عشيّة الذكرى السنويّة لانعقاد آخر جلسة لانتخاب رئيس للجمهوريّة في 14 حزيران من العام الماضي، تتكثّف المشاورات والمبادرات، لإعادة تحريك الملفّ الرئاسيّ.
تحرّك الحزب التقدّمي الاشتراكيّ و"التيّار الوطنيّ الحرّ" لإجراء سلسة لقاءات، فبدت هذه اللقاءات تدور في حلقة مفرغة ولن تُنتج سوى لعب في الوقت الضائع.
بدا لافتاً اللقاء الذي عُقِد في بيت الكتائب وجمع أطياف المعارضة و"التيّار الوطنيّ الحرّ" برئاسة النائب جبران باسيل، وتبرز أهميّته الأولى في الشكل، وهي حضور باسيل شخصيّاً إلى بيت الكتائب، واللقاء الشخصيّ برئيس الحزب سامي الجميّل، بعدما كانت تُعقد اللقاءات التنسيقيّة بين الطرفَين عبر النوّاب، وكان النائبان جورج عطالله وإدي المعلوف يلتقيان نواب "القوّات" و"الكتائب" والتغييرين والمستقلّين. أمّا المفارقة الثانية، فهي حضور "القوّات اللبنانيّة" عبر ممثّلها غسّان حاصباني بعد تردُّد، وذلك حفاظاً على "وحدة المعارضة".
اللقاء الذي حقَّق اختراقاً بالشكل، لم يُحقّق الكثير في المضمون، فبحسب النائب بلال الحشيمي الذي حضر اللقاء برفقة نوّاب المعارضة، فإنّ باسيل تحدّث عن تأييده لمشاورات أو حوار يسبق جلسات انتخاب الرئيس، وهذا الأمر يمكن أن يدفع الرئيس نبيه برّي إلى فتح مجلس النوّاب والبدء بجلسات مفتوحة لانتخاب رئيس.
وعندما سأل النوّاب عن ضمانات في حال الموافقة على الأمر، أكّد أنّه ينقل ما سمعه من رئيس المجلس، مشيراً إلى أنّ التعالي عن الشكليّات لمرّة واحدة فقط يُمكن أن يحرج الرئيس برّي.
وقال الحشيمي لـ"النهار": "مع كلّ تنازل نُقدّمه يُطلب منّا تقديم المزيد من دون أن يتراجعوا ولو خطوة واحدة"، مشيراً إلى أنّهم "يتحدّثون عن حوار وتوافق وهم مصرّون على ترشيح رئيس تيّار المردة سليمان فرنجيّة، حتّى لو لم يتمّ التوافق عليه".
ورأى الحشيمي أنّ "الثنائيّ يرفع السقف تحت شعار الحوار والتحاور وهذا مبدأ لا يرفضه أحد، لكنّه في الوقت نفسه يضع له آليّات ويتشدّد حتّى يصبح القبول به متعذّراً، وخصوصاً أنّه يمكن أن يصبح عرفاً يسبق كلّ عمليّة انتخاب".
كما اعتبر "أنّ "حزب الله" لا يريد في الوقت الراهن انتخاب رئيس، فهو منشغل في جبهة الجنوب، كما أنّ المحادثات الإيرانيّة الأميركيّة في أوجها، والورقة اللبنانيّة أساسيّة جدّاً في يد إيران، وهذا ما تفسّره الزيارة السريعة التي قام بها وزير الخارجيّة الإيرانيّ بالوكالة إلى لبنان بعد وفاة الوزير عبداللهيان".
وشدّد الحشيمي على أنّه "ربما على المعارضة تغيير إستراتيجيّتها في حال بقي التشدّد في وجهها، والذهاب إلى التحرّك في مجلس النوّاب عبر عرائض أو اعتصامات داخل قاعاته لفتح أبوابه وانتخاب رئيس".
وفي رأيه، أنّ "هذه المبادرات تبقى من دون نتيجة إن لم يلاقيها "حزب الله"، وأهميّتها الوحيدة هي في اللقاءات المباشرة التي يمكن أن تريح الشارع اللبنانيّ وتخفّف التوتّر فقط لا غير في انتظار تسوية شاملة".
إلى ذلك، تؤكّد مصادر معارِضة أنّ "مسألة الحوار، على شكل طاولة مع آليّات ودعوات تُوجَّه من أمانة مجلس النوّاب يحضرها رؤساء الكتل ويترأّسها رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، هي غير قابلة للنقاش ولن تشارك فيها، إذ لا يوجد في الدستور ما يُسمّى "طاولة حوار رئاسيّة".
وذكّرت المصادر بما قاله النائب محمّد رعد عن "عُرف يقوم قبل الانتخابات الرئاسيّة، وهذا أيضاً أمر مرفوض ولن نساهم في تثبيته بل سنواجهه. أمّا بالنسبة إلى التشاور، فهو يحصل حاليّاً ومن أبوابه العريضة أيضاً، فلقاء "التيّار الوطنيّ الحرّ" بالمعارضة هو تشاور، وجولات الحزب التقدّمي الاشتراكيّ وكتلة الاعتدال هي تشاور، وهي عمليّة جمع للأفكار وجوجلتها وإعادة طرحها بما يناسب الجميع.
وعن الحديث عن تراجع من "الكتائب" و"تجدّد" وبعض النوّاب عن رفض الحوار أو الانفتاح عليه، أشارت المصادر إلى أنّه "لا تراجع، إنّما توصيف حقيقيّ لمبدأ التشاور، فبيان المعارضة واضح وأيّ تشاور يكون على هامش أو قبيل الجلسات الانتخابيّة بين النوّاب الذين في إمكانهم التوصّل إلى انتخاب رئيس في حال فُتح مجلس النوّاب أمامهم".
وعن حراك باسيل، تشير المصادر المعارِضة لـ"النهار"، إلى "أنّ باسيل يسعى إلى إظهار نفسه بأنّه "بيضة القبّان" مستفيداً من الأزمة الرئاسيّة، وفي الوقت عينه يؤكّد للخارج أنّه انفصل عن "حزب الله" ولم يعد ملتصقاً به، كما أنّه يستغلّ الطرفين لحاجتيهما إليه، وهو ما قاله حرفيّاً أمام المعارضين عن أنّه إذا قبل بطرح "الثنائيّ" تنتهي الأمور وتحسم الرئاسة، وبالتالي التجاوب معه سيكون مربحاً تكتيكيّاً وآنيّاً للطرفين من دون أن يؤدّي ذلك إلى السير بما يطرحه".
في المحصّلة، سينضمّ حراك الاشتراكيّ و"التيّار" إلى ما سبقهما من تكتّل الاعتدال والموفد الفرنسيّ جان إيف لودريان والموفد القطريّ وسفراء الخماسيّة، وسيفتح النوّاب والقيادات عطلهم الصيفيّة مبكراً بانتظار تسوية ما أو طارئ خارجيّ يغيّر المعادلات الجامدة.