تحلّ الذكرى السنوية الأولى للمحاولة الثانية عشرة التي عقدها مجلس النواب في 14 حزيران 2023، والمجلس لا يزال يقفل أبوابه أمام أي انتخابات جديدة.
جلسة 14 حزيران كانت مختلفة عن الجلسات السابقة التي تركزت المنافسة في خلالها بين مرشح المعارضة ميشال معوض والأوراق البيض. فقد شهدت تنافساً حقيقياً بين المرشحين الوزير السابق جهاد أزعور ورئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية الذي تحاشى حلفاءه الاقتراع المباشر له قرابة 10 أشهر و11 جلسة انتخاب.
وأحرز أزعور في خلالها 59 صوتاً فيما نال منافسه 52، قبل أن تلتحق الجلسة بسابقاتها، لناحية فقدان النصاب في الدورة الثانية بعد انسحاب "أحزاب الممانعة" من الجلسة.
نال ازعور في تلك الجلسة أصوات "القوات" والكتائب و"تجدد" وغالبية "نواب التغيير" و"اللقاء الديموقراطي" وأصوات "التيار الوطني الحر" مع خروق لا يزال يعاني من تداعياتها داخلياً، اضافة الى بعض النواب المستقلين، فيما عمد رئيس مجلس النواب نبيه بري مع "حزب الله" الى إجراء أكبر عملية استقطاب وضغط استجمعا من خلالها أصواتاً لفرنجية لم يكن متوقعاً إطلاقاً الحصول عليها، شكلت صدمة ومفاجأة باعتبارها كانت في خط المعارضة.
وبعد عام حافل بالأحداث، تخلّلته تغييرات دولية وإقليمية هائلة، وشهد ما يمكن وصفة بأنه أكثر حرب دموية بين الفلسطينيين وإسرائيل، وفُتِحت في خلاله جبهتا لبنان واليمن، تشهد المنطقة إعادة رسم خرائط جديدة من شأنها أن تغيُّر في مسار الشعوب.
أمّا في لبنان، فلا شيء تغيّر، إذ إنّ داعمي سليمان فرنجية لا يزالون يتمسكون بترشيحه ويقاتلون من أجل انتخابه، فيما من تقاطعوا على جهاد أزعور لم يغيّروا موقفهم، ويؤكدون أنه أفضل ما يمكن تقديمه كمرشح وسطي لا ينتمي الى أي من الأطراف المتخاصمين.
على المستوى الخارجي، ورغم تراجع الملف الرئاسي في لبنان إلى أسفل سلم الاهتمام الدولي، وتقدّم ملف الحرب و"حزب الله" عليه، إلّا أنه شهد بعض المحاولات إن عبر سفراء "الخماسية" أو عبر الموفد الفرنسي الخاص إلى لبنان جان إيف لودريان، ناهيك بموفدين عرب كالموفد القطري الذي بقي يصول ويجول بين الأطراف اللبنانيين من دون أي تقدّم يُذكر، ولايزال الفراغ على حاله.
وبعيداً من المبادرات العلنية والزيارات واللقاءات، لعبت أجندات الدول دوراً مهماً في الملف الرئاسي الذي وضعه بعضها المؤثر في بازار الحرب، فيما حاول البعض الآخر أخذها إلى مكان آخر حيث برزت حلافات عديدة بين بعض الدول المؤثرة مثل فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وقطر، وهذه الأجندات المختلفة والمتعارضة أحياناً شلّت عمل الدول، في حين أن تطور الحرب في الجنوب دفع الملف إلى الثلاجة لدى الأميركيين الأكثر تأثيراً فيه في انتظار التسوية الكبرى.
وفي الداخل وبعد أن جمدّت الاتصالات مدة طويلة تزامناً مع الحرب، عاد بعض التحركات على شكل مبادرات أو محاولات لتقريب وجهات النظر، غير أنها بقيت تدور من ضمن حلقة مفرغة من دون أي تقدم ملموس أيضاً.
أما المجلس الذي أقفل أبوابه رئاسياً منذ عام فمستمر في النهج نفسه اليوم، و"الثنائي" وفريق الممانعة يرفضان فتح الأبواب من دون حوار أو تشاور يسبقه، فيما الفريق المعارض يرفض الخضوع لهذا الشرط لئلا يصبح عُرفاً، وبالتالي الاستمرار في المراوحة.
ولدى هذا الفريق أسبابه وحججه وخصوصاً أن 7 جلسات حوارية سابقة، لم تنتج سوى تنازلات لـ"حزب الله" وفريقه، كما أن الحزب لطالما انقلب على الاتفاقات عندما تصبح لا تناسبه وأهمها ما جرى في أعقاب "إعلان بعبدا"، وتالياً هو لم يتوقف عند القرارات الدولية عندما أصبحت لا تناسبه، فهل سيلتزم ما ينتجه الحوار؟
وترى المعارضة أن الدخول في حوارات ومفاوضات لن يؤدي إلا إلى تنازلات جديدة، وخصوصاً أن الفريق الآخر غير مستعد للتراجع قيد أنملة عن مرشحه. وهي تعتبر أنها لم تعد تملك سوى عدديتها في مجلس النواب لعدم فرض مرشح "الثنائي"، وخصوصاً أنه بدأ الحديث عن صفقة ما يمكن أن تكون على حسابه.
وفي واقع الأمور، وبعيداً من انشغاله بالحرب واعتباره الملف الرئاسي هامشياً، يرى "حزب الله" أن نتائج المعركة ستؤدي حكماً الى انتخاب مرشحه وأن لا داعي للاستعجال، خصوصاً أن الأمور تسير كما يرغب فيها و"الدولة الرسمية" أو الحكومة هي في جانبه أو تحت أمرته، وتشكّل ظهيراً للميدان، فلا داعي للتغيير قبل التسوية الكبرى، ولا ضير من ترك الأمور على حالها.
عدد كبير من الأسماء يُطرَح على الحلبة السياسية منها يعلو ومنها يخفت، لكن حتى الساعة، من خاضا منازلة حزيران لايزالان مستمرَّين في ترشّحيهما ولم يخسر أي منهما أي دعم رغم كل ما يقال.
وبحسب معلومات لـ"النهار"، فإنّ اجتماع المعارضة برئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل خرج بتأكيد واضح من باسيل أنه في حال الذهاب إلى الانتخابات من دون اتفاق، فلا يزال الموقف هو نفسه حيال الاسم المتوافق عليه أي جهاد أزعور.
كما ان هذه الكتل تعلم حق المعرفة أنه في حال تنازل فريق الممانعة عن فرنجية، فإن باسيل مستعد للعودة الى أحضانه بأي اسم آخر، وهو أبلغ إلى المعارضة هذا الأمر من دون خجل، ما جعل الأخيرة تتمسك بالاسم المتقاطع عليه في انتظار تطورات الميدان والمفاوضات وربما الانتخابات الأميركية.
ورغم ابتعاد ازعور من الساحة السياسية، واستمراره في عمله بعيداً من السجالات الداخلية، فهو أيضاً لا يزال يبدي استعداداً لتولي المسؤولية في حال قرر ممثلو الشعب اللبناني هذا الخيار، ولم يسحب اسمه من التداول، فيما لم تستطع أسماء أخرى جمع هذا العدد من الأصوات أقله حتى اللحظة.