هي ليست المرة الأولى التي تنفّذ إسرائيل فيها عمليات اغتيال على الأراضي الإيرانية، إذ سبق أن نفّذت اغتيالات سرية لعدد من الشخصيات الإيرانية البارزة، من بينهم علماء نوويون وقادة عسكريون. لكنّ اغتيال زعيم حركة "حماس" اسماعيل هنية جاء مختلفاً، لأسباب عدّة. أوّلاً، لأنّ مكان الاغتيال مفترض أن يكون "قلعة محصّنة" أمنياً من الحرس الثوري الإيراني. ثانياً، لأنّ المناسبة كانت مشاركته في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد ما يطرح معضلة أمن الرئيس في خطر، وثالثاً لأنّ إسماعيل هنية شخصية فلسطينية لها دورها المؤثر على الساحتين الفلسطينية والممانعة.
لجنة التحقيق التي وظّفها النظام الإيراني لمعرفة كيف دخلت المتفجرة إلى غرفة هنية في المبنى المحصّن، تواصل عملها، وسط تكتّم شديد على العملية ومن قبل المرجعيات السياسية الإيرانية، ووسط اتفاق ضمني لدى العديد من الخبراء العسكريين على أنّ النظام في طهران لن يقدّم رواية متماسكة لعملية الاغتيال، لأنّ "النظام المغلق" في القراءة العسكرية يضرّه الاعتراف علناً بوجود اختراقات أمنية، أقلّ ما يُقال فيها انّها كبيرة جداً، يستطيع من خلالها الموساد الإسرائيلي الولوج إلى المباني التابعة للحرس الثوري الإيراني، إذا سلّمنا أنّ الاغتيال حصل بعبوة دُسّت داخل الغرفة. والسؤال الأهمّ، طالما استطاع الموساد اغتيال هنية بهذه الطريقة، ألا يعني أنّه في أيّ ساعة يستطيع الوصول إلى الرئيس الإيراني مهما كانت هويته أو إلى أيّ قيادي إيراني آخر، وأينما وجد، لتصفيته؟
كما يطرح أسئلة عدّة، أوّلها حجم الخرق والمستويات التي وصلها الموساد الناشط داخل إيران؟ قدرة إسرائيل استخباراتياً؟ وهل نظرية العبوة مقنعة؟
الباحث في شؤون مكافحة الإرهاب بيار جبور يرى أنّ نظرية العبوة غير مقنعة. ويستند في قراءته على فيديو الاغتيال الذي انتشر. ويعتبر أنّ من يحاول إشاعة هذه النظرية ربما هو لتبرير حجم الخرق والفشل الأمني الحاصلين، بمعنى، تعمل المخابرات الإيرانية مثلاً على تبرير رواية تمرير العبوة، على وجود صواريخ إسرائيلية تُقصف من داخل الأراضي الإيرانية مع ما تستلزمه من قواعد ومعدات لوجستية، وهو أمر لا يمكن أن يبرّره النظام في إيران. فوجود سلاح لإسرائيل داخل إيران مسألة جدّاً كبيرة، لذلك نظرية العميل تبقى أقلّ سوءاً ووطأة وفق المنطق الأمني الإيراني".
وفي أسئلة بديهية لكن أساسية، "إذا سلّمنا بمنطق العبوة، كيف عرفت المخابرات الإسرائيلية مثلاً في أيّ غرفة سينام إسماعيل هنية بعد شهرين؟ علماً أنّ وجهته الأساس كانت أن يمكث في الفندق ومن ثمّ جرى تعديل وتمّ نقله إلى قصر الضيافة الموجود منذ أيام الشاه. وهو القصر الذي يشهد حراسة أمنية مشدّدة من الأمن الإيراني والحرس الثوري".
ويؤكّد جبور وجود خرق وفشل أمني كبيرين داخل المنظومة الأمنية الإيرانية، وحتّى على مستوى عال جداً. ويضيف: "وحدة الاغتيال موجودة على الأرض، هذا مسلّم به، لكن كيف علمت بتوجّه هنية مثلاً إلى موقع قصر الضيافة. ومن يعلم بذلك إلّا الحلقة الضيّقة والقريبة جدّاً داخل النظام الإيراني؟ علماً أنّه كان في زيارة للمرشد الأعلى ولرئيس الجمهورية الإيراني".
تقنياً يقول جبور، "معلوم أنّ الانفجار عندما يقع، يكون عبارة عن انفجار واحد وليس انفجارين، في حين أنّ الفيديو الذي نُشر يُظهر وجود انفجارين، إذ وقع انفجار صغير تلاه انفجار آخر كبير، وهذا يدلّ على وجود صاروخ اصطدم بالمبنى وليس عبوة.
وبحسب بعض الخبراء العسكريين الغربيين، الصاروخ الذي استُخدم يُقسم إلى قسمين، يحمل في مقدّمته حشوة تسمى Tandem، وهو مصنوع ضدّ الدبابات، فعندما يتمّ قصف الهدف، مهمّة هذه المقدمة إزالة أيّ تحصين موجود أو درع حول الهدف، فتسهّل دخول العبوة الرئيسية بعده فتنفجر.
وما حصل في قصر الضيافة، أنّ انفجاراً صغيراً وقع أوّلاً، كانت مهمّته اختراق الجدار أو النافذة على افتراض أنّ المبنى محصّن وقد يكون مصنوعاً ضدّ الرصاص وضدّ الصواريخ، وتبعه انفجار آخر، استهدف هنية في غرفته، ما يثبّت نظرية الاغتيال عبر صاروخ".
وردّاً على سؤال، يقول جبور، "أمر في غاية الخطورة ألّا تستطيع الدفاعات الجوية مثلاً أن ترصد صاروخاً أو أيّ جسم آخر. لكنّ هذا الصاروخ هو من نوع "أرض – أرض اسمه Spike NLOS. ينطلق من قاعدة له، ويعمل بالأشعة ما تحت الحمراء، يتمّ إطلاقه نحو الهدف، فيصيبه بدقّة، وبرأيي هذا ما حصل حتّى إثبات العكس".
بالموازاة، ما حصل ويحصل من اغتيالات يُظهر قدرة إسرائيل الناشطة على المستوى الاستخباراتي داخل إيران ودول ما يسمّى بـ"الممانعة". فـ"إسرائيل لا تستطيع أن تخسر حرباً، لأنّ أيّ حرب هي وجودية بالنسبة إليها"، كما يقول جبور.
العميد المتقاعد ميلاد نكد، يرى من جهته، أنّ عمليتي الاغتيال الكبيرتين، اللتين استهدفتا هنية وقيادي "حزب الله" فؤاد شُكر، تدلّان على وجود خرق أمنيّ كبير، وهذا يعني أنّ بيروت ساقطة أمنياً وكذلك طهران، وبالتالي لم يعد مفيداً ادّعاء الاحتفاظ بالسلاح للدفاع عن لبنان، "فليرموا السلاح وليرحلوا إلى بيوتهم".
وردّاً على سؤال، اعتبر أنّ الموساد الإسرائيليّ يحقّق خرقاً كبيراً على مستوى الاستخبارات الإيرانية، إذ لا يمكن عدم وجود أشخاص في الميدان، أكان في طهران أم في بيروت، يزوّدون الموساد بالإحداثيات وبالمعلومات. عمل مخابراتي "موساديّ" بامتياز".
وأضاف: "بغضّ النظر عن وسيلة الاغتيال، فاذا كان صاروخاً، كيف عبر فوق الأراضي الإيرانية ولم يتمّ رصده؟ وإذا كانت عبوة فكيف وصلت ومرّت أمام أعين الحرس الثوري الإيراني وتمّ إعدادها كما قيل قبل شهرين؟ مؤكّداً أنّ معنى ذلك وجود خلل داخل الاستخبارات الإيرانية.
في الخلاصة، بات ثابتاً، وجود خرق إسرائيلي للبنية الاستخباراتية الإيرانية وفصائلها الممتدة من طهران إلى بيروت والعواصم الأربع. ويبقى أن يتمّ تحديد كيفية حصول عملية الاغتيال، لأنّه اذا صحّ أنّ صاروخاً إسرائيليّاً أُطلق من داخل الأراضي الإيرانية، فلماذا تضييع البوصلة؟ ومن يستغلّ الإعلام لترويج نظرية مخالفة؟ ومن المستفيد؟ أسئلة قد تطول أجوبتها، لكن إن صحّت نظرية الاستهداف بصاروخ، فمعناها أنّ وصف السيّد حسن نصرالله لإيران أنّها أصيبت بشرفها، لهو القليل القليل.
ما هو صاروخ Spike NLOS؟
صاروخ Spike NLOS هو نظام صاروخيّ متعدّد الأغراض يعمل بالكهرباء والأشعة ما تحت الحمراء. يوفّر محرّكه الصاروخي المتطوّر القدرة على الوصول إلى مدى يصل إلى 32 كيلومتراً. ويمكن للمشغّلين دمج صاروخ Spike NLOS مع المنصّات الأرضية أو الجوية أو البحرية - مع الاستفادة من قدرته على الصمود لضرب أهداف بعيدة أو مخفية جغرافياً دون خطّ رؤية.
وهناك قدرة على مشغّليه لتغيير مساره أو إلغاء مهمّته أثناء الطريق إلى الهدف.
تصنّعه شركة لوكهيد مارتن Lockheed Martin الدفاعية بالتعاون مع شركة Rafael Advanced Defense Systems Ltd، تستخدمه القوات الأميركية وستّ دول أخرى بمن فيها إسرائيل.