أقر مجلس النواب في الجلسة التي خصّصت لمناقشة الهبة الأوروبية وقضية النازحين السوريين توصية لا تعيد النازح الى سوريا ولا تفتح البحر أمام المهاجرين ولا تلغي المليار اليورو الذي وعد به الاتحاد الأوروبي لبنان.
موقف مجلس النواب بحسب التوصية التي اتفقت أغلبية الكتل على تبنّيها يجعل السقف النيابي منخفضاً، وخصوصاً أن التوصية غير ملزمة للحكومة اللبنانية، هذا بالإضافة الى أنها حكومة تصريف أعمال غير قابلة للمحاسبة. في المقابل نجح المجلس في تظهير القضية بأنها قضية إجماع وطني ما يكسبها قوة سياسية كبيرة ويضع الحكومة تحت هذا الضغط الإجماعي ويلزمها معنوياً وسياسياً بالتقيّد بها، وهذا ما استند إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري عندما تحدث عن جلسة يتوقف عليها مصير لبنان.
وعلى الرغم من جلسات "التشاور" الطويلة التي عقدتها أغلبية القوى السياسية الثلثاء والوصول الى ورقة توصيات موحّدة اتفق عليها الجميع، شهدت الجلسة عدداً كبيراً من الكلمات أجمعت على أهمية حلّ هذا الملف المعقد الذي بات عبئاً وخطراً على لبنان واللبنانيين واتخاذ إجراءات جدية وسريعة في هذا الإطار.
وأوضح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في كلمته أن "المساعدات التي أعلنت عنها رئيسة المفوضيّة الأوروبيّة ليست سوى تأكيد للمساعدات الدوريّة التي تقدمها المفوضية إلى المؤسسات الحكومية وهذه المساعدات سيُعاد تقويمها كل 6 أشهر وستُرفع فور إقرار الإصلاحات". ولفت إلى أن "هذه المساعدات غير مشروطة ولم يتمّ توقيع أيّ اتفاق مع الاتحاد الأوروبي ولا يمكن اعتبار لبنان شُرطيّاً حدوديّاً لأيّ دولة وهذا ما أبلغناه للرئيس القبرصي ولرئيسة المفوضيّة الأوروبيّة"، مضيفاً: "طلبنا من الجهات المعنيّة التشدّد في تطبيق القوانين لجهة ترحيل السوريين الذين يقيمون في لبنان بطريقة غير شرعية وعلى الجميع التعاون".
وأكد أن "الجيش يقوم بواجبه وضمن إمكانياته ولضبط الحدود جيّداً يلزمنا 5 أضعاف الأعداد الموجودة على الحدود وطلبنا المساعدة لزيادة عدد أبراج المراقبة".
واعتبر رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل أن "أوّل المعرقلين لعودة النازحين السوريين هو المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR التي ترفض حتى اليوم تسليمنا لوائح وأسماء النازحين، وتتّصل بهم لمنعهم من العودة". وقال إن "هناك مخطّطاً لتفكيك دول المنطقة بما يخدم إسرائيل وعملية الفرز السكانيّ، وإجبارهم على الهجرة يأخذنا إلى كيانات أحاديّة. والكلام في هذا الملف ليس طائفيّاً إنّما ينطلق من مبدأ الخطر الوجودي على لبنان"، مشدّداً على أن "جوهر الهبة الأوروبيّة هي منع عودة السوريين إلى بلدهم وتمويل بقائهم في لبنان ومنع توجّههم نحو أوروبا".
أما النائب جورج عدوان فاعتبر أن "السوريين في لبنان هم غير شرعيين وعكس الاتفاقات الدولية، وبالتالي يجب تطبيق القوانين ولا يجوز ممارسة السيادة على بعض الدول فقط من دون غيره". وأضاف: "قلنا للحكومة "طبّقي القوانين" على الجميع ونريد أن نقول ساعدوا السوريين في سوريا ليس في لبنان ولسحب العلم والخبر للجمعية التي تساعد السوريين في لبنان".
واعتبر رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل "أن هناك وعياً لخطورة الكارثة التي نحن موجودون فيها وقد تؤدي الى تغيير بنيوي في لبنان"، مشدداً على أن تطبيق القوانين يكفي لإراحتنا من 80% من المشكلة لأن هناك 80% من السوريين غير الشرعيين وككتائب قدمنا ورقة اقتراحات. ودعا، بين جملة الحلول، الى ضبط الحدود وترحيل السوريين الذين خالفوا القوانين ودخلوا بطريقة غير شرعية معتبراً أن المشكلة الأساسية لماذا لا تطبّق القوانين رغم الإجماع اللبناني؟
وقال: "في الحكومة فريق سياسي من لون واحد وبالتالي المسؤولية تقع على هذا الفريق الذي يملك القرار ويمتنع عن تطبيق القانون".
وبعد استعراض طويل لعدد كبير من النواب وُزّعت ورقتان الأولى ما تم الاتفاق عليه بجلسة تشاورية وتوصية ثانية اقترحتها "القوات اللبنانية" وهي مختصرة تطالب بالمباشرة فوراً بـتطبیق الـقوانین اللبنانیة والاتفاقات الـتي تـرعـى كـیفیة الـتعاطي مع أي وجود أجنبي فـي لبنان، مـن خـلال تـطبیق مـا نصّت عليه مذكرة التفاھـم عـام 2003، ومـا نّص عـلیه قـانـون تـنظیم الـدخول إلـى لـبنان والإقامة فـیه والخروج منه الـصادر عـام ١٩٦٢، عـبر الترحیل الـفوري والـمباشـر لـكل الـسوریـین الـموجودیـن فـي لبنان بـطریـقة غـیر شـرعـیة، وذلـك تـحت طـائـلة مساءلة ومحاسبة الحكومة أمام الدستور والشعب والتاریخ.
وبعد هرج ومرج واعتراضات، تم التصويت على الورقة المعدة سلفاً بسرعة وسط ضياع النواب بين الورقتين.
ولاحقاً وزعت الأمانة العامة لمجلس النواب الورقة المعتمدة والتي نصّت على أنه بهدف إعادة الداخلين والمقيمين السوريين غير الشرعيين في لبنان إلى بلدهم، وخلال مدة أقصاها سنة من تاريخه يوصي المجلس الحكومة بما يأتي:
"1- تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة وعضوية وزراء الدفاع والداخلية والمهجرين والشؤون الاجتماعية وقيادة الجيش والأمن العام والأمن الداخلي وأمن الدولة، للتواصل والمتابعة المباشرة والحثيثة مع الجهات الدولية والإقليمية والهيئات المختلفة، ولا سيما مع الحكومة السورية، ووضع برنامج زمني وتفصيلي لإعادة النازحين، باستثناء الحالات الخاصة المحميّة بالقوانين اللبنانية والتي تحدّدها اللجنة.
2- تأكيد التزام لبنان مضمون الاتفاقية المشار إليها في المقدمة كأساس للمعالجة وإلزام مفوضية اللاجئين بالوسائل الديبلوماسية تطبيق بنودها كاملة، واتخاذ الإجراءات اللازمة للتنفيذ وتقديم الإحصاءات والملفات الخاصة بالنازحين الموجودة لديها، والطلب منها التنسيق مع مكتبها في سوريا لتسهيل عملية إعادتهم إلى بلدهم.
3- التزام واضح بتطبيق القوانين النافذة التي تنظم عملية الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه، ولا سيما القانون الصادر بتاريخ 10/7/1962 والمراسيم التطبيقية ذات الصلة، ولا سيما المرسوم رقم 10188 تاريخ 28/7/1962، وبقانون العمل اللبناني والقوانين الضريبية والرسوم البلدية وغيرها.
4- القيام بالإجراءات القانونية اللازمة لتسليم السجناء من النازحين إلى السلطات السورية، وفق القوانين والأصول المرعيّة.
5- دعوة المجتمع الدولي والهيئات المانحة لمساعدة الحكومة في تخصيص الإمكانيات اللازمة للأجهزة العسكرية والأمنية من أجل ضبط الحدود البرية والتنسيق مع الجانب السوري للمساعدة من الجهة المقابلة، وحصر حركة الدخول والخروج عبر المعابر الشرعية بين البلدين.
6- الطلب من أجهزة الأمم المتحدة كافة، ولا سيما مفوضية اللاجئين والجهات الدولية والأوروبية المانحة اعتماد دفع الحوافز والمساعدات المالية والإنسانية للتشجيع على إعادة النازحين إلى بلدهم، ومن خلال الدولة اللبنانية ومؤسساتها أو بموافقتها، وعدم السماح باستغلال هذا الأمر للإيحاء بالموافقة على بقائهم في لبنان وتشجيع هذه الجهات على تأمين مثل هذه التقديمات في داخل سوريا.
7- الاستفادة من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، ومنها قرارها حول خطة التعافي المبكر الصادر عام 2021، حيث يمكن أن يشكل المدخل لتسريع العودة إلى الداخل السوري، عن طريق المساعدات لتأهيل البنى التحتية من دون تعرّض الدول المانحة لعقوبات قانون قيصر.
8- نقل رسالة واضحة للدول والهيئات العاملة بملف النزوح، بأن لبنان لم يعد يحتمل جعله سداً أمام انتقال النازحين إلى بلدان أخرى، وأنه في كل الأحوال لن تكون مهمته حماية حدود هذه الدول، من إمكانية الانتقال إليها ممن يرغب أو يحاول من النازحين مغادرة لبنان، وبأي وسيلة ممكنة. وبالتالي، فإن المسؤولية الأساس هي في تحويل الدعم نحو تعزيز انتقال النازحين وتأمين استقرارهم في بلدهم مع ما يتطلب ذلك من تأمين مقومات حياتهم.
9- التزام الحكومة بهذه التوصية وتقديم تقرير كل ثلاثة أشهر للمجلس النيابي حول مراحل تنفيذ ما تضمّنته".