ليس غريباً ان تظهر شخصيات على الساحة البيروتية تسعى الى حجز مكان لها على الساحة السنية بعد اكثر من عامين على اعتكاف رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري. فهل لا يزال يصح هذا الامر بعد زيارة الحريري الاخيرة وملامستها النشاط السياسي وإن من دون اعلان؟
مصالحات لقطع الطريق على وراثة الحريرية
في 24 كانون الثاني من العام 2022 وقبل اقل من 4 اشهر على اجراء الانتخابات النيابية اعلن الحريري اعتكافه ووقف العمل الانتخابي لتياره السياسي في لبنان، اي عدم المشاركة في الانتخابات لا ترشحاً ولا اقتراعاً.
هذا القرار غير المسبوق من نجل مؤسس "تيار المستقبل" ترك فراغاً على الساحة البيروتية، وبالتالي بدأت تلوح في افق الغياب "الازرق" موجات الطامحين لوراثة الحريرية السياسية.
بيد ان نتائج الانتخابات النيابية اثبتت ان اللاعب الاول على الساحة السنية لا يزال "تيار المستقبل"، وهذا ما اظهرته الارقام في صناديق الاقتراع ما سمح لعدد من المرشحين من خارج الموجة المستقبلية بالوصول الى ساحة النجمة.
الا ان ذلك لم يمنع بعض الشخصيات التي كانت تربطها علاقة مميزة بالتيار الازرق من التوجه الى العمل السياسي وإن من بوابة العمل الانمائي وذلك بهدف حجز مكان لها على الساحة السنية، ولا سيما ان بعض كوادر "المستقبل" قد انتقلوا الى تجارب سياسية جديدة سواء من النواب او من الوزراء السابقين.
ولوحظ في الفترة الاخيرة ان الوزير السابق محمد شقير كان الاكثر وضوحاً في محاولة تصدّر المشهد السياسي البيروتي من بوابة العمل الاجتماعي، واستهل ذلك من خلال اطلاق جمعية "بيروت الخير" لمساعدة الفقراء والمحتاجين في العاصمة. وبغضّ النظر عما حققته تلك الجمعية إلا ان الخطوة الثانية تمثلت بإطلاق لقاء "كلنا لبيروت" وانضمت الى اللقاء شخصيات كانت تدور في فلك "المستقبل"، ويتحضر مؤسسو اللقاء لتفعيل حضورهم السياسي من خلال اصدار بيان وبرنامج عمل للمرحلة المقبلة.
في المقابل، كان من الطبيعي ان يطفو الخلاف على السطح بين مَن يحاول وراثة الحريرية السياسية، وإن كان لا يعلن ذلك، وبين مَن هم اولياء "الانتماء والولاء" للتيار الازرق. وبصرف النظر عن التمايز في اداء هؤلاء، الا ان "الخطر الخارجي" يوحد كل من يرى فيه تهديداً للحريرية، وبالتالي وقع الخلاف بين شقير من جهة وبين مستشار الرئيس الحريري أحمد هاشمية الذي يرأس ايضا "جمعية بيروت للتنمية الاجتماعية" التي تنشط في الاوساط البيروتية ويعمل على التمدد الى غير منطقة سنية.
هذا الخلاف تمظهر في اكثر من مناسبة منها "الانتفاضة البلدية" ضد رئيس بلدية بيروت عبد الله درويش المقرب من شقير، ما استدعى تدخّل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لجمع المختلفين في دارته في بيروت بهدف تقريب وجهات النظر وازالة التباينات بين اهل البيت الواحد.
ميقاتي حاضن السنّة في غياب الحريري؟
ليس خافياً ان علاقة الرئيسين الحريري وميقاتي لم تكن سوية في بعض المراحل، ولا سيما ان الاخير "تبرع" لخلافة الاول بعد "الانقلاب الآذاري" في 11 كانون الثاني عام 2011 واطاحة قوى 8 آذار السابقة به ومن ثم تكليف الوزير السابق وابن طرابلس تأليف الحكومة. مَن واكب تلك الايام العصيبة وخصوصاً في 25 كانون الثاني من ذلك العام يدرك حجم شعبية التيار الازرق، وبالتالي فإن ميقاتي الذي عاد للمرة الثالثة الى رئاسة الحكومة على علم بخصوصية الحريرية وإرثها. وما ابتعاده عن الترشح للنيابة الا رغبة في احترام هذه الخصوصية، وقد جاء احتضانه للقاء المكاشفة الاثنين الفائت بين هاشمية وشقير ودرويش من هذه المنطلقات.
ويؤكد هاشمية لـ"النهار" ان "من الطبيعي ان يعقد اللقاء عند رئيس الحكومة نظراً للمكانة التاريخية والاحترام لهذا الموقع، وان التواصل معه امر طبيعي ودائم لانجاز المشاريع الانمائية لبيروت والمناطق الاخرى وكل ذلك بتوجيهات من الرئيس الحريري الذي وضع اولوية خدمة الناس في سلم الاولويات بعد تعليقه عمله السياسي".
اما عن المصالحة فيشير هاشمية الى انه لم يكن هناك خلاف لتكون مصالحة، وانما "بعض التباين بشأن ملفات بيروتية، وان الحلول كانت لمصلحة بيروت والبيارتة، وعادة نعالج أي تباين في البيت الداخلي وليس خارج الغرف المغلقة".
وينفي هاشمية أي علاقة بين عمله الانمائي والسياسة لانه لا يبحث عن أي منصب وليس لديه أي طموح لتولّي أي موقع.
ويشدد على ان "مرجعيتي الاولى والاخيرة هي الرئيس الحريري وستبقى لآخر نفَس عندي. واحترامنا للرئيس ميقاتي هو احترام لشخصه الكريم ولموقعه ولجهوده وتعاونه المستمر، وعلاقتنا معه علاقة احترام كبير ونشكره دائما على تسهيل طريق نجاح أي مشروع في اي منطقة من دون تمييز او استثناء، واحترامنا موصول لكل الذين حضروا اللقاء ولمسنا منهم ايجابية بالتعاون طالما ان المصلحة هي البيارتة واللبنانيين".
وفي ذلك رد على وجود خلافات عميقة مع شقير الذي يسعى الى تكريس حضوره السياسي على الساحة على رغم تأكيد هاشمية ان بيروت تتسع لكل الجهود، وان اهلها لهم الحق بالحصول على الخدمات وتأمين مقومات الصمود في هذه الظروف، لكن ذلك لا يعفي الدولة من مهماتها وايضاً لا يمكن لأحد ان يعوض دور الدولة على رغم قيام جمعية "بيروت للتنمية" بعملها الخيري والتنموي، وهذا امر معروف في العاصمة.
والسؤال: هل سيصل التنافس بين الطرفين الى حد تعطيل المشاريع المتبادلة؟ ينفي مستشار الحريري الامر، ويؤكد ان بيروت "بحاجة لكل المشاريع. الا ان الثابت وعلى رغم كثرة الكلام والمحاولات من نواب ووزراء، فإن لا احد في استطاعته ان يغطي وإن 1 في المئة من زعامة الحريري او يتجاوز حضوره على الاراضي اللبنانية كافة، عدا ان الالتفاف هو دوماً حول دار الفتوى وكل المواقع الدستورية ومنها موقع رئاسة الحكومة بما يمثله ميقاتي من احتضان للجميع ، فضلاً عن العلاقات الثابتة مع الدول العربية" يختم هاشمية.
لا تعليق
رغم محاولات عدة لم نحصل على تعليق من الوزير السابق محمد شقير على اللقاء والوضع على الساحة البيروتية.