النهار

الاعتداء على النقل المشترك: تقويض الدولة لصالح "قبضايات"
عباس صباغ
المصدر: "النهار"
الاعتداء على النقل المشترك: تقويض الدولة لصالح "قبضايات"
وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية على متن حافلة للنقل العام (تصوير: نبيل اسماعيل)
A+   A-
طلبت وزارة الداخلية من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي التحقيق في "واقعة تحطيم باصات النقل العام"، وكذلك اتخاذ الإجراءات اللازمة والفورية. وكان التحرك سريعا اذ تم توقيف المحرض والمعتدي على الباص.

إذن هي واقعة اعتداء موصوف على باصات النقل المشترك بعد ساعات قليلة من الإعلان عن انطلاقتها الخميس الفائت وسط استغراب للدرك الذي وصلت إليه البلاد في عدم الاكتراث لهيبة الدولة من خلال استباحة الممتلكات العامة والخاصة وتعريض حياة المواطنين للخطر.

رويداً رويداً سيصبح الاعتداء على باصات النقل المشترك مجرد حادث عادي سيمرّ عليه الجميع مرور الكرام، فالمسألة لم تعد تقتصر على قطاع دون الآخر بعد أن استقالت الدولة من مهامها الأساسية بدءاً من تأمين الكهرباء وصولاً الى المياه وما بينهما من أساسايات العيش الكريم.
 
الأسمر: استنكار ودعوة الأجهزة للقيام بواجباتها
لم يتأخر الاتحاد العمالي العام في استنكار ما جرى من اعتداء على باصات النقل المشترك، وأكد رئيسه بشارة الأسمر لـ"النهار" أن "وزارة الداخلية مدعوّة للقيام بواجباتها للمسارعة في إلقاء القبض على المعتدين ومحاسبتهم"، وكذلك دعا الأسمر وزير الداخلية للقيام بواجباته كاملة في ما يتّصل بتنظيم شؤون النقل والتقيّد بالتعرفة ومحاسبة المزوّرين والمخالفين، ولا سيما الذين يستخدمون لوحة عمومية لأكثر من سيارة ومركبة، إضافة الى الإسراع في إعادة المعاينة الميكانيكية لتجنب المخاطر.
أما كيف سيصار الى محاسبة المعتدين على باصات النقل المشترك فيوضح الأسمر أن تلك مهمة وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية للإسراع في كشف ما جرى ومحاسبة المعتدين.
في موازاة ذلك سيبحث الاتحاد العمالي العام الاثنين المقبل تداعيات ما حصل مع قطاعات النقل العام.
فتلك القطاعات كانت محط انتقاد ليس باتهامها بالاعتداء على الباصات العامة بل بعدم تقديم تفسير لما جرى في منطقة الدورة حيث عشرات الباصات والفانات الخاصة تعمل على الخط الممتد من طرابلس وصولاً الى الكولا مروراً بالدورة، وتحليل بسيط يمكن إلقاء شبهة الاعتداء على باصات النقل المشترك على المستفيدين من عمل الباصات والفانات الخاصة.
الداخلية: متابعة حثيثة وحاسمة وحميّة يشكرها
لم يكد وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال علي حميّة ينهي جولته الميدانية بعد الإعلان عن انطلاقة باصات النقل المشترك حتى وقع الاعتداء عليها، وكأن الأمر مدروس لإجهاض تلك المبادرة في مهدها، وبالتالي إخلاء الساحة من أيّ حضور للدولة في قطاع النقل وترك المواطنين فريسة القطاع الخاص المتفلت من الضوابط سواء في الالتزام بالأسعار التي تحددها الوزارات المختصة أو في ترك الفوضى هي المتحكمة بالعباد.
وفي مقارنة بسيطة لتفلت أسعار النقل، فإن تعرفة الراكب في سيارة الأجرة كانت قبل الأزمة 1500 ليرة أي ما يساوي دولاراً واحداً ورفعت الى 2000 ليرة، وحينها كان سعر صفيحة البنزين يساوي نحو 20 دولاراً. أما اليوم فتعرفة السرفيس 200 ألف ليرة أي ما يفوق بنحو 30 في المئة ما كانت عليه قبل الأزمة وباتت اليوم التعرفة تساوي دولارين وربع دولار مقارنة بدولار واحد أو أكثر بقليل قبل عام 2020.
 
تلك التعرفة تنسحب على تعرفة الباصات الخاصة حيث تمت زيادتها بنسبة مماثلة لتعرفة السرفيس وبعدما كانت أقل من نصف دولار قبل عام 2020 باتت اليوم 100 ألف ليرة أي ما يفوق الدولار الواحد.
تلك الأسعار ربما كانت الدافع لوزارة الأشغال والنقل لإعادة العمل بالنقل المشترك، ويُستدل من التعرفة التي أعلنتها، أي 70 ألف ليرة، أنها جاءت للتخفيف عن المواطنين وفي الوقت عينه لا تشكل إقفالاً لباب رزق سائقي الفانات والباصات الخاصة من خلال ترك الهامش قليلاً نسبياً بين التعرفة للنقل العام وتلك للنقل الخاص بما يسمح بالاختيار بينهما من دون فارق كبير في التعرفة.
لكن كل ذلك لم يشفع للنقل العام أن يعود الى العمل، تماماً كما هي الحال في قطاعات أخرى، وربما سنكون أمام مشهد مماثل في قطاعات أخرى سواء في الكهرباء وسطوة أصحاب المولدات أو في المياه وتحكّم أصحاب الصهاريج برقاب المواطنين وأيضاً في قطاعات أخرى.
تلك الصورة ليست سوى انعكاس لتحلل الدولة وتخليها عن دورها سواء عن قصد أو عن غير قصد والأمثلة كثيرة على ذلك المشهد.
ووسط ذلك المشهد لم يجد حمية سوى التعويل على الأجهزة الأمنية بحسب ما قاله لـ"النهار" ووجّه شكراً لوزارة الداخلية على تحركها ودعا إلى "اتخاذ إجراءات أمنية واضحة ولا سيما أن وزارة الأشغال دورها إداري في ما يتصل بالنقل المشترك بينما وزارة الداخلية هي صاحبة الصلاحية لملاحقة وتوقيف أي معتد".
وسبق أن أعلن حمية أن ما جرى في منطقة الدورة من اعتداء وقد سجلته الكاميرات هو "بمثابة إخبار، فكل ما حصل فيها قد سجلته الكاميرات، وكأنّ المواطن ممنوع عليه أن يعيش في كنف الدولة، ليستفيد بالنزر اليسير مما يمكنها تقديمه له، وذلك بقرار من بعض "القبضايات" الذين نصّبوا أنفسهم حكّام الطرق".
وفي انتظار أن تكشف الأجهزة الأمنية عن هوية القبضايات، يبقى الرهان على إعلان هوية من يقف خلف الاعتداء سواء كانت هوية سياسية أو مناطقية أو عشائرية، وعندها يمكن القول إن هناك من يريد إثبات دور الدولة والتأكيد أنها تقوم بواجباتها. فهل نصل الى ذلك أم ينتهي الأمر على الطريقة اللبنانية التي تسهم في انحلال الدولة.

اقرأ في النهار Premium