تحلّ بعد غد، الذكرى الرابعة لانفجار مرفأ بيروت، في الرابع من آب 2020. ولا تزال التحقيقات عالقة بمعوقات سياسية، ولا تزال الحقيقة مغيّبة.
مئات الأوراق يصرف قاضي التحقيق العدلي طارق بيطار في ملف انفجار المرفأ الوقت في تنسيقها استعداداً للإفراج عن التحقيق في الجريمة، من دون الوصول إلى منفذ أو كُوّة تؤذن بأنّ هذا الملف سيستعيد أنفاسه في القريب المنظور، للأسباب نفسها التي واجهته منذ انطلاقته مع المحقّق العدلي السابق فادي صوان، حتى ذهب الاعتقاد إلى أنّ الملف شأنه شأن الملفات ذات الطابع السياسي التي لا تزال مطوية منذ عقود سبقت انفجار المرفأ وما خلفه من 220 ضحية و6500 جريح، ودمار مخيف لأجزاء من العاصمة وتعطيل شريانه الحيوي الأبرز المطل على الشرق الأوسط، وتفاقم الأزمة الاقتصادية.
إلّا أنّ التحقيق في ملف المرفأ يتمايز عن تلك الملفات بقطعه أشواطاً بعيدة راكمت الحجم الكثيف من الصفحات رغم كفّ يد المحقق العدلي عنه غير مرة، ما انعكس تجميداً للتحقيق لسببين: الأول أن ينتهي على الطريقة التقليدية وينحصر الاتهام بقرار المحقق العدلي بمدّعى عليهم عاديين، والسبب الثاني، محاصرة هذا التحقيق الذي لم تتوافر له حتى صورة من الأقمار الاصطناعية من شأنها إفادته أكثر عما حصل في الرابع من آب 2020.
هو الملفّ الأكثر مواجهة لعقبات قانونية وسياسية حالت دون بتّ المتراكم من طلبات الرد ودعاوى المخاصمة وشل عمل الهيئة الناظرة فيها.
في المُحصّلة، لا يزال الأفق مسدوداً أمام استئناف التحقيق في ملف المرفأ عشية الذكرى الرابعة لهذه الكارثة. والاتجاه كما يبدو لإبقاء المراوحة على حالها بما في ذلك عدم بت طلب جهة الدفاع التراجع عن قرار حجب تنفيذ أي قرار يصدره المحقق العدلي.
في الآتي، ملفّ خاص من "النهار" في الذكرى السنوية الرابعة لفاجعة انفجار مرفأ بيروت، نعالج خلاله مواضيع سياسية، قضائية، اقتصادية، إنسانية وسياحية، حول بيروت وقصص أهلها.
رسوم للفنان أسامة بعلبكي.
كتب نائب رئيس التحرير نبيل بومنصف: هل "نستلحق" 4 آب؟
تشاء أقدار لبنان التي تقارب الأساطير المشؤومة، أن يتهدد خطر الانفجار الإقليمي الواسع انطلاقا من أرضه على الأرجح، إحياء لائقا لحزن عميق مقيم على امتداد أربعة أعوام حتى الآن لأرواح الذين سقطوا في انفجار العصر في مرفأ بيروت. هذه الذكرى التي لم نعد ندرك كيف سيحييها لبنان، وبيروت خصوصا حيث موقع الكارثة، فيما "قد" لا نضمن أن يكون الأحد المقبل في الرابع من آب أحدا سالما، لأن نُذُرَ الانفجار تتراكم بسرعة ويصعب الجزم باللحظة التي ستكون بمثابة الساعة الصفر للتطورات التالية.
مفاد ذلك مما صار معلوما أو غير معلوم، أن عشرة أشهر من عمر المواجهة التي يشهدها لبنان منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، استولدت الآن "بداية" لحقبة مخيفة بدل الوصول إلى نهايات المواجهة. وستكون ذكرى انفجار المرفأ، على كل المخيف الذي تختزنه، بمثابة محطة عابرة فقط في ظل الظروف الطالعة على لبنان المهدد بحرب لعلها بدأت عمليا ولم ندرك بعد.
للاطّلاع على المقال كاملاً هنا
في الشأن القضائي، كتبت كلوديت سركيس: ملف التحقيق يُراوح عشية الذكرى الرابعة... وإزالة العِقد السياسية من طريقه تحتاج إلى معجزة!
فبعد ستة أشهر من تسلم المحقق العدلي الأول القاضي فادي صوان التحقيق، قرّرت محكمة التمييز في 18 شباط 2021 نقل التحقيق في الملف إلى قاض آخر على خلفية طلب تقدم به الوزيران السابقان علي حسن خليل وغازي زعيتر للارتياب المشروع، لكونهما يتمتعان بحصانة دستورية، وذلك في أعقاب ادعائه عليهما وعلى الوزير السابق يوسف فنيانوس والرئيس السابق للحكومة حسان دياب. وبعد يومين عُين القاضي بيطار محققا عدلياً فاستمهل للاطلاع على الملف ووضع إستراتيجية تحقيقاته لنحو شهرين.
في أيلول 2021 أصدر بيطار مذكرتي توقيف غيابيتين بحق الوزيرين السابقين النائب خليل وفنيانوس. وما لبثا أن تقدما بطلب رد المحقق العدلي للارتياب المشروع أيضا. وفي الشهر نفسه زار مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في "حزب الله" وفيق صفا قصر العدل والتقى رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود والنائب العام التمييزي في حينه القاضي عويدات. ونقلت صحافية رسالة إلى القاضي البيطار ذكرت أنها من صفا، طلب منها أن تبلغ المحقق العدلي بما يأتي: "رح نمشي معك للآخر بالمسار القانوني وإذا ما مشي الحال رح نقبعك". ولم يشأ القاضي بيطار مقاضاته مكتفياً بالول وفق ما نُقل عنه في حينه: "فداه وبيمون كيف ما كانت التطييرة منو".
للاطّلاع على المقال كاملاً هنا
وقضائيّاً أيضاً، كتب عامر شيباني: بعد اليأس من التحقيق في انفجار المرفأ... الدعاوى الخارجية خيط الأمل لأهالي الضحايا
"أراها أنها أحلى شي بهذه الحياة، وأحلى إنسان، وأجمل أخت لأخيها الذي أصبح عمره سنتين ونصف السنة... اشتقنا لها كثيراً ونشتاق لها كل يوم وجزء من حياتنا مات في 7 آب حين رحلت عن هذه الحياة، نصف حياتنا راح وهي ملأت النصف الثاني، وهي دائماً معنا في كل ثانية". بهذه الكلمات استذكر المهندس اللبناني بول نجار ابنته إلكسندرا التي قضت في انفجار مرفأ بيروت في العام 2020.
وبعد أن جدد وعده لإبنته بأن تبقى أعجوبة هذا البلد والتعهد بالنضال لمعرفة الحقيقة وتحقيق العدالة لكل لبنان في قضية انفجار المرفأ، شرح نجار لـ"النهار" لماذا اختار القضاء البريطاني "بالتوازي مع سير التحقيق في القضاء اللبناني".
وقال: "منذ الانفجار كنا نعلم أن المسار في القضاء اللبناني صعب وطويل، وللأسف تاريخيا شهدنا حوادث مماثلة ولا يستطيع القضاءأن يقوم بعمله كما حصل في العام 2005 (اسنشهاد الرئيس رفيق الحريري) وحتى قبل بكل الجرائم التي حدثت، ولكن أملنا كبير جدا بالقضاء اللبناني لأنه هذا بلدنا وهذا قضاؤنا وهنا حدثت الجريمة وهنا قتلت ابنتي ودمرت حياتنا وسنبقى نناضل للقضاء اللبناني".
للاطّلاع على المقال كاملاً هنا
أمّا اقتصاديّاً، فتطرّقت سلوى بعلبكي إلى وضع مرفأ بيروت بعد 4 أعوام على تفجيره: استعاد 100 في المئة من نشاطه... وإجراءات لعدم تكرار مشهد 4 آب
إذ لا يزال تراكم الدمار والخراب الذي حل بمرفأ بيروت إثر انفجار 4 آب 2020، شاهداً على جريمة العصر، وعلى لامبالاة الدولة واستهتارها بمواطنيها، يوم تركت بيروت تعيش على فوهة بركان لسبع سنوات متتالية إلى أن حلت ساعة الشؤم، فتحوّل يومها أعرق مرفأ على المتوسط، وصلة الغرب بالشرق، إلى مساحات من ركام تفوح منها روائح الموت والعفن.
يخرق مشهد الدمار هذا، بضع رافعات وحاويات ملونة، تعيد رسم صورة الحياة على يوميات ما بقي من المرفأ، وتشي بأن الحياة فيه لم تتوقف كلياً. فالحاجة الماسّة لخدماته ولدت لدى المسؤولين عنه، حماسة وتصميماً لإعادته إلى العمل بأسرع ما يمكن، من جهة لدفعه إلى ممارسة وظيفته التجارية الضرورية للاقتصاد، ودوره في حركة النقل، ومن جهة أخرى للمحافظة ما أمكن على الدور الريادي لبيروت، الذي شكَّل المرفأ أحد أعمدته.
وحده "مجسّم" الأهراء لم تعد إليه الحياة بعد، وبقي في انتظار ما يقرره له أهل السلطة والدولة، الذين باتوا تحت تأثير الرأي العام وأهالي الضحايا، أكثر ميلاً إلى إبقائه شاهداً حيّاً على ما ارتكبه الفساد السياسي والإداري، من تفجير لأكبر المرافق اللبنانية، وتدمير نصف العاصمة بيروت.
للاطّلاع على المقال كاملاً هنا
من جهتها، تروي ليلي جرجس قصة إنسانية لإحدى ضحايا الانفجار ومعاناتها المستمرّة منذ 4 سنوات:
نجوى الحايك… جلجلة أم أمام جسد ابنتها الغارق في غيبوبته منذ انفجار المرفأ
في غرفة تحمل الرقم 1325 في مستشفى بحنس يُقاوم جسد لارا الحايك (47 عاماً) الحياة بكل ما تبقى له من قوة بعد 4 سنوات على انفجار المرفأ، غارقةٌ في سباتها العميق، لا شيء يخرق هذا الصمت المريب سوى بعض التنهدات اللاإرادية. هزيلةٌ، وبعيدةٌ، عيناها في عالمها الخاص...كلها في عالم بعيد جداً وصوت واحد يحوم حولها، صوت والدتها المثقلة بالهموم والدموع الذي يناديها "لارا لارا".
لم تيأس نجوى الحايك، والدة لارا، من حمل حقيبتها وخيبتها وأحزانها وتمضي في طريقها الذي فُرض عليها من الأشرفية إلى بحنس. 4 سنوات تقرع باب غرفة لارا وتجلس لساعات تتحدث إليها. تبكي، تضحك، تستذكر لحظاتهما سوياً في انتظار إشارة، ضحكة، كلمة... إلا الصمت الذي أصبح عدواً بغيضاً في حياة عائلتها بعد 4 آب.
قرب سريرها، تُحيط يدا نجوى إبنتها لارا وتقول لها "اشتقتلك يا أمي، والله اشتقتلك، البيت فاضي"، تُناجيها أن تعود إلى المنزل "رجعي ساعديني، رجعي عملي مشاكل، رجعي عملي يلي بدك إياه بس رجعي".
للاطّلاع على المقال كاملاً هنا
وبعد أربع سنوات على الانفجار، الجميزة ومار مخايل تعودان إلى خارطة السياحة
كتبت فرح نصور: الجميزة ومار مخايل، ليستا مجرد منطقتين في العاصمةبيروت. تلقتا في عمقهما الحجم الأكبر من دمار انفجار 4 آب الدامي، لكن أبتا إلّا أن تحافظا على هويتيها المفعمتين بالحياة، بدليل قطاع الضيافة فيهما، والذي أوصل رسالة أقوى من الدمار باستمراره وتوسّعه.
"كانت الجميزة ومار مخايل وجهة سياحية للمقيمين والعرب والأجانب، لكنّها دُمّرت بالكامل"، بهذه الكلمات يتذكّر نائب نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري خالد نزهة ما حلّ في قطاع المطاعم في يوم 4 آب.
عانى أصحاب المؤسسات بشكل كبير. وقامت حينهاالنقابة بالتنسيق والتعاون مع بعض المنظمات ومحافظ بيروت والجمعيات الأهلية، للبدء بترميم المؤسساتالمطعمية، التي دُمَّرت بالتزامن مع انهيار صحي ومالي وتضخم كبير، "لكن قطاع الضيافة استعاد قوته، لا بل رجّعنا آلاف اللبنانيين من أصحاب المهن في هذا القطاع الذين هاجروا بعد أزمة 2019"، وفق نزهة.
فبعدما أنقذت ألين كامكيان، صاحبة مطعم Mayrigفي الجميزة، والذي دُمّر بالكامل، فريق عملها وأوصلت المصابين منهم إلى المستشفيات، عادت إلى المطعم ليل الانفجار عند الساعة الـ 5:30 فجراً، واتصلت بالمتعهد،وقالت له: "أريد منك أن تعيد المطعم كما كان بغضون ثلاثةأيام". فوجئ المتعهد وأجابها: "أنت لا تعين ما تقولين ولا حجم ما حصل". كان جوابها: "لست أنا مَن اخترت ما حدث لي، ولا يمكن لأحد أن يفجّرني ويجبرني على إقفال المحل لا سيما وأنّه يعتاش منه على الأقلّ 30 عائلة".
للاطّلاع على المقال كاملاً هنا
وكتب عقل العويط:
وأنتَ مسجّى وفوحُكَ عصفورٌ وها هو موتكَ ها هو موتكَ ضنينٌ بموتكَ وليس يليق أنْ تموت
ولستَ بشيءٍ. ولستَ بأحدٍ.
وستتخثّر ككائنٍ سابق. كتفّاحة. كنيزكٍ فالتٍ في الكوزموس.
ولن يكون لكَ موضعٌ، ولا شارعٌ، ولا ألفةٌ في مقهى.
وفنجانُكَ مشظّى. وموعدُكَ مؤجّلٌ. ومؤجَّلٌ أنتَ إلى لا وقت ومتى.
ودمعةٌ فارقةٌ أنتَ. ورحلةٌ ملغاة.
وهمهمةٌ.
وجلجلةٌ.
والنهايةُ ليست نهايةً. والخاتمةُ لن تكون خاتمة.
وكلّما حاولتَ أنْ تتململ، وأنْ تستنجد، وأنْ تنفض ما علق بعمركَ، بوجهكَ، من تراب، بدت لكَ آفاتُ عمركَ وأنتَ تزيح السكّين قليلًا ليرتعش فؤادكَ ثخينًا مضمومًا على ريشه. كبقعة دم.
كجريمة.
وأنتَ ذهبٌ خاسرٌ على مسرح المودّة الطائشة. وأنتَ قمرٌ مطرودٌ. وندوبُكَ زحل والزهرة وعطارد. والثريّا امرأتُكَ. وخليلتُكَ الحياةُ حياتي. وأنتَ فكرةٌ مهروسةٌ في الهباء. وأنتَ عشبةٌ فوق قبر. وأنتَ منارةٌ نازفةُ. ونسمةٌ أنتَ. ونسمةٌ ميبّسةٌ. ومهيضةٌ. وحطامُ ذلك المساء أنتَ.
رسم للفنان أسامة بعلبكي.