في خطوة لم تفاجيء كثيرين من مواكبي التطورات التي يشهدها "التيار الوطني الحر"، أعلن عضو تكتل "لبنان القوي" النائب سيمون أبي رميا استقالته من الإطار التنظيمي لـ"التيار"، معلناً أنه "سيبقى مخلصاً للمبادئ الوطنية لهذه الحالة السياسية".
وقال أبي رميا في بيان: "منذ 18 أيلول 1988، منذ أن أطلق صرخة "لا" ضد كل من يتآمر على الوطن، وأنا ملتزم به قولاً وفعلاً وقلباً وجسداً... 36 عاماً جنباً إلى جنب وخلف العماد ميشال عون للمساهمة في تأسيس الحالة الوطنية السيادية ضد كل الاحتلالات الأجنبية وهيمنة الميليشيات.
وبعد مرحلة النضال الصادق والتفاني المجاني، أسسنا معه ومع الرفاق الشرفاء تياراً وطنياً حرّاً ليكون نقيضاً لكل الموروثات الحزبية التقليدية، إجلالاً لكل الشهداء العسكريين والمدنيين الذين سقوا الوطن بدمائهم لكي يبقى لبنان ويبقى شعبه العظيم".
وأضاف: "بدأت الرحلة إلى المعترك السياسي، وبعد "السيادة والحرية والاستقلال"، جاء زمن "التغيير والإصلاح"، ثم حلم بناء "لبنان القوي".
وفي مرحلة التأسيس، كان نظامنا الحزبي يقوم على الشراكة الحقيقية والمشورة الجادة والديموقراطية الإيجابية. لكن سرعان ما بدأ الإنحراف عن تلك الأسس، فتحوّل نظامنا تدريجاً إلى نظام رئاسي وبدأت مسيرة الانتقال من التعددية الفكرية الغنّية نحو الأحادية والتفرّد".
في موازاة هذه التعديلات التي ضربت في الصميم الفكرة الأساسية المتمثلة بتأسيس تيار ديموقراطي نموذجي، بدأت سلسلة التراجع الشعبي في الانتخابات النيابية المتعاقبة. وبعد تسونامي عام 2005، وصل التيار إلى أدنى نسبة من الأصوات في انتخابات 2022.
ورغم أنّ ذلك أثار أسئلة جادة من الضنينين على استمرارية التيار وطالبوا بتقويم المرحلة السابقة بجوانبها الإيجابية والسلبية، إلّا أنّ هذه الأصوات لم تلقَ آذاناً صاغية، فاستمرت قيادة التيار في سياسة "دفن الرؤوس في الرمال" وعدم مواجهة الحقيقة. وبدأ العمل الجاد لطي صفحة التيار التاريخي الأصيل عبر إقصاء رموزه وخلق حالة جديدة موالية للشخص وليس لقضية أو برنامج. وقد ترافق ذلك مع تنفيذ أجندات شخصية ومصالح ضيّقة على حساب المصلحة الوطنية الكبرى. واستكملت عملية "التطهير" التي بدأت منذ سنوات عدة، لتطاول تباعاً الكوادر والناشطين المؤسّسين، فضلاً عن الوزراء والنواب السابقين والحاليين".
ولفت الى أنّ "كل قيادي يستمدّ شرعيته من تاريخه وحاضره ومساهمته في التيار، تحوّل مدى أربعة عقود، هدفاً للإقصاء لأنه لا تنطبق عليه مواصفات مشروع التوريث الذي يراد أن يقوم عليه "التيار الجديد". وإذ بنا نشهد تباعاً نسخة حزبية من مسلسل "عشرة عبيد صغار" الشهير بفصول وسيناريوهات مختلفة لكل واحد منهم. ويحزّ بقلبي أن تصادف كتابة هذا البيان ذكرى 7 آب 2001 للتأكيد على صحة ما أقول، وإذ بأكثرية المناضلين المعتقلين في هذا اليوم أصبحوا خارج التيار جراء الإقصاء أو الطرد أو الاستقالة".
وأشار الى "أنني رغم كل الملاحظات والاختلافات على الإدارة الحزبية، بقيت أميناً إلى جانب العماد عون طالما كان في مهماته السياسية وكانت آخرها رئاسة الجمهورية. أمّا وقد انتقلنا اليوم إلى حصرية قيادة التيار عبر الرئاسة الحالية للحزب، فهذا ما يضاعف تطلّعنا وحاجتنا إلى إدارة تشاركية لرسم خياراتنا وقراراتنا الأساسية والمصيرية على صعيد البلد".
واعلن أنه في ضوء "تخلّف قيادة التيار عن استجابة تطلّعاتنا لإدارة شؤون التيار والبلاد وحقنا في المشاركة في صياغة قرارات حزبية، بطريقة فعلية وليس فقط صورية، ولأن قصة الإلتزام أصبحت كقصة "إبريق الزيت"، وهي حقّ يراد به باطل، لأنه واقعاً الزام بسياسات وخيارات لا شراكة فعلية في صياغتها، قررت أن أنهي رحلتي شاهداً على تحلّل مؤسسة شاركت في تأسيسها وساعدت في تطويرها".
ورأى أنه "يوم حزين على المستوى الشخصي أن أعلن خروجي من "الإطار التنظيمي للتيار الوطني الحر"، لكنني سأبقى مخلصاً للمبادئ الوطنية لهذه الحالة السياسية التي رافقتها طويلاً، والتي انتجت ظاهرة استثنائية في تاريخ لبنان الحديث".
وأكّد أنّ "الانتماء الحقيقي والإخلاص للتيار الوطني الحر ليس بالعاطفة أو الشعارات، بل بممارسة الإقتناعات الصحيحة وتقديم نموذج من الإداء والسلوك السياسي والنيابي الفاعل والبنّاء، وأنا على يقين أن ما أعبّر عنه في هذه الرسالة الوجدانية، إنما أتشارك به مع غالبية كبيرة من مجتمعنا الحزبي والوطني، ولن اسمح لأي أصوات موجّهة ستسارع إلى الافتراءات والاتهامات والتخوين، بأن تؤثّر على تصميمي لإستكمال عملي الايجابي في خدمة وطني".
وتوجه الى "عائلتي في جبيل" قائلاً: "مازلت أنا "النائب المواطن" الذي عرفتموه نزيهاً ووطنياً وحراً وحاضراً دائماً، والذي اختار الانفتاح على كل الجبيليّن من دون تمييز في إنتماءتهم.
ثقتكم بي ومحبتكم الصادقة التي أشعر بها بقربكم، هي أسمى وسام شرف على صدري حتى أتمكن من إكمال رسالتي البعيدة من كل أشكال الحقد والكراهية التي دمّرت مجتمعنا. عهدي اليكم بأن أبقى مخلصاً لمبادئي، وملتزماً دوماً خدمة منطقتنا جبيل الحبيبة وأهلها".
يُذكر أنّ رئيس "التيّار الحرّ" النائب جبران باسيل، وقّع في الثاني من آب الجاري قراراً بفصل النائب آلان عون من "التيار"، بناءً على توصيتين صادرتين عن مجلس الحكماء في التيّار برئاسة ميشال عون.