بقدر الاهتمام الذي أثاره مقتل الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان في حادث تحطم طائرة هليكوبتر، شكل تعيين محمد باقري كني وزيراً للخارجية بالوكالة مصدر إرباك لكثير من العواصم الغربية وخصوصاً تلك المعنية بالملف النووي، رغم اليقين أن الكلمة الفصل فيه تعود إلى المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي.
ومبعث القلق يعود إلى شخصية كني نفسه، وأيضاً إلى المراحل المتقدمة التي وصل إليها البرنامج النووي الإيراني منذ انسحاب ادارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2018.
يتوسع البرنامج النووي الإيراني بسرعة من حيث الحجم والتعقيد، وبات بحسب مجلة "إيكونوميست" يحتوي على 27 ضعف كمية اليورانيوم المخصب المسموح بها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة.
ويقول المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي الذي زار طهران في 7 أيار (مايو) الجاري والتقى عبداللهيان إن هذا المخزون، الذي تم تخصيب بعضه إلى درجة نقاء 60%، أي ما يقارب درجة نقاء الأسلحة، يكفي لصنع حوالي ثلاث قنابل. ويضيف أنه إلى جانب استخدام إيران لأجهزة طرد مركزي أحدث وأسرع، فإن هذه التطورات "حلت محل خطة العمل الشاملة المشتركة بالكامل". والنتيجة هي أن إيران يمكن أن تنتج ما يكفي لصنع قنبلة من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة خلال أسبوع واحد فقط، وما يكفي لإنتاج سبعة أسلحة خلال شهر واحد.
هذا الواقع بعيد تماماً عما سمعه غروسي خلال زيارته لطهران في آذار (مارس) 2023 من وعود بالتعاون بشكل كامل مع وكالته، بما في ذلك عن طريق إعادة تركيب معدات المراقبة التي أزالتها في وقت سابق.
ويقول غروسي إن هذا التقدم "توقف بسرعة"، والوكالة فقدت "استمرارية المعلومات" المتعلقة بإنتاج إيران ومخزونها من أجهزة الطرد المركزي والمياه الثقيلة ومركزات خام اليورانيوم.
ويمكن استخدام هذه المعدات لإعادة بناء برنامج للأسلحة النووية سراً، بدلاً من استخدام المنشآت المعروفة التي يمكن قصفها.
وعندما عاد غروسي هذا الشهر إلى طهران ليرى ما إذا كان بإمكانه كسر الجمود، كان يأمل في أن تكون إيران أبطأت تراكم اليورانيوم المخصب بنسبة 60% عن طريق "تخفيض تركيزه" إلى مستويات أقل. لكنه لم يشهد على مثل هذا الالتزام.
وفاقمت القلق في الفترة الأخيرة تصريحات مسؤولين إيرانيين بأن البلاد قد تكون أكثر انفتاحاً على القنبلة النووية، وآخرها تلميح رئيس وحدة الحرس الثوري الإيراني المسؤولة عن سلامة المواقع النووية إلى أن إيران قد تلغي "الفتوى" التي أصدرها آية الله علي خامنئي ضد الأسلحة النووية في عام 2003. كذلك، وجه كمال خرازي، مستشار خامنئي، التهديد نفسه مرتين في غضون أيام.
وحتى الآن، لا يرى الخبراء والمسؤولون الغربيون إشارات جدية إلى أن إيران تعتزم صنع قنبلة نووية، ويرجحون أنها تريد ببساطة تعزيز الردع ضد أميركا وإسرائيل في وقت متوتر.
ومع أن غروسي أبدى ارتياحه أخيراً من أن أياً من أمير عبداللهيان ولا رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيراني محمد إسلامي، لم يدليا بمثل هذه التصريحات، يخشى أن تؤدي النكبة التي حلت بالبلاد في حادث الطائرة، إلى ارباك النظام وتعقيد الأمور.
ويلفت مدير الأبحاث في "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" باتريك كلاوسن إلى وجوب مراقبة باقري كني. ويقول لـ"النهار" إنه كان متوقعاً تعيينه وزيراً للخارجية بعد انتخاب رئيسي عام 2017، ولكن يعتقد أنه خسر المنصب لأنه كان لسنوات كبير مستشاري المفاوض النووي السابق سعيد جليل الذي كان أيضاً أمين المجلس الأعلى للأمن القومي.
ويذكر بأن كني أدار الحملة الرئاسية الكارثية لجليلي عام 2013 والتي عارض فيها أي تنازلات على الجبهة النووية، كما كان يرفض بقوة الاتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى لعام 2015، وكتب أن المفاوضات مع أميركا هي خطأ، وإن يكن تزعم مفاوضات إطلاق الرهائن عام 2023.
ويتمتع كني بنفوذ في البلاد كون أخيه متزوجاً من ابنة خامنئي.
ويقول كلاوسن: "من الممكن أن يظهر موقفه المتشدد المناهض للغرب. فهو ليس محاوراً طبيعياً في أي صفقة تجري خلف الكواليس حول البرنامج النووي".