وقفت المنطقة على شفير حرب إقليمية ليل السبت الأحد، ووقف لبنان على عتبة فتنة درزية – شيعية، بعد مقتل 12 طفلاً في مجدل شمس، القرية الدرزية السورية في الجولان المحتل من قبل إسرائيل. اتهمت إسرائيل "حزب الله" وتوعّدت بالرد، وجاء التأييد الأميركي الذي أبدى دعماً لأمن إسرائيل ضد الحزب، فكان الرد من الأخير الذي نفى مسؤوليته، وتحذير إيران من أيّ مغامرة إسرائيلية في لبنان.
في تفاصيل ما حصل، فإن صاروخاً سقط على ملعب لكرة القدم في مجدل شمس، ما أدّى إلى مقتل 12 طفلاً وجرح عدد من الأشخاص. اتهمت إسرائيل "حزب الله" بالوقوف خلف العملية مستخدماً صاروخ "فلق 1"، لكن الأخير سرعان ما نفى بشكل صريح علاقته بالاستهداف، لتستعر حرب تقاذف المسؤوليات والتهديد والوعيد.
لم يُحدّد بعد مصدر الصاروخ الذي سقط، ولم يتبنَّ أي تنظيم مسؤوليته عن استهداف الجولان عصر السبت، لكن مصادر صحافية لبنانية وسورية تقاطعت خلال حديثها لـ"النهار" على معلومات مفادها أن صواريخ أُطلقت من جنوب لبنان باتجاه مواقع عسكرية في الجولان قُبيل حصول المجزرة دون معرفة ما إن كانت نفسها الصواريخ التي تسبّبت بالمجزرة، وارتفعت الأصوات مُطالبة بتحقيق مستقل.
ثمّة فرضيات عدّة حول ما حصل، منها ما يقول إن "حزب الله" قصف الجولان المحتل مستهدفاً موقعاً عسكرياً إسرائيلياً، لكن القبّة الحديدية اعترضته ما أدّى إلى سقوطه في مجدل شمس، ومنها ما يستند إلى نظرية المؤامرة ليقول إن إسرائيل تقف خلف الاستهداف وألبسته لـ"حزب الله" لتأليب الرأي العام الدرزي على الحزب، لكن لا فرضية أكيدة حتى الساعة.
فتنة درزية - شيعية
عند سماع الأنباء، كان من الطبيعي أن يسود اعتقاد أولي بأن "حزب الله" يقف خلف المجزرة بقصدٍ أو بغير قصد. على الأثر، سارع النائب السابق وليد جنبلاط ومعه شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز في لبنان سامي أبي المنى لتطويق الأجواء ومنع الفتنة، مستنكرين الاعتداءات، التي وصفاها بـ"الإرهابية" في إشارة إلى إسرائيل، ضد المدنيين ومؤيدي "المقاومة" في كافة الميادين، كرسالة بأن "حزب الله لم يستهدف دروز مجدل شمس".
فعلياً، لا مصلحة لـ"حزب الله" باستهداف دروز مجدل شمس عن قصد لجملة من الأسباب، أولاً أنهم دروز سوريو الانتماء لا يخدمون في الجيش الإسرائيلي ولا يؤيّدون إسرائيل، لا بل يُهاجمونها ضمن الأطر الواقعية لكونهم يعيشون في ظلّ احتلالها، ثانياً، أن "حزب الله" الذي كسب دعم جنبلاط وما يُمثّل من الدروز في المنطقة ليس في وارد تعكير العلاقة معهم، وبالتالي فإن فرضية الاستهداف المقصود من قبل الحزب مستبعدة إلى حدٍّ بعيد، لكن قد يكون ثمّة خطأ أدّى إلى استهداف غير مقصود.
لاقى رئيس مجلس النواب نبيه برّي والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الموقف، فأكدا على بيان "حزب الله" ونفيا صلته بهجوم مجدل شمس، وكان موقف قبلان متقدّماً، فتواصل مع جنبلاط معزياً وتوجّه إلى الدروز معتبراً ما حصل "حياكة إسرائيلية هدفها تمزيق الوحدة"، وذلك بعد المواقف التي أخذها جنبلاط دعماً للحزب في معركته الجنوبية.
مسؤول الملف الفلسطيني في الحزب التقدمي الاشتراكي بهاء أبو كرّوم يكشف عن تواصل جرى عقب ما حصل بين جنبلاط وبرّي وقبلان وغيرهم "لتطويق ما حصل وعدم السماح لإسرائيل باستغلال الجريمة لتنفيذ مشروعها الفتنوي الطائفي في لبنان، والجميع أبدى حرصه على وحدة الموقف والتنسيق الدائم لمنع أي ردود أفعال خارج إطار العقل".
اقرأ أيضاً: مجدل شمس... حكاية قرية درزيّة سوريّة تحتلها إسرائيل
التنسيق لم يقتصر على الداخل، ولجنبلاط تواصله مع هيئات روحية واجتماعية داخل الجولان المحتل، وفي هذا السياق، يقول أبو كرّوم لـ"النهار" إن "أهالي مجدل شمس والجولان أبدوا تأكيد ثوابتهم العربية، ورفض استغلال ما حصل لخدمة مشاريع إسرائيل، ونؤكّد وإيّاهم وجوب معالجة الموقف بالكثير من العقل والفكر".
مُحاولات إسرائيل استقطاب الدروز وإحداث شرخ بينهم وبين محيطهم العربي قديمة جديدة، وبعد ما حصل حاولت تأكيدها "حمايتهم" وتحريضهم على دروز الدول العربية الذين يتخذون موقفاً عروبياً، ويُشير أبو كروم إلى "رصد محاولة إسرائيلية للاشتغال على الواقع الدرزي، ولطالما حذرنا من هذه المحاولات ودعونا إلى موقف واضح يدين المجازر التي ترتكبها إسرائيل في الحرب على الفلسطينيين".
مجدل شمس تودّع أقمارها
إلى ذلك، تواصلت "النهار" مع مدير تحرير موقع "السويداء 24" ريان معروف الذي نقل المشهدية من مجدل شمس، فقال إن "أجواء الحزن تلفّ المنطقة التي لم تتعرّض لمجزرة مشابهة منذ أكثر من مئة عام، وموقف الأهالي خلال التشييع كان رفض توظيف القضيّة سياسياً والاستثمار في الدماء لأغراض عسكرية، وإدانة استهداف المدنيين في كل مكان".
وأُلقيت كلمة موحّدة باسم أهالي الضحايا، شدّدت على "أهمية الموقف الإنساني بعيداً عن كل توجّه آخر"، ولفتت إلى أن "الموقف هو موقف حزن وحداد وخشوع ورضى بقضاء الله وقدره، وإدانة بأشد العبارات للجريمة النكراء، ولاستهداف المدنيين في كل مكان وزمان ومن أيّ جهة كان"، وأعلن الأهالي "رفض واستنكار استغلال الدماء لتحقيق أو تبرير أيّ هدف من أيّ جهة".
يقرأ معروف من خلال مواقفهم إصرارهم على رفض القتال ورفض توسيع الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل ورفض مبدأ الانتقام، وتركيزهم على الموقف الإنساني الذي يشمل أطفال غزّة ولبنان أيضاً، ويُشير إلى حالة الغضب من إسرائيل، والتي تمثّلت بمُحاولات منع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش من المشاركة في تشييع الأطفال، ومُهاجمة عدد من أعضاء حزب "الليكود".
ويتحدّث معروف عن واقع أهالي مجدل شمس الذي يختلف عن واقع دروز الداخل الإسرائيلي، فيقول إنهم "سوريون عرب، معظم كبار السن يحملون الجنسية السورية، لكن الأطفال الذين قضوا يحملون الجنسية الإسرائيلية لأسباب مرتبطة بالحقوق المدنية، إلّا أن الانتماء عربي، وعلى سبيل المثال، فإن أهالي المنطقة يرفضون التجنيد الإجباري، ولم يلفّوا نعوش الأطفال بعلم إسرائيل".
حرب موسّعة أم ردّ قاسٍ؟
على المقلب الإسرائيلي، كان لافتاً التصعيد الإعلامي الذي حصل بُعيد وقوع المجزرة، وتراجع حدّة التصريحات شيئاً فشيئاً. دعا متطرفو الحكومة الإسرائيلية إلى "حرق لبنان واغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله"، وتوقع الإعلام الإسرائيلي أن تشهد الحرب انعطافة دراماتيكية مع احتمال توسّعها، بعدما سرت معلومات عن ضوء أخضر أميركي لردّ قوي.
لكن سرعان ما تبدّدت أجواء "الحرب الشاملة"، فعادت الترجيحات الإسرائيلية لتقول إن ما حصل لن يؤدي إلى توسيع الحرب، لكن رداً إسرائيلياً قاسياً مرتقب مع توعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإعلان الجيش الإسرائيلي جهوزيته، ما دفع "حزب الله" إلى إجراءات عسكرية وأمنية استثنائية، منها إخلاء مواقع في الجنوب والبقاع وفق ما نقلت وكالة "رويترز".
في المحصلة، فإن ما حصل في مجدل شمس خطير ويستوجب المتابعة الدقيقة والتحقيقات المستقلة لمعرفة هويّة الجهة التي استهدفت أطفالاً مدنيين، وبعدها تحديد أبعاد ما حصل وقراءتها، لكن الأكيد أن لبنان تجنّب فتنة شيعية – درزية، وأن المنطقة على أعتاب حرب واسعة لا مكان فيها للأخطاء.