يحاكي الموقف الأوروبيّ من حماوة المشهد الداخليّ حيال قضية اللاجئين السوريين تزامناً مع الإعلان عن حزمة المليار يورو، الإدراك بأنّ السلطات اللبنانية المتعاقبة منذ العام 2011 كانت شريكاً أساسياً في السياسات المتصلة بهذا الملفّ الحسّاس. وربطاً، فإنّ لسان الحال الأوروبي يضع الكرة في الملعب اللبناني أمام المزايدات والمعارضات لمبدأ الهبة، والتهديد بالعمل لمنع قبولها، قائلاً: "إن نحو ثلثي المستفيدين من هذه الأموال هم لبنانيّون، ويعود للبنان قبولها أو رفضها". أكثر من ذلك، يجري التذكير بأنّ أوروبا لا تساعد بشكل أساسيّ دولاً متوسطة الدخل، لكنّ الكوارث الاقتصادية وتهديدها قطاعات أساسية، وعبء اللجوء السوري دفعها إلى تعزيز المساعدات التي يستفيد منها لبنانيون كثيرون. وإن لم يكن الأمر من باب "التعيير"، فإنّ كرة التهريب توضع أيضاً في الملعب اللبنانيّ: "فمن الذي يمنع لبنان من حماية حدوده وضبطها والتدقيق في هويّات العابرين من وإلى لبنان؟". أكثر من ذلك: "من الذي يمنع لبنان من مكافحة الفساد والرشى لأفراد في القوى الأمنية ساهمت في انطلاق مراكب الهجرة غير الشرعية أو التهريب عبر الحدود البرية؟". أكثر من ذلك: "من الذي يمنع لبنان من سنّ قوانين خاصة باللجوء ليتصرّف ضمن التشريعات القانونية؟". باختصار، يقول الأوروبيون للبنانيين: "نسمعكم ونتفهّم غضبكم لكنّ موقفنا من عدم القبول سوى بعودة آمنة وطوعية هو نهائيّ". ومن الأوروبيين، من يرصد في مشهد التوترات الأهلية بين اللبنانيين والسوريين، تضخيماً من وسائل إعلام في أحيان كثيرة!
يحضر الملفّ الساخن بتشعّباته خلال جلسة صحافية مع سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان ساندرا دو وال التي تكرّر أنّ إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فونديرلاين عن حزمة بقيمة مليار يورو لدعم لبنان هي التزام سياسي بأنَّ الاتحاد الأوروبي سيقدّم دعماً مالياً محدّداً مسبقاً للبنان حتى عام 2027. وهي تأتي في مسار بدأ مسبقاً ويحاكي عمل الاتحاد على المساعدات ضمن مسارين: إنسانيّ وتنمويّ.
من تحرك "التيار الوطني الحر" ضد حزمة المليار يورو وسياسات الحكومة في ملف اللاجئين. (نبيل إسماعيل)
وتسمح هذه الحزمة بمواصلة تمويل القطاعات الرئيسية مثل الحماية الاجتماعية والصحة والمياه والتعليم، ودعم الحكومة في توفير الخدمات الأساسية، إلى البرامج التي تدعم مكافحة الإرهاب وتهريب البشر ومراقبة الحدود والحوكمة الرشيدة ودعم الاقتصاد الأخضر والمؤسّسات الصغيرة.
والمستفيدون من الحزمة ليسوا سوريين فحسب، بل أيضاً العديد من اللبنانيين الذين يستفيدون من برامج المساعدة الاجتماعية المموّلة من الاتّحاد الأوروبيّ، وخدمات الرعاية الصحّية الأوّلية بتكلفة معقولة، ويحصلون على المياه النظيفة أو المدارس الرسمية التي أُعيد تأهيلها حديثاً. ويُضرب المثال بأنّ 75 ألف عائلة لبنانية تستفيد من مساعدات نقدية، وإنَّ الجزء الأكبر من هذا الدعم يعود بفائدة مباشرة على المواطنين اللبنانيين.
يزعم الموقف الأوروبيّ تفهّم المخاوف اللبنانية بشأن أعداد اللاجئين، وإن رأى تضخمياً إعلامياً لمشهد التوتّرات الأهلية التي تعقب حوادث أو جرائم يشتبه في ارتكابها من قبل سوريين، على سبيل المثال. ويعيد المشهد إلى مسبّبات الضغط الاقتصاديّ التي يجب العمل على حلّها.
وإن كان يقرّ بالعبء الثقيل الناجم عن هذا الوضع، وأنَّ مستقبل السوريين هو في سوريا، فلا أفق في فتح البوابة السياسية مع النظام السوري راهناً. وهنا تبرز الدعوة إلى الدول التي تنفتح عليه في المنطقة للتركيز على ملفّات حساسة كتجارة الكبتاغون والتهريب عبر الحدود والخدمة الإجبارية وغيرها. ويحضر التذكير بأنّ مساعدات أوروبا للسوريين داخل بلدهم تبلغ 3 أضعاف ما يقدّم في لبنان، كما ينشط الاستثمار في المسارات القانونية للاجئين، حتى يتمكّنوا من العثور على فرص عمل في أوروبا، والعمل على إعادة توطين اللاجئين من لبنان إلى أوروبا للمساعدة في تخفيف العبء.
من مخيّمات اللجوء في لبنان. (أرشيفيّة- "أ.ف.ب").
ويلقي الموقف الأوروبي بالمسؤولية على السلطات اللبنانية حيال عدم ضبط الحدود البرية والتدقيق في الروايات حول دخول وخروج من يحملون صفة لاجئ. أمّا دور مفوضية اللاجئين في هذا السياق فمحدود بسبب المشاكل التي تواجهها في الوصول إلى الحدود. وهنا يجري الحديث عن دعم الجيش اللبناني والأمن العام وقوى الأمن الداخلي من خلال تزويدهم بالمعدات والخبرات اللازمة لإدارة الحدود البرية والبحرية اللبنانية بشكل أفضل. ويُذكى دور المفوضية لتطوير نهج أكثر تنظيماً للعودة الطوعية إلى سوريا.
في المحصّلة، لا يبدو أنّ جلسة مساءلة البرلمان المرتقبة وتحرّكات ميدانية كتلك التي نظّمها "التيّار الوطنيّ الحرّ" وندوة بكركي حول اللاجئين وإجراءات "الأمن العامّ" والوزارات والبلديات، ستغيّر من موقف أوروبا حيال قضية اللجوء السوريّ. هناك في صلب هذا الموقف ما لا يأخذ كلّ ما يقوله ويفعله المسؤولون والسياسيون اللبنانيون على محمل الجدّ!