يُجمع المراقبون على أن زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان كانت استطلاعية أكثر مما كانت تحمل الحلول الفعلية لأزمة الفراغ الرئاسي، لأن ثمّة قناعة بأن الاستحقاق لن يُنجز قبل انتهاء حرب غزّة وإرساء موازين قوى جديدة.
إلّا أن لودريان "الاستطلاعي" عاد ورمى بطاقة المرشّح الثالث من جديد، وهو طرح قديم – جديد كان قد وُضع في التداول ولجأ إليه فريق المعارضة قبل نحو عام، في مُحاولة لإحداث خرق ولو على المدى البعيد، لأن الأفق مقفل على المدى القريب ولا حلول.
يعود طرح المرشّح الثالث إلى أكثر من عام، حينما انقسم المجلس بين المرشّحين رئيس تيار "المرده" سليمان فرنجية والنائب ميشال معوّض دون أن يتمكّن معكسر أي منهما من حصد مجموع الأصوات الكافي للوصول إلى سدّة الرئاسة، فكانت فكرة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط آنذاك التوجّه نحو مرشّح ثالث "لا يُشكّل تحدياً لأحد".
سار فريق المعارضة ومعه التيار "الوطني الحر" بفكرة المرشّح الثالث، وتقاطعوا على اسم مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور، لكن الثنائي الشيعي بقي مصراً على فرنجية مرشحاً له رافضاً التراجع عنه دون حوار، ففشل المعسكران من جديد بتعبيد مسار بعبدا.
واليوم، بعد طرح فكرة المرشّح الثالث من جديد، ما رأي الكتل؟ وهل من أفق لهذا الطرح في الوقت الحالي؟
"أمل": المرشّح الثالث ليس مطروحاً عندنا
عضو كتلة "التنمية والتحرير النائب محمد خواجه يلفت إلى أن "لودريان لم يطرح خيار المرشّح الثالث مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وموقفنا نفسه لجهة التمسّك بالحوار من دون شروط، أما التوجّه نحو مرشّح ثالث فليس مطروحاً عندنا، لا زلنا على دعمنا لفرنجية، وخلال الحوار كل فريق يطرح أوراقه ونجتهد للتوافق، أما وفي حال لم نتوافق فنتجه إلى جلسة بعدد من الأسماء المطروحة".
وفي حديث لـ"النهار"، يرد خواجه على سؤال عما إذا كان انسحاب فرنجية شرطاً للتوجّه نحو مرشّح ثالث، ويُجيب "في حال انسحب فرنجية ولم يعد يريد السباق الرئاسي، فعندها لكل حادث حديث"، لكنه يعود ويُذكّر بمبادرة برّي الداعية إلى حوار لسبعة أيام كحد أقصى، ومن ثم عقد جلسات متتالية لانتخاب رئيسٍ للجمهورية.
"القوات": منفتحون من جديد على الخيار الثالث
رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب "القوات اللبنانية" شارل جبور يُشير إلى أن "لودريان عمل على مستويَين، الأول هو التركيز على آلية إنجاز الاستحقاق وتذليل عقبة الحوار، والثانية هي المرشّح الثالث، ونحن بدورنا مستعدون لمشاورات محدودة النطاق للاتفاق على مرشّح أو رزمة مرشّحين والتوجّه نحو جلسات متتالية لانتخاب رئيس".
"القوات" وافقت سابقاً على مبدأ المرشّح الثالث وتراجعت عن معوّض مقابل ترشيح أزعور، وفي حديث لـ"النهار"، يُبدي جبّور انفتاح "القوات" على التوجّه نحو المرشّح الثالث من جديد، ويقول "مستعدون للبحث بخيارات أخرى ضمنها أزعور، لكن الأمر يحتاج إلى قبول فريق الممانعة، وإذا وافق، تُعرض الأسماء فنوافق ونتحفّظ حسب الإسم".
وعمّا إذا كان انسحاب فرنجية هو المفتاح لتوجّه فريق الممانعة نحو مرشّح ثالث، يرى جبّور الأمر معكوساً، إذ برأيه إن "فريق الممانعة هو من يُريد لفرنجية الاستمرار بترشيحه في الوقت الحالي، وسيطلب منه الانسحاب حينما يرى الوقت مناسباً، وهذا الأمر مرتبط باليوم التالي لحرب غزّة".
وبحسب جبّور، فإن "ملف الرئاسة مرتبط بشكل وثيق بملف الحدود الجنوبية، و"حزب الله" لن يستمر بدعم فرنجية بعد انتهاء الحرب لأنّ ثمّة قناعة دولية، وخصوصاً من قبل اللجنة الخماسية وفرنسا، بأن لا إمكانية لوصول فرنجية إلى بعبدا، وتوجّه لودريان لطرح المرشّح الثالث بعدما كانت فرنسا داعمة لترشيح فرنجية خير دليل".
"التقدمي": الحوار سبيل للحل
إلى ذلك، علمت "النهار" أن "اللقاء الديموقراطي" ورئيسه تيمور جنبلاط سيقومان بجولة على الأطراف السياسية لمحاولة إحداث حدٍ أدنى من التوافق حول سلّة من القضايا والملفات الداهمة، لمحاولة كسر الجمود الحاصل على كافة المستويات، ومُحاولة فك ارتباط الاستحقاقات بمجريات المنطقة قدر الإمكان، وذلك بدعم من لودريان الذي طلب من جنبلاط خلال الاجتماع القيام بحركة تواكب الزخم الفرنسي.
عضو كتلة "اللقاء الديموقراطي" النائب بلال عبدالله يُشير إلى أن "الجولة ستشمل جميع الأطراف دون استثناء، ومحور البحث سيكون التفتيش عن مخارج للأزمات المتراكمة، وسيرتكز النقاش على أفكار، أبرزها اتفاق الطائف، النزوح السوري، الحرب في الجنوب، استحقاق رئاسة الجمهورية والوضع الاقتصادي والاجتماعي".
وفي حديث لـ"النهار"، يقول عبدالله إن "التطرّق إلى الملف الرئاسي سيكون من باب حث الأفرقاء على فتح باب الحوار أو التشاور، والتراجع خطوة صغيرة للوراء من أجل إيجاد القواسم المشتركة، ويُترك لكل طرف حق التعبير عن رؤيته قبل الحديث عن الحلول (بينها المرشّح الثالث أو غيرها) التي قد تنتج بعد التواصل، لكن الخطر الوجودي الذي يواجهه لبنان يحتّم التواصل وإيجاد التسويات".
ورداً على سؤال عن ارتباط تحرّك "التقدمي" بزيارتي وليد جنبلاط إلى فرنسا وقطر، يؤكّد عبدالله وجود زخم من قبل باريس والدوحة لإيجاد الحلول، وثقة الخارج بجنبلاط، وهذه أمور مهمّة، لكن الحافز الأساسي للتحرّك هو "حرصنا على البلد وضرورة إنجاز الاستحقاقات وعدم ربط الملفات بغزّة والمنطقة، لأن التسويات الإقليمية قد تتأخّر، ولبنان لا يحتمل".
وانطلاقاً من كون جنبلاط أول من طرح فكرة المرشّح الثالث وأوّل من استعرض عدداً من الأسماء بينها أزعور كمرشّحين من خارج الاصطفافات، فإن من المتوقع أن يعود "التقدمي" ويطرح هذا المبدأ خلال مناقشاته مع الأطراف ومُحاولاته حث الكتل على التوجّه نحو الحوار، خصوصاً وأنّه لا زال على موقفه لجهة الابتعاد عن المرشّحين الذين يشكّلون "استفزازاً أو تحدياً للطرف الآخر".
في المحصّلة، وحسب ما تبدو الخريطة، فإن الفريق الداعم لترشيح سليمان فرنجية مستمر بدعمه وليس في وارد التوجّه نحو مرشّح ثالث، في حين أن المعارضة الداعمة لأزعور لا تُمانع هذا الخيار من جديد في حال كان حلاً لإنجاز الاستحقاق، لكن ما هو مؤكّد أن ملف رئاسة الجمهورية وغيره من الاستحقاقات مرحّلة إلى ما بعد انتهاء حرب غزّة وبدء مرحلة التسويات.