عاد القلق إلى المخيمات الفلسطينية خشية انفجارها أمنياً، ولاسيما منها في عين الحلوة، حيث اندلعت اشتباكات دموية في تمّوز الماضي ولم تُحل المُشكلات بين حركة "فتح" والجماعات الإسلامية المتشدّدة بعد، في حين أن ثمّة أزمات فلسطينية مركزية قد تنعكس أيضاً توتراً بين الفصائل، مما يؤدّي إلى احتمال عودة شبح الاشتباكات من جديد.
لا شك في أن الأزمات الخارجية تنعكس دائماً على الداخل اللبناني، وفي الملف الفلسطيني، فإن الأزمة المتصاعدة بين "فتح" و"حماس" والمواقف المتباعدة بشأن غزّة، وقلق "حماس" من اتفاق السلطة الفلسطينية مع إسرائيل على ترتيب الوضع في القطاع بعد انتهاء الحرب، والإعلان عن تأجيل الحوار بينهما والذي كان منتظراً في الصين، قد تُترجم اشتباكاً عسكرياً في مخيّمات لبنان.
في هذا السياق، توتر الوضع الأمني في الآونة الأخيرة في اعقاب جريمتي قتل في عين الحلوة، إحداهما استهدفت عضواً في قوات "الأمن الوطني الفلسطيني" التابعة لـ"فتح" على يد أحد الإسلاميين المتشدّدين الذي لم يسلم بعد، فعاد القلق من تحويل المخيمات صندوق بريد بين الفصائل الفلسطينية، خصوصاً أن من المعروف أن الإسلاميين مرتبطون بحركة "حماس".
عضو القيادة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية غسان أيوب يُعلّق على الجريمتين اللتين حصلتا، ليقول "أن لا علاقة لهما بتأجيل الحوار بين "فتح" و"حماس" أو التباين الموجود بين الطرفين، بل هما ناجمتان عن غياب سلطة أمنية مشتركة فاعلة توقف كل من يُريد العبث بأمن المخيّم".
وفي حديث الى "النهار"، يؤكّد أيوب موقف "فتح" القاضي بعدم عودة الاشتباكات إلى المخيّمات عموماً وعين الحلوة خصوصاً، وفي الوقت نفسه، يكشف عن موقف مُشابه يصدر من خلال بيانات "عصبة الأنصار" و"الحركة الإسلامية المُجاهدة" و"الشباب المسلم"، أي الإسلاميون المتشدّدو، الذين يُبدون "استعداداً لمعالجة الأزمات وتهدئة الأجواء".
ويتطابق حديث أيّوب مع الواقع، فالفصائل الفلسطينية مجتمعة لا تبدو كأنها تُريد عودة الاشتباكات إلى مخيّم عين الحلوة، ولاسيما منها "فتح". وعدم تطوّر الأمور بعد الجريمتين واستعداد الإسلاميين المتشدّدين لحلحلة الأمور، كما يقول، دليل على أن الفصائل لا تُريد تدهور الوضع الأمني، علماً أن القيادي الفلسطيني يكشف عن اجتماعات حثيثة تُعقد بين الفصائل حفاظاً على الهدوء.
وعن فرضية انعكاس الأزمات المركزية بين "فتح" و"حماس" على المخيّمات، يلفت إلى "أن ثمّة توافقاً فلسطينياً وطنياً إسلامياً بين الفصائل لتحييد الساحة اللبنانية عن المشكلات المركزية، ومنظمة التحرير الفلسطينية قرارها حازم لجهة منع الاشتباك وعدم الاستدراج إلى أي قتال".
لا يعني الهدوء النسبي المسيطر على المخيّمات منذ السابع من تشرين الأول الفائت، أن الأزمات "تتذيّل" بين طرفي الصراع، لكنها مؤجلة إلى ما بعد انتهاء الحرب حسبما يرى مراقبون، انطلاقاً من كون "فتح" تُسيطر على المخيمات ولا تُريد عبثاً بأمنها، و"حماس" منشغلة بحرب غزّة ونشاطها المتصاعد في الضفة الغربية، وليست في وارد صبّ اهتمامها على الساحات الأخرى.
تطمينات يُمكن أن تُرخي، بالحد الأدنى، هدوءاً نسبياً، لكن القلق من تحويل المخيّمات صناديق بريد وتفجيرها أمنياً يبقى هاجساً، خصوصاً أن الاشتباك الأخير في عين الحلوة قبل قرابة سنة كاد أن يتطوّر، في ظل حديث عن تدخّل جهات لبنانية وسورية، مما أثار قلقاً جديداً من انفلات الأمور وتوسّعها إلى خارج دائرة المخيّم.