نفذ المحامون التونسيون، تظاهرة أمام المحكمة الابتدائية في العاصمة تونس احتجاجاً على توقيف عدد من زملائهم في الأيام الأخيرة واقتحام مقر نقابتهم.
وتجمع المئات من المحامين مرتدين زيهم الأسود ورافعين شعارات ضد السلطة أمام مقر المحكمة في شارع باب بنات على بعد أمتار من وزارة العدل.
وتأتي التظاهرة في سياق مجموعة من التحركات الاحتجاجية التي قال المحامون التونسيون إنهم ينوون تنفيذها رفضاً لتعاطي السلطات معهم بعد توقيف عدد منهم.
وكان المحامون في المحاكم الكبرى في العاصمة قد نفذوا إضراباً عن العمل استجابة لدعوة هيئتهم احتجاجاً على توقيف المحامية سنية الدهماني ليلة السبت الماضي بعد اقتحام الأمن مقر نقابتهم، وقبل ساعات من معاودة اقتحام مقر النقابة وتوقيف المحامي مهدي زقروبة بتهمة الاعتداء على رجل شرطة.
المحامية سنية الدهماني
وليلة الأربعاء قال عدد من المحامين إن زقروبة المقرب من الإسلاميين وسبق أن لوحق قضائياً في واقعة شهيرة تعرف بـ"اقتحام مطار تونس قرطاج الدولي''، تعرض للاعتداء بالعنف والتعذيب خلال التحقيق معه لدى الشرطة. وقال محاميه بوبكر بن ثابت لـ"النهار العربي" إنه عاين آثار كدمات وعنف على كامل جسده، مؤكداً أنه تعرض للتعذيب، وكشف عن رفع شكوى ضد كل من تورط في تعذيبه.
لكن الداخلية التونسية سارعت اليوم إلى نفي تهمة تعذيب المحامي زقروبة، وقال المتحدث باسم الداخلية فاكر بوزقاية لراديو "موزاييك" المحلي إن "كلّ الإجراءات المتّخذة سليمة وكل الأعمال في مراكز البحث والإيقاف موثّقة ومسجّلة".
بداية الأزمة
ورفضت الدهماني، وهي محامية تظهر في وسائل الإعلام لتعلق على الأحداث، المثول أمام قاضي التحقيق للاستماع إليها بشأن ما نُسب إليها من أقوال خلال مشاركتها في برنامج إذاعي، وهي كانت قد أثارت ضجةً واسعةً وتعرضت لموجة عنيفة من الانتقادات بسبب تصريحات رأى فيها كثيرون "استهزاءً بتونس"، من مثل قولها "ملا بلاد هايلة خايفين عليها"، أي "ما هذا البلد العظيم الذي تخشون عليه"، وذلك في سياق الرد على تصريحات سابقة للرئيس قيس سعيد عن أزمة المهاجرين غير النظاميين ووجود مخطط لتوطينهم في تونس. وتحصنت في مقر عمادة المحامين التي دخلتها القوى الأمنية "إنفاذاً للقانون"، وأوقفت الدهماني.
تصعيد مرتقب
وتُنذر التطورات الأخيرة بصدام بين السلطة وقطاع المحاماة الذي يُعرف في تونس بأنه من بين أكثر القطاعات انشغالاً بالشأن العام في البلد وبالوضع السياسي.
ودان رئيس فرع هيئة المحامين في تونس العروسي زقير، في تصريح لـ"النهار العربي"، اقتحام مقر "دار المحامي" متوعداً بالتصعيد وتنفيذ أشكال احتجاجية أخرى، قائلاً إن "هذه الدار لها رمزية كبيرة"، وإن "عملية اقتحامها لن تمر مرور الكرام"، خصوصاً أنها "تمت من دون احترام الإجراءات المعمول بها".
وفي السياق نفسه قال العميد حاتم مزيو لـ"النهار العربي" إن المحامين سيواصلون تحركاتهم الاحتجاجية المشروعة.
وكانت هيئة المحامين من بين الهيئات التي قادت عام 2013 حواراً وطنياً بين المعارضة والسلطة الحاكمة بقيادة حزب "النهضة" الإسلامي، ونالت مع الاتحاد العام التونسي للشغل بفضله جائزة نوبل للسلام.
لكن تأثير هيئة المحامين في المشهد العام في البلاد تراجع منذ إقرار الرئيس سعيد الإجراءات الاستثنائية في البلاد في تموز (يوليو) 2021.
تضييق على الحريات
وطالت الإيقافات أيضاً الإعلاميين مراد الزغيدي وبرهان بسيس، وقال محاميهما إن توقيفهما جاء بسبب تصريحات ومنشورات على حساباتهما الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي.
وتأتي هذا التوقيفات في وقت تتعالى أصوات المعارضة متهمة السلطة بالتضييق على حرية التعبير، وهو ما يكرر الرئيس قيس سعيد نفيه مؤكداً في كل مناسبة يطرح فيها هذا الموضوع أن "حرية التعبير والصحافة مضمونة ولا مجال أو نية للمساس بها".
ودان نقيب الصحافيين زياد دبار "اقتحام مقر عمادة المحامين وما رافقها من تجاوزات خطيرة" وفق تقديره، معبراً عن رفضه "التضييق على العمل الصحافي وفرض الوصاية على المضامين الصحافية عبر توظيف القضاء".
وعبّر كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية عن قلقهما إزاء موجة الاعتقالات.
تطبيق القانون
وكان الرئيس سعيد قد قال في بيان عقب لقائه وزيرة العدل ليلى جفال الأربعاء إن "لا أحد فوق القانون والجميع متساوون أمامه"، كما شدّد على أنه "لا وجود إطلاقاً لأي مواجهة مع المحامين كما يتم الترويج لذلك، فكما أن حقّ التقاضي مضمون، فإن حقّ الدفاع بدوره مضمون كما ينصّ على ذلك الدستور".
وأوضح أن مقر نقابة المحامين ''فوق التراب التونسي ولا يخضع لنظام إقليمي حتى يتحصّن به أحد ويُردّد أنه تم اقتحامه".
وفي السياق عبر سعيد عن رفضه التدخل الخارجي في شؤون بلده الداخلية، وطلب دعوة عدد من السفراء الأجانب المعتمدين في تونس لإبلاغهم احتجاج تونس على التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية.
وشعبياً، تباينت الآراء في المسألة، ففيما ندد عدد لافت من المعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي بتوقيف الدهماني، رحب به كثر ممن اعتبروا أنه يأتي في إطار تطبيق القانون على الجميع من دون استثناء.