة ما توصّلنا إليه في الزيارة السابقة برعاية من النائب مخزومي، حيث سيجري التركيز مع المسؤولين عن صندوق النقد الدوليّ والبنك الدوليّ ووزارة الخزانة لمتابعة على البحث في خريطة الطريق المالية اللبنانية التي لا مهرب من وضعها على الطاولة في موضوع المودعين أوّلاً وكيفية استعادة أموالهم. ويبقى المهمّ في الوفد النيابيّ أنّه من مشارب سياسية مختلفة، لكنّ هناك اتفاقاً بيننا على كيفية النهوض بخطّة اقتصادية حقيقية، وأنّه عند التوصّل إلى أيّ تسوية في لبنان من الدول المعنيّة وعلى رأسها أميركا تقوم على أنّ البلد لا يقوده "حزب الله" وحده بل ثمّة كتل نيابية وجهات سياسية لها رأيها في البلد ولا يمكن القفز فوق ممثّلي هذه التشكيلة السياسية والنيابية في البلد".
وردّاً على السائلين عن ماهيّة هذه الزيارات النيابية لواشنطن، يأتي الردّ من أصحابها بأنّها "لا تستهدف أيّ جهة في الداخل. ومن غير المنطقي التفرّج على كلّ ما يحدث في البلد من انهيارات، وما يواجهه من تهديدات أمنيّة وماليّة واقتصاديّة، حيث لم يعد من الجائز السكوت عنها".