تتّخذ المواجهات اليومية بين إسرائيل و"حزب الله"، على الحدود الجنوبية للبنان والشمالية لإسرائيل، شكلاً يُنذر بالخطر بعد أكثر من ثمانية أشهر على بدء الحرب في غزة، مع تصاعد الأعمال القتالية وإشارة كِلا الجانبَين إلى الاستعداد لمواجهة أكبر.
إزاء ذلك، أكدت وزارة الخارجية الأميركية، أمس الثلثاء، أنّ واشنطن لا تريد اندلاع حرب شاملة، معلنة أنّها تحاول السعي إلى حلّ ديبلوماسي، وسط تأكيد على أنّ "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها في مواجهة حزب الله". لكنّ الضغوط السياسية تتزايد في إسرائيل لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد "حزب الله".
في ما يلي حقائق أولية عن تاريخ المواجهات بين إسرائيل و"حزب الله" في لبنان.
كيف اندلعت المواجهات؟
بدأ "حزب الله" تبادل إطلاق النار مع إسرائيل في الثامن من أكتوبر تشرين الأول، أي في اليوم التالي لهجوم "طوفان الأقصى" الذي شنّته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على مستوطنات جنوب إسرائيل ممّا أدّى لإشعال حرب غزة.
ويقول "حزب الله"، وهو حليف لـ"حماس"، إنّ الهدف من هجماته هو دعم الفلسطينيين الذين يتعرّضون للقصف الإسرائيلي في القطاع، في جبهة أُطلق عليها "جبهة الإسناد" من جنوب لبنان إلى غزّة.
وتبادل إطلاق النار بين الحزب وإسرائيل جزء من التداعيات الإقليمية التي ترتّبت على حرب غزة، إلى جانب جماعات تُعرَف باسم "محور المقاومة"، كالحوثيين في اليمن و"الفصائل العراقية".
وعلى الرغم من ارتباط الصراع في لبنان بغزّة، فإنّ له قوى محرّكات خاصة به. فقد خاضت إسرائيل و"حزب الله" حروباً عديدة، كان آخرها في عام 2006.
ولطالما اعتبرت إسرائيل "حزب الله" أكبر تهديد على حدودها، وتشعر بقلق شديد من ترسانته المتزايدة وبسبب وجود موطئ قدم له في سوريا.
وتتحدّد أيديولوجيّة "حزب الله" إلى حدّ بعيد بالصراع مع إسرائيل. فقد أسَّس الحرس الثوري الإيراني "حزب الله" في عام 1982 لمحاربة القوات الإسرائيلية التي غزت لبنان في تلك السنة. وشنّ الحزب حروباً على مدى سنوات أدّت إلى تحرير جنوب لبنان وانسحاب إسرائيل عام 2000.
ما هو تأثير المواجهات بين إسرائيل و"حزب الله" حتى الآن؟
اضطرّ عشرات الآلاف من السكان إلى النزوح من منازلهم على جانبَي الحدود في جنوب لبنان ومستوطنات شمال إسرائيل. واستهدفت الغارات الإسرائيلية بلدات ينشط فيها "حزب الله" في جنوب لبنان وقصفت سهل البقاع مرات عدّة بالقُرب من الحدود السورية.
كما شنَّت إسرائيل هجمات في بعض الأحيان على أماكن أخرى، أبرزها اغتيال القيادي الكبير في "حماس" صالح العاروري، في الضاحية الجنوبية لبيروت، في الثاني من كانون الثاني الماضي.
وأسفرت الهجمات الإسرائيلية عن سقوط نحو 300 من عناصر "حزب الله" في لبنان، وهو ما يزيد عمّا فقده في عام 2006 وفقاً لإحصاء لـ"رويترز". كما يُظهر إحصاء لـ"رويترز" سقوط نحو 80 مدنيّاً أيضاً.
من ناحيته، تزعم إسرائيل أنّ هجمات "حزب الله" من لبنان أسفرت عن مقتل 18 جنديّاً إسرائيليّاً و10 مدنيين فقط، من دون التحقّق من الإحصاء الإسرائيلي في ظلّ تقييد النشر.
وفي إسرائيل، يُشكّل نزوح عدد كبير من السكان قضية سياسية كبيرة. ويأمل المسؤولون أن يتمكّن هؤلاء من العودة إلى منازلهم قبل العام الدراسي الذي يبدأ في الأول من أيلول.
إلى أي مدى قد يصبح الوضع أسوأ؟
يتخوّف المجتمع الدولي والعربي من تدهور الوضع أكثر على الحدود بين لبنان وإسرائيل، لكن رغم ضراوة الأعمال القتالية، لا تزال المواجهة قابلة نسبيّاً للاحتواء.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم، إنّ إسرائيل "مستعدة للقيام بعمل قوي في الشمال"، فيما حذّر في كانون الأول الماضي من أنّ "بيروت ستتحوّل إلى غزة إذا بدأ حزب الله حرباً شاملة".
من جهته، ذكر نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، أمس الثلثاء، أنّ "الحزب لا يسعى إلى توسيع دائرة المواجهات لكنّه مستعدّ أيضاً لخوض أي حرب تفرض عليها".
وأضاف في مقابلة مع قناة "الجزيرة" أنّ "حزب الله استخدم جزءاً صغيراً من قدراته، وأنّ أيّ تحرّك من إسرائيل لتوسيع دائرة المواجهات سيُقابَل بخراب ودمار وتهجير في إسرائيل".
إلى ذلك، لحقت أضرار مادية جسيمة بالجانبَين في الحروب الماضية. فقد سوَّت الغارات الإسرائيلية في عام 2006 مناطق واسعة من الضاحية الجنوبية لبيروت بالأرض، ودمّرت مطار بيروت، وقصفت طرقاً وجسوراً وغير ذلك من مرافق البنية التحتية.
وحينذاط، نزح ما يقرُب من مليون شخص من منازلهم في لبنان. كما نزح 300 ألف شخص في إسرائيل من منازلهم هرباً من صواريخ "حزب الله" ودُمر حوالي ألفي منزل.
على صعيد التسلّح، يمتلك "حزب الله" اليوم ترسانة أسلحة أكبر بكثير ممّا كانت لديه في عام 2006، وتضمّ صواريخ يقول الحزب إنّها قادرة على ضرب جميع أنحاء إسرائيل.
ويظهر منذ بداية الأعمال العدائية في تشرين الأول أنّ "حزب الله" يمتلك أسلحة متقدّمة أسقط من خلالها طائرات مسيّرة إسرائيلية، وأطلق مسيّرات محمّلة بمتفجرات على إسرائيل وصواريخ موجهة أكثر تطوّراً.
وخلال الأعوام السابقة، غزَت القوات الإسرائيلية لبنان مرات عدّة ووصلت إلى بيروت في غزو عام 1982.
هل بالإمكان تفادي التصعيد اليوم؟
تسعى واشنطن وباريس إلى احتواء التصعيد بين "حزب الله" وإسرائيل، بالرغم من التهديدات الإسرائيلية المتواصلة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، أمس الثلثاء: "سمعنا زعماء إسرائيليين يقولون إنّهم يفضّلون الحلّ الديبلوماسي. وهو بالطبع الحل الذي نفضّله نحن أيضاً ونسعى إلى تحقيقه".
وفي وقت سابق، أشار "حزب الله" إلى انفتاحه على الوصول إلى اتفاق يعود بالنفع على لبنان، لكنّه ذكر أنّ المناقشات لا يمكن البدء فيها قبل أن توقف إسرائيل هجومها على قطاع غزة، وهو ما لم يتمكن الوسطاء من تحقيقه حتى الآن.
وأشارت إسرائيل أيضاً إلى انفتاحها على تسوية ديبلوماسية تُعيد الأمن إلى الشمال، وذلك في الوقت الذي تجري فيه استعداداتها لهجوم عسكري لتحقيق الهدف ذاته.
وقال نتنياهو اليوم: "من يظنّ أنّ بإمكانه إيذاءنا وأننا سنقف مكتوفي الأيدي يرتكب خطأً فادحاً. سنُعيد الأمن إلى الشمال بطريقة أو بأخرى".
وتوسّط المسؤول الأميركي آموس هوكشتاين في اتفاق ديبلوماسي كان صعب المنال بين لبنان وإسرائيل في 2022 حول حدودهما البحرية المتنازع عليها.
وقال هوكشتاين في 30 أيار إنّه لا يتوقّع تحقيق سلام بين "حزب الله" وإسرائيل، لكن مجموعة من التفاهمات بإمكانها تسوية بعض من مسبّبات الصراع وقد تفضي إلى ترسيم حدود معترف بها بين لبنان وإسرائيل.
وتضمّن اقتراح فرنسي قُدّم لبيروت في شباط انسحاب وحدة النخبة التابعة لـ"حزب الله" لمسافة عشرة كيلومترات من الحدود وإجراء مفاوضات تهدف إلى تسوية النزاعات حول الحدود البرية.