تسجّل على رقعة الساحة الداخلية محطات بارزة على غير مستوى، وتحديداً على خط التحالفات السياسية أو الاصطفافات بين هذا الحزب وذاك، أو هذه الجهة السياسية وتلك، الأمر الذي تبدى بوضوح في الآونة الأخيرة، إن على صعيد مواقف الحزب التقدمي الاشتراكي واللقاء الديمقراطي التي تقترب من "حزب الله". ولعل ما رفع من منسوب هذا التقارب بعدما كانت الأمور محصورة في تنظيم الخلاف، إثر إشكاليات كثيرة وخلافات، لاسيما بعد السابع من أيار، والمواقف التصعيدية من قبل النائب السابق وليد جنبلاط تجاه الحزب، إنما حصل من خلال برقية جنبلاط إلى مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية للتعزية في مناسبة اجتماعية، ليؤكد المؤكد بأن هناك تطورات ستجري قريباً على هذا الصعيد.
وبمعنى أوضح، يلاحظ أن التقارب يتخطى حزب الله ليصل إلى الرباعي المشكّل من الثنائي الشيعي والاشتراكي والتيار الوطني الحر، في ظل التنسيق القائم حالياً بين عين التينة-ميرنا الشالوحي، وصولاً إلى العلاقة بين الاشتراكي والبرتقالي؛ والسؤال المطروح: هل سينسحب ذلك على الانتخابات النيابية المقبلة عبر رباعي جديد، ولكن ضمن بلوك آخر؟ هذا رهن المرحلة المقبلة، إذ هذا التقارب قد يكون مرحلياً، وتعود الأمور إلى الوراء، وربما فرضته الحرب في الجنوب وغزة، وصولاً إلى الشأنين الدولي والإقليمي، والتحولات والمتغيرات في المنطقة، أو أنه ظرفي. لكن يستدل بأن مرحلة مغايرة عن السابق انطلقت على خط كليمنصو-حارة حريك، وتسجل من خلال مواقف نواب وقياديي الاشتراكي عبر إيجابياتهم باتجاه فريق الممانعة، من دون إغفال أن جنبلاط أثنى على خطاب رئيس الحزب الديمقراطي النائب السابق طلال أرسلان في بلدة بيصور في لقاء المصالحة. يومها عرض أرسلان خريطة طريق للوضع في السويداء والمقاومة وأمور عديدة، وهذا ما أشاد به جنبلاط في كلمة مقتضبة، مما يدل على أن الأمور درزياً تتجه إلى التوافق والتلاقي حول مسائل وعناوين كثيرة ستشهدها الساحتين الداخلية والإقليمية. لكنه من المبكر الخوض في هذه التفاصيل إلى حين معرفة كيف ستنتهي حرب غزة والجنوب، وكيف سيكون الواقع اللبناني رئاسياً، لأن الظروف الراهنة مخصصة للترقّب والانتظار؛ وبعدها يبنى على الشيء مقتضاه.
في سياق آخر، هناك "الميني تقارب" بين كليمنصو والبرتقالي. فهناك خلافات عميقة ظهرت بشكل واضح بين حزب القوات اللبنانية والاشتراكي، لكنّها لم تصل إلى المساجلات والبيانات أو البيانات المضادة، بناء لتوجّهات قيادة الطرفين. لكنه في السياسة، ينعى البعض هذه العلاقة في المجالس الخاصة، أو أنه يعتبرها جاءت في مرحلة معينة ولم تكن استراتيجية، إنّما يجب الإبقاء على مصالحة الجبل، وليس كلما تقارب جنبلاط أو الاشتراكي مع طرف يجب أن تسوء العلاقة مع طرف آخر، لا سيما الأحزاب المسيحية، وفي طليعتها القوات اللبنانية. لكن فتوراً متصاعداً بينهما بدا واضحاً.
ويبقى أخيراً أن هذه الاصطفافات والتحالفات قابلة للتبدل وفق الظروف والحاجات، لأن السياسية ليست جامدة بل متحرّكة، وفق مقتضيات ما يمكن أن يحدث لاحقاً على الصعيدين الداخلي والإقليمي، وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية ودور الإدارة الجديدة في المنطقة، حيث لبنان يتلقى دائماً التداعيات في هذا المجال.