النهار

"سرايا المقاومة" في الواجهة من جديد... إعادة تلميع الصورة بعد التهشيم؟
اسكندر خشاشو
المصدر: "النهار"
"سرايا المقاومة" في الواجهة من جديد... إعادة تلميع الصورة بعد التهشيم؟
سرايا المقاومة.
A+   A-
 للمرة الأولى منذ بدء حرب المشاغلة بين إسرائيل و"حزب الله" تعلن سرايا المقاومة عن عملية ضد إسرائيل حيث استهدفت موقع رويسة القرن في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة. وكان اسم السرايا ظهر في بداية الحرب، عندما أعلنت في 23 تشرين الأول 2023، عن سقوط مقاتلَين، هما علي كمال عبد العال، وحسين حسان عبد العال، من بلدة حلتا في العرقوب، واكتفت بأنهما كانا يمارسان واجبهما الجهادي، ومن حينها اختفى اسم السرايا من الواجهة.
 
اللافت في العملية الأخيرة هو الإضاءة من جديد على هذا التنظيم المثير للجدل على الساحة الداخلية اللبنانية عبر بيان رسميّ، شرح عمل هذه المجموعة في الحرب الدائرة، وأعاد التذكير بها، مشيراً إلى أنها اتخذت قراراً، وأعلنت بدء هذه العمليات في ذكرى حرب تموز 2006، لتكون الرسالة واضحة أنها حاضرة على امتداد جبهة المواجهة في الجنوب.
 
وشدّد الحزب على "الموقع الوطني للسرايا الذي يمثل كلّ ألوان الطيف الوطني اللبناني"، داعياً الشباب اللبناني للقيام بواجبه".
 
وبرّر الحزب هذا الظهور المتأخّر للسرايا بأنها جاءت بمقتضى ما تتطلّبه ظروف المعركة الميدانية، وفق استراتيجية خاصة ومحدّدة، وهي لم تعلن عن ذلك لأسباب تتعلق بطبيعة وظروف إدارة المعركة.
وأعاد التأكيد بأن هذه المشاركة هي لإثبات أن المقاومة الإسلامية ليست وحدها في الميدان.
 
ظهر تشكيل "سرايا المقاومة" في عام 1997، عندما أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بعد استقبال نصر الله حشوداً معزّية بنجله الشهيد هادي، ضمّت معزّين ووفوداً من كلّ الطوائف، طالبت بالانخراط في صفوف المقاومة، وبأن تكون المقاومة شاملة لكلّ من يرغب في قتال العدو.
 
وهي، بحسب المعلن، تتيح لكلّ لبناني، مهما كانت هويته السياسية أو الطائفية أو إمكانياته المادية والعلميّة التطوّع العسكري ضمن تشكيلاتها، ولا تأخذ في الاعتبار إلا ألّا تكون على المنتسب شبهة أمنيّة، وأن يتمتّع ببنية جسدية مؤهّلة للقتال، والإيمان بأن إسرائيل عدو للبنان. ولا تشترط على المنتسب إليها تبنّي إيديولوجيا حزب الله الدينية، سواء في السياسة أو العسكر أو الاجتماع.
 
نُفّذ عدد من العمليات خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي للجنوب تحت راية السرايا، لينتقل دورها بعد عام 2000، وبحسب "حزب الله" إلى دور مساند، قبل انخراطها بالمعركة في حرب تموز، ثم لتعود إلى الواجهة من جديد بعد الحرب السورية، مع التقدّم الذي حققه الإسلام السياسي في البلدان العربية، وفي عزّ الانقسام الشيعي-السني. يومها، أنيطت بهذه المجموعة أدوار عديدة، منها التواجد على الحدود، وفي المناطق التي لا تتواجد فيها الفصائل العسكرية لحزب الله، وفق ما يعرف عنها رسمياً. لكنها -بحسب المعارضين للحزب- كانت ذات أدوار أخرى، تجلّت في اختراق البيئات الطائفية الأخرى غير الموالية للحزب، خصوصاً البيئة السنيّة.
 
ومن الواضح أن عمل هذه المجموعات يتغيّر بتغيُّر أجندة الحزب الداخليّة ومقتضيات العمل الأمني. فبعد أحداث 7 أيار، بدأ يكبر دور هذه المجموعات المحلية في مناطقها، حيث كانت تسيطر من دون استدعاء مقاتلين من الحزب من بيئة مختلفة، فتخطّت فكرة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي باتجاه تشكيل مجموعات عسكريّة أو شبه عسكرية تُنفّذ انتشاراً واسعاً ومدروساً في الداخل اللبناني. وهي أصبحت تنتشر في مفاصل أساسية في الداخل، وتحديداً في أحياء من بيروت، وفي المدن والبلدات ذات الموقع الاستراتيجي، أو تلك التي يشكّل موقعها الجغرافي عقدة مواصلات، وتُشكّل شرياناً حيوياً لحزب الله، كالمناطق الحدودية في عكار، أو طريق بعلبك -الجنوب، أو طريق المصنع، أو المناطق التي تربط بيروت بالجنوب؛ وهناك يلاحظ التواجد الكبير لسرايا المقاومة.
 
وفي عام 2013، استعمل "حزب الله" راية السرايا من جديد في المعركة التي قادها ضد الحركة السياسية-العسكرية التي أنشأها أحمد الأسير. ومن بعدها، عاد اسم السرايا ليبرز في عدد كبير من الإشكالات في المناطق، التي لا يتمتع فيها بنفوذ عسكري مباشر، ممّا دفع وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق في عام 2016 إلى وصفها بأنها سرايا "الاحتلال" و"الفتنة"، فيما أطلق عليها في مناطق مختلفة تعبير "سرايا الزعران"، وهو الاسم الذي لا يزال يتردّد حتى الآن على ألسنة المعارضين للحزب.
 
بعد الانهيار الاقتصادي، وأزمة كورونا، وتراجع الأحزاب بشكل عام، ومنها تيار المستقبل، عن تقديم الخدمات، عاد "حزب الله" وفعّل السرايا عبر المساعدات الإنسانية والتقديمات في محاولة منه لإعادة تلميع صورتها من جديد، ممّا أدى إلى تراجع الهجومات، وبالتالي تراجعها عن الواجهة، على الرغم من ربط عدد لابأس به من الأحداث بأفرادها في إشكالات جرت في خلدة، ثم انتهاء بحادثة مقتل الشيخ الرفاعي في عكار، الذي ظهر لاحقاً أن المتّهمين بقتله هم من سرايا المقاومة.
 
وبالعودة إلى العملية الأخيرة، وبحسب مقرّبين من الحزب، فإن الإعلان عن عملية عسكرية للسرايا، كان الهدف منه إعلامي وتحفيزي لهذه المجموعة، لا أكثر، ولا يحمل أيّ أهمية استراتيجية أو سياسية؛ "فالحزب يدير المعركة بشكل دقيق، ووفق استراتيجية مضبوطة ومعقّدة، ولا عمل لهذه المجموعات في هذه المرحلة بالذات".
 
لا يوافق المقربون على الحديث عن أنهم بحاجة إلى انخراط طوائف أخرى في المعركة، وإعطائها بعداً وطنياً؛ فهذا الأمر متحقّق على يد الجماعة الإسلامية، الذي أعطت البعد السنيّ، الذي تريده المقاومة، كما أن انخراط "السوري القومي الاجتماعي" والبعث أعطى بعداً علمانياً، وأدخل الطوائف الأخرى ضمن الإطار الذي يرغب فيه الحزب أو يسمح به، مشدّدين على أن هذا الإعلان يمكن أن يكون بمثابة تأكيد على وجود هذا الفصيل المسلّح، ورغبة الحزب في المحافظة عليه وعلى دوره، مع إعادة صبغة المقاومة إليه، بعد ما تعرّض له من "تشويه" في السنوات السابقة.
 
في المقابل، يتحدث المعارضون عن العودة إلى استعمال اسم "سرايا المقاومة" بعد تراجع "الجماعة الإسلامية" عن العمل العسكري بشكل شبه نهائيّ، والذي بدا واضحاً في عدم تسجيل أيّ عملية منذ أشهر، ممّا يجعل الجماعة عملياً خارج الخدمة منذ تلقّيها ضربة موجعة في آذار الماضي في الهبّارية. والحزب اليوم بحاجة إلى عودة الطابع السني المساعد، ومَن غير السرايا يلبّي هذا الدور؟ وقد أثبتت جميع الاستطلاعات والدراسات الضعف الكبير في تأييد "حزب الله" خارج البيئة الشيعية، فضلاً عن أن الحديث عن الحزب القومي أو حزب البعث إعلامي فقط، إذ لا ظروف المعركة ولا نوعيات المقاتلين تسمح لهم بالمشاركة.

اقرأ في النهار Premium