الأربعاء - 26 حزيران 2024

إعلان

"الديمقراطية التوافقية" تقييد للرئاسة وطريق نحو النظام

المصدر: "النهار"
رولان خاطر
رئيس مجلس النواب نبيه بري.
رئيس مجلس النواب نبيه بري.
A+ A-
عام وثلاثة أيام مرّت على الجلسة الأخيرة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لانتخاب رئيس للجمهورية.
نتائج هذه الجلسة، والتوازن السلبيّ الذي فرضته قوى المعارضة، جعلت الثنائي الشيعي "يبتعد عن المنازلة الديمقراطية"، وفق ما تقول المعارضة، ويزداد تمسّكاً بالحوار كطريق ملزم لانتخاب رئيس؛ والخطأ الأكبر أنه ذهب بعيداً باعتباره طاولةَ حوارٍ يرأسها تحديداً رئيس المجلس "عرفاً" دستورياً لانتخاب رئيس البلاد".
 
ما قاله الرئيس نبيه بري والنائب محمد رعد عن "طاولة الحوار الرئاسية"، زيّنه المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان بما سمّاه "الديمقراطية التوافقية مع ميثاقية توافقية". هل فهم اللبنانيون ما قصده سماحته بإضافة بهار "الميثاقية" إلى "التوافقية"؟
 
مصطلحات تظهر في المؤسسات السياسية اللبنانية بشكل فاقع منذ وثيقة 2009 لـ"حزب الله"، إلى اتفاق الدوحة ومخرجاته، إلى "عرف" وزارة المالية، فـ"عرف" قيادة الأمن العام، إلى مسألة المثالثة، بموازاة المطالبة الدائمة بإلغاء الطائفية السياسية، والاستعاضة عنها بما تم تسميته "الديمقراطية التوافقية" كمفهوم دستوريّ، بحسب وثيقة "الحزب"، إلى حين إلغاء الطائفية السياسية. هي ممارسات تبرّر الوسيلة لتحقيق الغاية الأسمى والأبعد، وتغيير لبنان ونظامه شكلاً ومضموناً، وبمثابة كرة ثلج تهدّد التعددية لصالح منطق العددية، والتمسك بالحوار كطريق نحو الرئاسة، وإلا فلن يكون هناك رئيس، مما يبدو الدليل الفعليّ والجديّ لمشروعٍ هو أكبر من رئيس.
ويسأل قطب 14 آذاري: هل هذا السلوك مُبرّر لمكوّن يعيش في بلد تعدّدي ذي نظام برلماني، وقد اتّفق أبناؤه في صلب دستورهم على أن يكون "لجميع أبنائه على السواء"؟ ولماذا يقول الثنائي الشيء وعكسه، فيعترف علناً بالتعددية ويمارس فعلاً العددية؟ يقول باتفاق الطائف والنظام المركزي، ويطبّق الفيديرالية في جغرافية وجوده السياسي والثقافي والتربوي والعسكري والأمني والاجتماعي والمالي والاقتصادي والطبي...
 
لا بنود ولا عبارات ولا حتى تلميحات موجودة في سطور الدستور يمكن أن نجد فيها الدلالة على أن انتخاب رئيس للجمهورية يتطلّب "طاولة حوار رئاسية" برئاسة رئيس المجلس. فالدستور كان حريصاً على عدم إعطاء أيّ وسائل يمكنها أن تغلّب طائفة على أخرى، أو تخضع مكوّناً لآخر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؛ والرؤساء على مرّ التاريخ جاؤوا بالانتخاب لا بـ"طاولة رئاسية"، وبعضهم بالنصف زائداً واحداً وبجلسة واحدة وبدورات متتالية.
كذلك، فأيّ عرف هذا الذي يمنح امتيازات طائفة على أخرى وحزبٍ على طائفة؟ وأيّ عُرف يجعل الموارنة في اختيار رئيسهم تحت وصاية رئيس المجلس الشيعي؟
القاعدة المشتركة أو المساحة المشتركة التي يتحدّث عنها الأفرقاء السياسيون، أي الرئيس بري و"حزب الله"، من دون استثناء رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، أشبه بالرمال المتحركة التي تبتلع من يقف عليها، ما دام الحوار مشروطاً إما بالتمسك بمرشح واحد وحيد، هو سليمان فرنجية، أو بما سمّوه "العرف".
"فهل قام عرف في التاريخ اللبناني بقوة السلاح؟ أليس العرف الذي يملك قوة القانون هو الذي يكون بالتفاهم والتوافق، وإلا فلا يكون عرفاً؟ ومتى حصل أن أتى رئيس لبنان بوصاية رئيس المجلس؟ وهل تربُّع الرئيس بري على عرش المجلس لمدة 32 عاماً يُعطيه و"الحزب" حق تكريس أعراف رئاسيّة؟ وهل هذا يعني أن المارونية السياسية أخطأت يوم كانت في أوج قوتها عندما لم تفرض "عُرف" تعيين رئيس المجلس، أو عرف التمسّك بمعادلة 6/5؟ فلنعد إلى ما قبل 1990 إذن، وعندها نتحدث عن الأعراف وقوتها ودستوريتها"، يقول القطب السيادي المعارض.
 
لا شكّ في أن النظام اللبناني بشكله الحاضر لم يعد فاعلاً، ولا يلبّي طموحات الكثيرين، إنما الاختلاف الأساس يكمن في جوهر النظام الذي يُريده مكوّن "حزب الله" – "أمل" وليس الشيعة جميعاً، ويريده المسيحيون، واستطراداً باقي المكونات. المسيحيون ينادون أقلّه بالفيديرالية وصولاً إلى الانفصال الكليّ، بينما يرفض الثنائي كلّ مظاهر التقسيم أو الفدرلة، أكانت مباشرة أم مقنّعة، ويصرّ على "الوحدة" لكونها مفهوماً شرعياً يتغطّى به لتطبيق مشروعه السياسي.
لذلك، تشكّل الديمقراطية التوافقية نقطة تحوّل في النظام السياسي اللبناني ككلّ بالنسبة إلى "حزب الله" و"أمل"، وعبرها تخضع كلّ القرارات في المؤسسات الإدارية والسياسية لتقريش القوى السياسية كافة، لتكون في النهاية لصالح فريق الثنائيّ لكونه يملك السلاح ويخطف ميزان التوازن العسكري والسياسي في البلد.
 
من هنا، تصرّ القوى المسيحية، ومعها فئات كثيرة من قوى المعارضة، على رفض الرضوخ لأعراف غير دستورية، ليقينهم بأن تكريس أيّ عرف بسطوة السلاح ستكون له امتداداته مستقبلاً على المكوّنات الطائفية كافة، تحت عنوان "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض".
لذلك، تجري محاولات لتصوير "القوات" وقوى المعارضة على أنهم سلبيّون تجاه المبادرات الرئاسية وتجاه الحوار. في المقابل، استطاعت قوى المعارضة مجتمعة تثبيت منطق الدستور على أيّ منطق آخر، فرفضت تكريس أعراف غير دستورية، وفرْضَ الوصاية الطائفية والحزبية في اختيار رئيس الجمهورية الماروني، وأحكمت قبضتها على إبقاء سدة الرئاسة حرّة من أيّ مشاريع غير لبنانية غداً وبعد غد وإلى أمد بعيد، وأبدت معارضتها لكسر المسارات الدستورية، بهدف مواصلة ما تسمّيه المعارضة "العملية الانقلابية التي يستكمل "حزب الله" فصولها، بموازاة المناورات والأثمان التي يحاول قبضها في مساراته العسكرية".
 
بشكل منظم، تخوض "القوات اللبنانية" وقوى المعارضة مواجهة استراتيجية في الحفاظ على التوازن الدستوري، ويعملون على إسقاط محاولات استكمال مفاعيل اتفاق الدوحة التي تساعد في مواصلة إحكام قبضة "الحزب" أو الثنائي على مؤسسات الدولة والجمهورية، والتلطّي وراء مصطلحات ديمقراطية في العلن وغير ديمقراطية ولا توافقية ولا ميثاقية في الممارسة، وضرب كلّ محاولات الاستفراد بالقرار اللبناني، وإبعاد أيّ وسيلة لتحقيق مشروع المثالثة أو المشروع السياسي الأسمى الأكبر، الذي تحدث عنه العلامة محمد حسين فضل الله، ومفكّرون كثر.
 
بالنسبة إلى القوات والمعارضة، تحمل المعركة أبعاداً استراتيجية حمايةً لمداميك الحرية الوجودية لكلّ مكوّن عبر التمثيل الحرّ والصحيح في نظام الطائف ريثما يتفق اللبنانيون على أيّ نظام جديد سيكون للبنان؛ فيأتي الإصرار على اتباع الطرق القانونية في انتخاب الرئيس، والدعوات المتكررة لرئيس المجلس لتحرير مجلس النواب، واعتماد جلسة واحدة بدورات متتالية لانتخاب الرئيس والتزام الكتل النيابية كافة، بمن فيها كتل نواب الممانعة، بالبقاء في الجلسة وعدم تعطيل النصاب، وبالتالي عدم خطف رئاسة الجمهورية.
 
ولا ترى هذه القوى السيادية في المبادرات الرئاسية المطروحة إلا مضيعة للوقت، وتثبيت وجود لبعض القوى المهمّشة سياسياً. وهي على يقين بأن معركتها ليست سهلة، خصوصاً أنّ من بينها من يستسهل الدعوات للحوار، ومنهم من المسيحيين من يلطّف هذه الدعوات ويعتبرها نابعة من نوايا حسنة. وهو أمر غير حقيقي وغير صحيّ، ومسؤول عنه أمام التاريخ والله والناس. فهل، على سبيل المثال، لو استطلع النائب جبران باسيل رأي قاعدته الشعبية عن مدى قبولها بأن يترأس الرئيس نبيه بري طاولة حوار رئاسية، فهل كانت لتقبل بذلك؟
 
لقد كان النبي، عندما يُضرب بالحجارة حتى تدمى رجلاه، يذهب إلى محرابه ليرفع يديه إلى ربّه قائلاً: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون". عبارة كأنها استنساخ لما جاء على لسان السيّد المسيح وهو على الصليب: "اغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون". وفي كلتا الحالتين، يقول القطب السيادي، "اهدهم يا ربّ واغفر لهم، لأنهم يدرون ماذا يفعلون".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم