النهار

"حزب الله" يعدّل تكتيكاته بعد عمليّات الاغتيال... سعاة يبلّغون الرسائل شفهياً وكلمات مشفّرة للأسلحة ومواقع الاجتماعات
المصدر: "رويترز"
"حزب الله" يعدّل تكتيكاته بعد عمليّات الاغتيال... سعاة يبلّغون الرسائل شفهياً وكلمات مشفّرة للأسلحة ومواقع الاجتماعات
مناورة "حزب الله" العسكرية في جنوب لبنان (نبيل إسماعيل).
A+   A-
بعد سلسلة الاغتيالات التي طالت قادة كباراً في "حزب الله" بغارات جوية إسرائيلية، لجأ الحزب إلى استخدام بعض التقنيات القديمة مثل استخدام الرموز في الرسائل وخطوط الهواتف الأرضية وأجهزة البيجر لمحاولة التهرب من تكنولوجيا المراقبة المتطورة لإسرائيل، بحسب ما نقلت "رويترز" عن مصادر مطلعة.

وبدأ الحزب أيضاً باستخدام التكنولوجيا الخاصة به، منها الطائرات المسيّرة، لدراسة ومهاجمة قدرات إسرائيل على جمع المعلومات الاستخبارية، فيما وصفه الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله بأنه استراتيجية "إعماء العدو وصم آذانه باستهداف التجهيزات الفنية والرادارات والمناطيد".
 
ومع تزايد الضغوط الداخلية في إسرائيل بسبب هجمات "حزب الله"، سلّط الجيش الإسرائيلي الضوء على قدرته على ضرب عناصر الحزب عبر الحدود.

وفي جولة على القيادة الشمالية لإسرائيل، أشار وزير الدفاع يوآف غالانت إلى صور من قال إنهم قادة "حزب الله القتلى"، وقال إن 320 "إرهابياً" قتلوا حتى 29 أيار، منهم عناصر بارزة.

وتؤدي تكنولوجيا المراقبة الإلكترونية دوراً حيوياً في هذه الهجمات. وقال الجيش الإسرائيلي إن لديه كاميرات مراقبة أمنية وأنظمة استشعار عن بعد على المناطق التي ينشط فيها "حزب الله"، وإنه يرسل بانتظام طائرات استطلاع مسيّرة عبر الحدود للتجسّس.

ويعتبر التنصت الإلكتروني الذي تقوم به إسرائيل، منه اختراق الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، على نطاق واسع من بين أكثر العمليات تطوّراً في العالم.

وقالت ستة مصادر مطلعة لـ"رويترز"، طلبت عدم الكشف عن هوياتها، إن "حزب الله" تعلم من خسائره، وقام بتعديل تكتيكاته ردّاً على ذلك.

وقال اثنان من المصادر إن الهواتف المحمولة، التي يمكن استخدامها لتتبّع موقع المستخدم، تم حظرها من ساحة المعركة واستبدالها بوسائل الاتصال القديمة، مثل أجهزة البيجر والسعاة الذين يبلغون الرسائل شفهياً.

وقالت ثلاثة مصادر إن حزب الله يستخدم أيضاً شبكة اتصالات أرضية خاصة يعود تاريخها إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وأفاد مصدر آخر مطلع بأنّه في حالة سماع المحادثات، يتم استخدام كلمات مشفرة للأسلحة ومواقع الاجتماعات. وقال المصدر إن الكلمات المشفرة يتم تحديثها يومياً تقريباً وتسليمها إلى الوحدات عن طريق سعاة ينقلون الرسائل.

 
إجراءات مضادة بتقنيات قديمة

ويقول خبراء أمنيّون إن بعض الإجراءات المضادة التي تستخدم فيها تقنيات قديمة يمكن أن تكون فعّالة للغاية ضد قدرات التجسّس عالي التقنية. فإحدى الطرق التي أفلت بها زعيم تنظيم القاعدة الراحل، أسامة بن لادن، من الاعتقال لما يقرب من عقد من الزمن، كانت من خلال قطع الاتصال بخدمات الإنترنت والهاتف، واستخدام السعاة بدلاً من ذلك.

وقالت إيميلي هاردينغ المحلّلة السابقة بوكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه)، والتي تعمل الآن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إن "مجرد استخدام شبكة خاصة افتراضية (في.بي.إن)، أو أفضل من ذلك، كعدم استخدام الهاتف المحمول على الإطلاق، يمكن أن يزيد من صعوبة العثور على الهدف وإصلاحه".

وأوضحت "لكن هذه الإجراءات المضادّة تجعل قيادة حزب الله أقل فاعليّة بكثير في التواصل بسرعة مع قواتها".

ويعتقد "حزب الله" ومسؤولون أمنيون لبنانيّون أن إسرائيل تقوم أيضاً بتجنيد مخبرين في داخل لبنان أثناء قيامها بمراقبة الأهداف. وقالت ثلاثة مصادر إن الأزمة الاقتصادية في لبنان خلقت فرصاً لعملاء إسرائيل لتجنيد أفراد في لبنان، لكن ليس كل المخبرين يدركون مع مَن يتحدثون.

وفي 22 تشرين الثاني، تلقّت امرأة من جنوب لبنان مكالمة على هاتفها المحمول من شخص يدعي أنه مسؤول محلي، وفقاً لمصدرين على علم مباشر بالواقعة. وقالت المصادر إن المتصل كان يتحدث بلغة عربية قوية، وسأل عما إذا كانت الأسرة في المنزل. أجابت المرأة: لا، موضحة بأنهم سافروا إلى شرق لبنان.

وقالت المصادر إنه بعد دقائق، ضرب صاروخ منزل المرأة في قرية بيت ياحون، مما أسفر عن مقتل خمسة من مقاتلي "حزب الله"، من بينهم عباس رعد، نجل النائب محمد رعد والعضو في وحدة الرضوان.

وقال الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت إنه قصف عدداً من أهداف الحزب، منها "خليّة إرهابيّة".

وفي غضون أسابيع، كانت جماعة حزب الله تحذر أنصارها علناً عبر أثير محطة إذاعة النور التابعة لها من عدم الثقة بالمتصلين الذين يزعمون أنهم مسؤولون محليون أو عمال إغاثة، وقالت إن الإسرائيليين ينتحلون شخصياتهم للتعرف على المنازل التي يستخدمها حزب الله.

وكانت تلك بداية سلسلة من الهجمات استهدفت أعضاء بارزين في "حزب الله" - لبنان،‭‬ من بينهم وسام الطويل وطالب عبد الله‭ ‬ومحمد ناصر، القادة الذين أدّوا أدواراً أساسية في توجيه العمليات في جنوب لبنان، بحسب "رويترز".
 
وقال مصدران مطّلعان  ومسؤول استخباراتيّ لبنانيّ للوكالة إنّ "حزب الله" بدأ يشتبه في أن إسرائيل تستهدف مقاتليها عبر تتبع هواتفهم المحمولة وكاميرات المراقبة المثبتة على المباني في البلدات الحدودية.

وفي 28 كانون الأول، حثّ "حزب الله" سكان الجنوب في بيان نُشر على "تليغرام" على فصل أيّ كاميرا مراقبة يمتلكونها عن الاتصال بالإنترنت.

وبحلول أوائل شباط صدرت توجيهات أخرى لمقاتلي "حزب الله" بعدم استخدام هواتف محمولة في أيّ مكان قريب من ساحة المعركة.

وقال مصدر لبناني كبير مطلع لـ"رويترز": "اليوم، إذا وُجد أيّ هاتف مع أيّ شخص على الجبهة، فسيتمّ طرده من حزب الله".

وأكّدت ثلاثة مصادر أخرى التوجيه الذي عمّمته الجماعة.

وذكر المسؤول الاستخباراتي اللبناني أن "حزب الله" كان يجري أحياناً عمليات تفتيش مفاجئة على الوحدات الميدانية بحثاً عن هواتف.

وأوضح مصدران آخران بأن كبار القادة السياسيين في "حزب الله" يتجنّبون إحضار هواتف معهم إلى الاجتماعات، حتى في بيروت.

وفي خطاب في 13 شباط، حذّر نصر الله أنصاره من أن هواتفهم أكثر خطورة من جواسيس إسرائيل، وقال إنه يجب عليهم أن يكسروها أو يدفنوها أو يضعوها في صندوق حديديّ.

وأفاد مسؤول أمني لبناني سابق ومصدران آخران مطّلعان بأنّ الحزب اتّخذ إجراءات لتأمين خطوط التواصل الهاتفيّ الخاصة به بعد الاشتباه بخرق إسرائيلي.

ووفقاً لمسؤولين حكوميين آنذاك، فإن الشبكة الواسعة التي يزعم أنها مموّلة من إيران أُنشئت قبل نحو عقدين باستخدام كابلات ألياف ضوئيّة ممتدّة من معاقل حزب الله في الضواحي الجنوبية لبيروت إلى بلدات في جنوب لبنان وشرقها حتى وادي البقاع.

وأحجمت المصادر عن تحديد زمن وكيفية الاختراق، لكنهم قالوا إن خبراء الاتصالات في "حزب الله" يعملون على تقسيمها إلى شبكات أصغر للحدّ من الأضرار في حال اختراقها مجدّداً.

وقال المصدر اللبناني الكبير لـ"رويترز" "كثيراً ما نغيّر شبكات الخطوط الأرضية لدينا ونقوم بتبديلها حتى نتمكّن من تجاوز القرصنة والتسلل".

المراقبة باستخدام طائرات مسيّرة

تتباهي الجماعة (حزب الله) بقدرتها على جمع معلومات استخباراتية خاصة بها عن أهداف العدو ومهاجمة منشآت المراقبة الإسرائيلية باستخدام ترسانتها من الطائرات المسيّرة الصغيرة محليّة الصنع.

وفي 18 (يونيو) حزيران، نشرت جماعة حزب الله مقطع فيديو مدته تسع دقائق قالت إنه التُقط فوق مدينة حيفا الإسرائيلية بوساطة طائرات مراقبة تابعة لها، وتضمن منشآت عسكرية وموانئ.

وذكر سلاح الجو الإسرائيلي أن أنظمة الدفاع الجوي رصدت الطائرة المسيّرة، لكن القرار اتُخذ بعدم استهدافها، لأنها لا تمتلك قدرات هجوميّة، ولأن استهدافها قد يعرّض السكّان للخطر.

وتضمّن مقطع فيديو آخر نشره "حزب الله" صوراً جويّة قال إنّها لمنطاد مراقبة إسرائيلي ضخم يُعرف باسم "سكاي ديو" في اليوم السابق لاستهدافه في هجوم بطائرة مسيّرة في 15 (مايو) أيار.
 
لكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري قال في ذلك الوقت إن المنطاد المستخدم لرصد التهديدات الصاروخية أصيب أثناء وجوده على الأرض في قاعدة عسكريّة في شمال إسرائيل.

وأشار إلى عدم وقوع إصابات جراء الهجوم، وأنه لم يؤثر على "القدرة على رصد الوضع الجوي" في المنطقة.

ويقول الحزب إنه أسقط أو سيطر على ست من طائرات الاستطلاع الإسرائيليّة من طرازات هيرمس 450، وهيرمس 900، وسكاي لارك.

ووفقاً لمصدرين يقوم عناصر "حزب الله" بتفكيك الطائرات المسيّرة لدراسة مكوناتها.

وأكدت إسرائيل أن خمس طائرات مسيّرة تابعة للقوات الجوية أُسقطت بصواريخ أرض-جوّ بينما كانت تنشط فوق لبنان.

ومع ذلك، قال الجيش الإسرائيلي إن التصريحات الصادرة عن حزب الله "يتعيّن التعامل معها بحرص"، قائلاً إن المجموعة تهدف إلى بثّ الخوف في نفوس الإسرائيليين.

وقال نيكولاس بلانفورد، وهو مستشار أمني مقيم في بيروت، ومؤلف كتاب يتناول تاريخ "حزب الله"، إن "يقظة وحذر" الجماعة من الخروقات الأمنية عند أعلى المستويات على الإطلاق.

وقال لـ"رويترز" "يتعيّن على حزب الله أن يشدّد إجراءاته الأمنية أكثر مما فرضت عليه الصراعات السابقة".
 

اقرأ في النهار Premium