لفّ الحزن أروقة مستشفى الشيخ راغب حرب في جنوب لبنان، اليوم، حيث وقف المعزون والأقرباء عاجزين عن التعبير إثر مقتل عشرة مدنيين سوريين، من بينهم أسرة كاملة، فرّوا من الحرب في بلادهم ليلاقوا الموت بغارة إسرائيلية خلال الليل.
بصعوبة، يُعدّد حسين الحسين عدد أقربائه الذين قُتِلوا أو أصيبوا بجروح في هذه الغارة التي باغتت عمّال مصنع حديد في منطقة النبطية في جنوب لبنان، فيما كانوا نائمين في مبنى متواضع ملحق بالمعمل ومؤلّف من طبقتَين.
ويقول الرجل بغصّة واقفاً عند مدخل المستشفى الذي غصّ بالمعزين: "قُتِل اثنان من أبناء شقيقتي، وآخر في العناية المشدّدة، وابن أخي بالعناية المشددة أيضاً، وقتل شابان آخران من قريتي أيضاً".
ويضيف: "كانوا نائمين، لا يعرفون شيئاً، عمال شباب استهدفهم الطيران الإسرائيلي".
وبحسب وزارة الصحة، فقد أدّت الغارة الاسرائيلية إلى سقوط "عشرة أشخاص من الجنسية السورية من بينهم امرأة وطفلاها"، وإصابة خمسة أشخاص بجروح "بينهم ثلاثة من الجنسية السورية، اثنان منهم إصاباتهما حرجة" ويخضعان للعلاج.
في أروقة المستشفى، تجمّع الأقرباء والأصدقاء من رجال ونساء متّشحات بالسواد مع أطفالهنّ وسط حالة من الحزن والغضب، يعزّي واحدهم الآخر، أو يهنّئه بنجاته من الموت.
من غرفة مجاورة، تعالى صوت النحيب والبكاء فيما ودّع الأقرباء الأسرة الصغيرة المؤلفة من ناطور المعمل وزوجته وطفليه البالغين أربع سنوات وعاما ونصف عام، وفق أحد الأقرباء.
ووضعت الجثامين الأربعة، التي لُفَّت بأكفان حمراء، على أسرّة صغيرة استعداداً لتشييعها وزُيّنت بورود، من بينها كفنان صغيران.
في المقابل، حالف الحظّ عمر الشحود، العامل أيضاً في المعمل، لأنّه يقطن ويبيت في مبنى آخر. ويروي الرجل اللاجئ من محافظة حلب في سوريا "استشهد ستة من أقربائي، لا علاقة لهم بشيء". ويضيف: "إنهم عمال جاؤوا بحثاً عن الرزق".
"من موت إلى موت"
ليست المرة الأولى يسقط فيها سوريون بغارات اسرائيلية في جنوب لبنان منذ بدأ الحرب في جنوب لبنان في الثامن من تشرين الأول الماضي.
ففي تموز الماضي، قُتِل خمسة سوريين بينهم ثلاثة أطفال في غارتَين اسرائيليتين في جنوب لبنان. ومطلع آب، قُتِل أربعة سوريين كذلك في غارة مماثلة.
في موقع الغارة، ركام وحجارة وحديد مبعثر وبضع ملابس وأحذية أطفال ظهرت من تحت الردم، هي كلّ ما تبقّى من المبنى. وفي الجوار، معالم مستودع حديدي وقضبان معدنية من بين الركام، وشاحنة حمراء تحطّمت واجهتها.
ويقول صاحب المعمل حسين طهماز إنّ "الخسائر المادية الكبيرة".
ويضيف أنّ المعمل "منشأة مدنية مئة بالمئة، وكل الادعاءات غير ذلك كاذبة"، مشيراً بيده إلى المستودع المدمّر قائلاً: "هنا نركن سياراتنا ونحمّل بضاعتنا" وينام العمال.
بحسب رئيس بلدية بلدة الكفور خضر سعد، فقد استهدفت الغارة الاسرائيلية في وادي الكفور منشأةً لصناعة الحديد هي عبارة عن مستودع، يجاورها مبنى من طابقين تقطنه الأسرة والعمّال الآخرون الذين فارقوا الحياة.
ويقول إنّ "المعمل موجود هنا منذ زمن، يستورد الحديد من الخارج وفيه آلات بسيطة لإعادة تصنيعه".
ويسأل: "ما ذنب الأطفال؟ شاءت الأقدار أن ينزحوا من بلادهم لكي لا يموتوا هناك، لكنهم ماتوا هنا (...) لقد هربوا من موت الى موت".