النهار

لبنانيون ضد الحرب... حملات تحاكي أمزجة واسعة ضد "جبهة الإسناد" وأجندة "حزب الله"
جاد ح. فياض
المصدر: "النهار"
لبنانيون ضد الحرب... حملات تحاكي أمزجة واسعة ضد "جبهة الإسناد" وأجندة "حزب الله"
لافتة كبيرة مكتوب عليها بيكفي تعبنا (أحمد منتش).
A+   A-
كلما ارتفع صوت طبول الحرب جنوباً بين "حزب الله" وإسرائيل، ارتفع الصوت الآخر في لبنان مُطالباً بتحييد البلاد عن اشتباك أوسع، انطلاقاً من واقع الحال الذي يقول إن الوضعين الاقتصادي والاجتماعي المترديين، والمترافقين مع استعصاء سياسي داخلي، لا يسمحان للبنان بخوض أيّ حرب ستكون تبعاتها مدمّرة.

في هذا السياق، رُفعت لافتات كبيرة في مناطق لبنانية عدّة، منها أوتوستراد الجنوب، حملت عنوان "لبنان لا يُريد الحرب"، و"بيكفّي تعبنا". وكان المشهد سوريالياً حيث رُفعت اللافتات، وكان إلى جانبها صورُ مقاتلي "حزب الله" الذين قضوا، وبينهم القيادي مصطفى بدر الدين، مما يعكس التناقض الذي يعيشه اللبنانيون، بين داعمي "جبهة الإسناد" ومعارضيها.
كذلك، استمرت الحملات الإلكترونية الرافضة للحرب التي انطلقت منذ أشهر، وآخرها حملة تحمل العبارات الآتية: "غزة ليست حربي، "حزب الله ليس جيشي، إيران ليست بلدي". وقد لاقت تفاعلاً من فئة كبيرة معارضة للحرب ولسياسات الحزب. 
 

بالمنطق العام، فإن لبنان لا يحتمل أيّ حرب، و"حزب الله" أول العارفين بهذا الواقع، خصوصاً ضد إسرائيل، لأن قطاع غزّة نمودج حيّ؛ فالعقل العسكري الإسرائيلي يعتمد على مبدأ الأرض المحروقة القائم على التدمير الواسع النطاق، وسلوك "حزب الله" العسكري يقرّ ضمناً بعدم رغبة الحزب في توسيع الاشتباك، لا بل في وقفها متى سنحت الفرصة.

ثم إن لبنان غير جاهز لحالات الحرب. فالمناطق غير مجهّزة بملاجئ ومناطق محميّة، ومخازن الموادّ الأساسية كالمواد الغذائية والمحروقات لا يُمكنها مجاراة ظروف الطوارئ، والقطاع الطبيّ ومؤسّساته مستنزفون وغير قادرين على تحمّل أوزار ما ستنتجه الحرب. والحكومة -قبل ذلك- في حالة تصريف أعمال، ووزراؤها لا يجتمعون، وهي غير قادرة أساساً على إدارة شؤون البلاد في الحالات العادية.
 

ينشط جمهور "القوات اللبنانية" المعارض بشكل كبير لـ"حزب الله" على مواقع التواصل الاجتماعي عاكساً المزاج الرافض للحرب وهيمنة الحزب. وبرأي عضو المجلس المركزي في "القوات" جورج حايك، فإن "حزب الله" فتح جبهة الجنوب بقرار إيرانيّ، من دون العودة إلى رأي اللبنانيين، في الثامن من أكتوبر حينما كانت الحدود الجنوبية "رايقة" ولا تشهد أيّ نشاط حربيّ إسرائيليّ. ويحاكي موقف "القوات" بطبيعة الحال مزاجاً مسيحيّاً رافضاً لدفع الثمن. 

لكن المسيحيين ليسوا وحدهم مَن يرفض هذه الحرب، فالدروز بأغلبيّتهم أيضاً أعلنوا موقفاً واضحاً لجهة ضرورة عدم استدراج إسرائيل إلى حرب أوسع، وشدّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط على وجوب تطبيق اتفاق الهدنة 1949، وإن كان يدعم "حزب الله" في الرّد على إسرائيل. والساحة السنّية غير بعيدة من هذا الواقع أيضاً، بالرغم من وجود دعم لـ"حماس" و"الجماعة الإسلامية".

وبالحديث عن موقف اللبنانيين، يُمكن الاستخلاص من نتائح استطلاع رأي أجراه "الباروميتر العربيّ"، قبل أسابيع، أن النسبة الكبرى من اللبنانيين تُعارض سياسات "حزب الله" وممارساته. وبلغة الأرقام، قال 30 في المئة فقط إنّ لديهم ثقة كبيرة بـ"حزب الله"، في حين قال 55 في المئة إنّهم لا يثقون به على الإطلاق، فيما يُعبّر 12 في المئة فقط من المواطنين عن شعورهم بأنّهم أقرب إلى "حزب الله" كحزب سياسيّ.

وإن كانت البيئة الشيعية بمعظمها مؤيّدة للحزب وقراراته، لكن العضو المؤسّس في حركة "تحرُّر من أجل لبنان" علي خليفة ينقل عن عددٍ من الأهالي في الجنوب والضاحية تململهم، "وإن كانوا لا يُجاهرون"، خوفاً من "حزب الله"، الذي اعتدى مناصروه على شاب في صور لمجرّد انتقاده تنقّل قياديي الحزب المعرّضين للاغتيال بين الناس. كذلك، ينقل خليفة عدداً من شكاوى النازحين غير المقتنعين بمبرّرات الحرب.

ويُناقش رافضو الحرب الجدوى من هذه المعركة، التي يقول "حزب الله" إنها جبهة "دعم وإسناد" لغزّة. وبحسب خليفة، فإنّ هذه الجبهة لم تخفّف من وقائع الحرب في غزة، لا بل جلبت الضرر للّبنانيين؛ فالحرب ليست نزهة، وتصاعد حدّة الاشتباك، واحتمال تفلّت الوضع والانزلاق إلى الأسوأ، يتحمّل مسؤوليته مَن قرّر فتح الجبهة.
 

لكن ثمّة مَن يعتقد بأن إسرائيل كانت ستُهاجم لبنان حتى لو لم يفتح "حزب الله" هذه الجبهة، فيردّ حايك على هذه الفرضية بالقول: "حينما تعتدي إسرائيل، فإن الجيش موكل بالرّد، وعندها سنكون و"حزب الله" وباقي الأطراف في الميدان لمساندة الجيش". ويستكمل خليفة الفكرة، فيعتبر أن "حزب الله" ليس موكلاً بقرار الدفاع والأمن عن اللبنانيين.

ويرى رافضو الحرب أن "حزب الله" في جبهته الجنوبية يخدم مصالح إيران لا لبنان. ويستشهد خليفة بتجارب الحزب خارج الحدود؛ "فـ"حزب الله" المتفاعل مع ما يحدث خارج لبنان، من الحرب السورية وتورّطه فيها، إلى ما يحدث في غزة وخلاياه الموزّعة في الدول العربية، يخدم الحرس الثوري الإيراني ولا يخدم لبنان واللبنانيين".

لكن هذه الحملة وبالرغم من شمولها نسبةً كبيرة من اللبنانيين الذين عبّروا عن رأيهم جهاراً لجهة رفض الحرب، فإنها لن تلقى آذاناً صاغية عند "حزب الله"، لأن الأخير يعمل وفق مصالحه ومصالح محور إيران، ولم يخضع سابقاً لأيّ ضغوط سياسية أو شعبية للعدول عن أيٍّ من سياساته، وتدخّله في الحرب السورية بالرغم من رفض نسبة كبيرة من اللبنانيين خيرُ دليل.

حايك يوافق على هذا الواقع، لكنه يُشدّد على أهمية رفض الصمت، لأن الموقف سلاح، والابتعاد عنه "تخاذل". ثمّ إن للمجتمع الدولي عيناً على المجتمع اللبناني، وبالتالي لا يُمكن الظهور "وكأننا موافقون وساكتون" عن قرار "حزب الله"، فيما يؤكّد خليفة ضرورة "الضغط على الحزب وإسماعه رفض اللبنانيين لقرار الحرب".

تعرف إسرائيل كيف تستغلّ الواقع الداخلي اللبناني وتجييره لمصالحها. وفي هذا السياق، ذكرت تقارير عبرية أن قيادات إسرائيل تُراهن على الضغط اللبناني الداخلي على "حزب الله" لثنيه عن ردٍّ قاسٍ على اغتيال فؤاد شكر قد يوسّع الحرب. ويرى "حزب الله" أن خطاب "لبنان لا يُريد الحرب" يتماهى مع السردية الإسرائيلية في هذا الإطار، من دون أن يتوانى الأمين العام لـ"حزب الله" في خطابه الأخير عن القول بأن استراتيجية إدارة الحرب منذ 8 أكتوبر كانت تهدف إلى إبقاء المناطق اللبنانية الأخرى ضمن دورة حياة طبيعيّة. 

لا ينفصل هذا الواقع عن التخوين الذي يلجأ إليه "حزب الله" لمواجهة معارضيه. خليفة يعتبر أن "التماهي مع إسرائيل" تهمة جاهزة يستحضرها الحزب، لأنه يطمح إلى مصادرة الرأي الآخر. أمّا حايك، فلا يأبه لما تعوّل عليه القيادات الإسرائيلية، لأنّ الهمّ الأول -برأيه- هو منع الحرب. وهذا الهاجس "حقّ لن نسكت عنه حتى ولو استغلّته إسرائيل".

في المحصلة، فإن ثمّة صوتاً في لبنان يُعارض إيلاء مصير لبنان لـ"حزب الله" بشكل كامل، ويرفض الحرب انطلاقاً من أن لبنان لا يحتمل أيّ تبعات. لكنّه من غير المرتقب أن يشكّل هذا الصوت أيّ ضغط فعليّ على "حزب الله"، وإن كان الأخير ليس بعيداً من هذا الشعار، وإن على طريقته؛ وهو الذي يُريد أن تنتهي حرب الاستنزاف التي تؤثر عليه سلباً بشكل كبير.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium