النهار

فصول حكاية "ابريق" الكهرباء والفيول المملّة تعود... فمتى تُكتب النهاية؟
سلوى بعلبكي
المصدر: "النهار"
فصول حكاية "ابريق" الكهرباء والفيول المملّة تعود... فمتى تُكتب النهاية؟
مؤسّسة كهرباء لبنان.
A+   A-
حبس اللبنانيون أنفاسهم أمس، بعدما أعلنت مؤسّسة كهرباء لبنان أنّ يوم غد الخميس يومٌ مفصليٌّ، إذ ستعمد مضطرّة الى "وقف كلّ المجموعات الإنتاجيّة في معمل الزهراني عن العمل بعد خروج دير عمار عن الخدمة بالكامل قسراً منذ ليل السبت الواقع فيه 06/07/2024، على خلفيّة "تدنّي تخزين مادّة الغاز أويل لديها بشكل حادّ جدّاً".
 
وهذا يعني أنّ المرافق الحيويّة الأساسيّة في لبنان (مطار، مرفأ، مضخّات مياه، صرف صحّيّ، سجون، جامعة لبنانيّة، المرافق الأساسيّة في الدولة...) التي أعطتها مؤسّسة الكهرباء أولويّة التغذيّة بالتيار الكهربائيّ، سيشملها العزل الكهربائيّ.
 
 
فالطاقة الكهربائيّة التي يتمّ توليدها حاليّاً، يتمّ إنتاجها فقط من معملَي الزهراني ودير عمار، ويعتمدان بشكل كامل على شحنات مادّة الغاز أويل التي يتمّ توريدها شهريّاً لمصلحة مؤسّسة كهرباء لبنان بواسطة وزارة الطاقة والمياه، وذلك بموجب اتّفاق المبادلة المُبرم بين لبنان والعراق.
وإذا كانت المشكلة الحاليّة تتعلّق برفض مصرف لبنان الدفع للنفط العراقيّ، على خلفيّة ألّا اعتمادات في الموازنة، وتالياً لا يمكن للمركزيّ الإنفاق من خارج موادّها إلّا بعد إقرار قانون"، لذلك، فمشكلة الكهرباء ليست جديدة وهي من عمر المناكفات المتبادلة بين أهل السلطة في ما بينهم، والمحاصصات وصرف النفوذ اللذان مارسوهما بأبشع الصور على مؤسّسات الدّولة وإدارتها وماليّتها.
 
 
ما يُرمى اليوم من مسؤوليّة على حاكميّة مصرف لبنان بالإنابة، يشبه محطّات سابقة وسجالات حصلت مع مصرف لبنان، إبّان عهد الحاكم السابق رياض سلامة، تدور حول الموضوع عينه.
يذكر الجميع عدد المرّات التي ربضت فيها ناقلات الفيول مقابل الشاطئ اللبنانيّ لأسابيع، لحلحلة عقدة الاعتمادات، وكانت الحلول تأتي دوماً على حساب دولارات مصرف لبنان، التي اكتشف اللبنانيّون بعد فوات الأوان أنّها كانت دولارات ودائعهم التي تحترق في معامل كهرباء لبنان.
 
 
لم يتغيّر في عقل أهل السلطة شيء، ولا يزالون يتعاملون مع مصرف لبنان بذهنيّة "البقرة الحلوب" ويحمّلونه مسؤولية تأمين تمويل مصاريف الدولة أو حاجيّاتها، وكأنّ لا ليرة "صارت بالأرض"، ولا اقتصاد يُحتضر، ولا ودائع طارت، ولا مصارف تتجنّب إعلان إفلاسها لعلّ وعسى.
دفع لبنان أثماناً باهظة نتيجة اعتماد حكوماته على الصرف من خارج الموازنة، ودون تأمين مداخيل حقيقيّة، ولا تزال هذه اللعنة تلاحقهم حتّى في إفلاسهم وانهيار مقوّماتهم الماليّة، وسقوط هيكل هويّتهم الاقتصاديّة. ولا تزال الدولة تطالب وتضع الخطط لاستلاف ما بقي من إمكانيّات في مصرف لبنان بحجّة "الحشرة" وضيق الوقت، وغيرها من مبرّرات لا تغني ولا تقنع إلّا متبنّيها.
 
 
هل المطلوب رضوخ مصرف لبنان، والتخلّي عن قراره المصيب والقانونيّ بوقف تمويل الدولة لحماية ما تبقّى والحفاظ على مكسب الاستقرار النقديّ الذي تحقّق منذ عام ونيف؟ ومن يضمن في حال دفع مصرف لبنان من خارج الموازنة، ألّا يرتفع سعر صرف الدولار مجدّداً وتعود البلاد من جديد إلى دوّامة التضخّم والإفقار مقابل تمويل ساعات قليلة من التغذية الكهربائيّة بتعرفة باتت تعادل تعرفة "المولّدات؟
 
 
في المقابل، لم ينجح المعنيّون أو لم يريدوا السير في مشاريع بديلة تخفّف من الأزمة. وكما لم يعِ سابقاً المسؤولون الانعكاسات الخطيرة على الماليّة العامّة، وراحوا يعيثون فيها صرفاً وفساداً، هم اليوم يمارسون اللامبالاة والاستهتار تجاه الحلول البديلة الممكنة والمفيدة في رفد قطاع الكهرباء بالمزيد من إنتاج الطاقة النظيفة، التي وعدت كلّ البيانات الحكوميّة بتحقيقها. ومن بين المشاريع، اقتراح القانون الذي تقدّم به النائب #وضّاح الصادق "يجيز لـ#بلديّة بيروت الترخيص لشركات خاصّة من أجل إنتاج وتوزيع الكهرباء وجباية عائداتها، وذلك وفق دفتر شروط تضعه مؤسّسة كهرباء لبنان يخضع لهيئة الشراء العامّ ولقانون الشراكة بين القطاعَين العامّ والخاصّ".
 
 
 
المطلوب بأسرع ما يمكن متابعة ما أقِرَّ من قوانين، وما تحقّق من تلزيمات، وما مُنِحَ من رخص، والمباشرة بفرض تطبيق المهل لا تمديدها مجدّداً، والسير بمندرجات القوانين التي أقرّت لذلك، ريثما يُتاح أمام مؤسّسة كهرباء لبنان توزيع الإنتاج وتخفيف قساوة التقنين وسلبيّاته الاقتصاديّة.

اقرأ في النهار Premium