أكد حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري "أن لبنان يحاول، ومن ضمن الصلاحيات المتاحة ووفق القوانين المرعية الإجراء، تأمين الاستقرار النقدي"، مشيراً إلى أن "البلد خسر 95 في المئة من قيمة عملته النقدية، وأن موازنة الدولة انخفضت من 17 مليار دولار إلى 3.2 مليارات دولار سنوياً".
وخلال استضافته في حرم جامعة بيروت العربية في طرابلس، ضمن مؤتمر "الاغتراب اللبناني الفرنسي" تحت عنوان "نعم نستطيع" الذي تنظمه جمعية المستثمرين اللبنانيين الفرنسيين، قال منصوري إنه لتحقيقق هذا الاستقرار "يستخدم المصرف الأداة الوحيدة التقليدية التي لا تزال موجودة بين أيدينا وهي السيطرة على الكتل النقدية بالعملة اللبنانية، بحيث يتوافق حجم النقد في التداول مع الطلب عليه".
وأوضح في هذا الإطار، أن ضبط الكتل النقدية يحصل "إمّا بالتعاون مع الحكومة أو بضبط أسعار الفائدة". وفي موضوع الفائدة، أكد منصوري أنه "لا يمكن استعماله من قبل السلطات النقدية، ويبقى فقط أمر السيطرة على الكتلة النقدية".
وكشف الحاكم بالإنابة، أن المصرف المركزي قام بضبط التداول بالليرة، حيث "انخفضت الكتلة بالليرة اللبنانية في العام 2023 من 82 تريليون ليرة إلى نحو 59 تريليوناً". وشدّد على إيجابية هذا الأمر، لاسيما وأنه ساعد على أن يكون هناك "فائض في احتياطات االعملة الأجنبية لدى مصرف لبنان، وازدادت نحو مليار و 100 مليون دولار أميركي".
وتابع منصوري: "الكتلة النقدية لا تتجاوز 700 مليون دولار أميركي"، أي أن مصرف لبنان لديه فائض في الاحتياطات "تتجاوز ضعفيّ الكتلة النقدية الموجودة في السوق".
لكنه من جهة ثانية، لفت إلى أن الاستقرار النقدي الحاصل هو نتيجة ضبط الكتلة النقدية وعدم ضخ الدولار "إلّا من خلال الدولة وخلق توازن بين الاقتصاد المدولر والاقتصاد بالليرة اللبنانية"، وعلى الرغم من أنها أساسية لكنها "لا تكفي لبناء الاقتصاد ولا تكفي لتحقيق النمو".
ركائز النموّ ومشكلة إعادة بناء أجهزة الدولة
برأي حاكم المركزي، هناك أربعة أعمدة أساسية لبناء الاقتصاد وإعادة الثقة، ومن دونها "لن نخرج من هذه الأزمة التي نعيش فيها".
أول هذه الأعمدة، هو المحاسبة والتي تكون عن طريق القضاء.
وثانيها، ردّ أموال المودعين وتنظيم علاقه المودعين مع المصارف.
وثالثها، إعادة الاعتبار إلى القطاع المصرفي. ويعتبر منصوري أن "هذا الشرط أساسي لإنقاذ الاقتصاد اللبناني ولإحراز النمو ولتسهيل مفاوضات لبنان في ما يتعلق بالمؤسسات الدوليّة المانحة"، وتابع في السياق نفسه أنه "ربما نكون قد تمكنا من شراء الوقت حتى الآن".
وأردف مطمئناً بحذر، "استطيع أن أقول إنه لن يكون هذه المرّة تصنيف للبنان... لكنّ هذا الأمر غير مضمون في المراحل المقبلة، لأن مسألة التصنيف لا تعود الى مشكلة في القطاع المالي اللبناني ولا في القطاع المصرفي اللبناني، ولا لدى مصرف لبنان، وكل هذه الأمور تم تجاوزها، ولكنّ المشكلة تكمن في إعادة بناء أجهزة الدولة".
أمّا العمود الرابع، فهو "إتمام الإصلاحات التي كثر الحديث عنها وطال انتظارها".
وبناء على هذه الأسس، أكد الحاكم "أن الحاجة في لبنان هي إلى قطاع مصرفي سليم يتمكن من الانتعاش، وهذا القطاع يحتاج الى استعادة ثقة المودعين، والسبيل الوحيد الى ذلك هو من خلال إقرار القوانين الإصلاحية والتي أيضا طال انتظارها".
الثروة الشبابية والإصلاحات الحكومية
منصوري تطرق في كلمته الى تعدد الموارد، بما في ذلك "رأس المال البشري"، وقال: "من المرجح أن يغتنم الشباب أصحاب المواهب العالية الفرص المحتملة في الخارج، ما يشكل خسارة اجتماعية واقتصادية دائمة للبلاد، لكنها ربح لبناني في الخارج وخسارة في الداخل". وأكد أن للجامعات دوراً أساسيًّا في تقدّم نخبة من الكفاءات والطاقات وتوجيهها نحو اختصاصات تتلاءم مع تطور الاقتصاد العالمي، وبخاصة متطلبات سوق العمل.
ولم يغفل في هذا السياق دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، موضحاً "أنها تستطيع أن تبتكر وتبدع وأن تحمل المعرفة في مجال الاقتصاد، ونحن بأمسّ الحاجة في هذه المرحلة وفي هذه الظروف الراهنة إلى تطوير قدرات لبنان التنافسية وإلى دعم الاقتصاد".
وأعرب عن ثقته بالشباب اللبناني، الذي يتمتع بالخبرات والمهارات ويحقق النجاحات، بالرغم من الأزمات التي تعصف بالبلاد. وقال إن "دورنا كمصرف مركزي هو دور تكامليّ مع الحكومة "نتعامل ونحاول أن نتعاون معها لكيّ نؤمن الاستقرار، ولكنّ المصرف المركزي لا يحلّ محل الحكومة ولا يحلّ محل السلطة السياسية التي يعود لها أن تؤمن الأرضية السليمة والإصلاحات المطلوبة".
وركز حاكم مصرف لبنان في نهاية كلمته، على أن "التحدي الأكبر الذي نواجهه اليوم هو تأمين فرص العمل الملائمة لهؤلاء الشباب وأن نحثهم على البقاء في بلدهم. ونحن نعتبر أن الاستثمار في تعليم وتدريب الطاقات الشابة هو العنصر الفعال لتحقيق نمو اقتصادي مستدام".
وختم قائلاً: "أشعر عندما أكون في حرم جامعة وأرى الشباب اللبنانيين وخصوصاً الجامعيين، وكمسؤول في الدولة، أدين لهم بالاعتذار لأننا، ورغم كلّ الأمور التي حاولنا القيام بها، لم نخلق لهم دولة يستطيعون الحياة فيها".