تشهد الساحة اللبنانية زحمة موفدين دوليين تذكّر بمحطات الحرب في منتصف السبعينات، عندما جاء الموفد الأميركي دين براون، وتبعه الموفد الفرنسي كوف دي مورفيل، ولم يتمكنا من إيقاف الحرب، لتأتي المبادرات المتلاحقة من اللجنة العربية الثلاثية، وصولاً إلى الأخضر الإبراهيمي، والجهود السعودية والكويتية والإماراتية وسواها ما أدّى يومها للوصول إلى اتفاق الطائف الذي أوقف الحرب لتعود للأمور إلى ما كانت عليه في هذه المرحلة، لكن بحرب مفتوحة وتتسم بالخطورة في ظل تطور السلاح النوعي والتكنولوجي، وربطاً بما يشهده لبنان من أزمات اقتصادية. ومن هذا المنطلق، جاءت زيارات الموفدين الأميركي آموس هوكشتاين ووزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، وصولاً إلى زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، وتذكر بالتاريخ القديم للديبلوماسية المصرية في لبنان، حيث ثمة اهتمام مصري تاريخي بلبنان من خلال حركة الموفدين المصريين، وكذلك المواقف التي اتسمت بها القاهرة، والتي نددت ودانت كل من يمد يده على لبنان في السبعينيات والثمانينيات، وفي كل المراحل. والآن تعود الدبلوماسية المصرية من جديد، من خلال زيارة وزير خارجيتها، وبفعل الحراك الذي يقوم به السفير المصري في لبنان علاء موسى، الذي يعرف الملف اللبناني حق المعرفة من خلال دوره في اللجنة الخماسية المكلفة بالسعي لانتخاب رئيس للجمهورية.
النائب في كتلة التنمية والتحرير قاسم هاشم المطلع على أجواء رئيس مجلس النواب نبيه بري، يقول لـــ"النهار"، إنه "خلافاً لما قيل بأن الموفد الأميركي آموس هوكشتاين حمل رسائل تحذيرية للرئيس بري ليوصلها الى "حزب الله"، بأن إسرائيل ستحوّل لبنان إلى غزة ثانية، فذلك منافٍ للحقيقة، فهناك عنوان واحد لزيارة هوكشتاين، وقد قاله حرفياً للرئيس بري، أي تخفيف التصعيد فهذا كان الأساس في زيارته، تالياً، الأمر لم يقتصر على هذا الموضوع، بل حتى مع هوكشتاين جرى الحديث عن التمديد لليونيفيل، كما بحث بشكل مفصل ودقيق من مختلف جوانبه مع وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه".
أما عن رد "حزب الله" المرتقب على إسرائيل، وهل سيؤدي إلى تأجيج الصراع واشتعال الجبهات؟ فيضيف هاشم: "هذا كلام منفصل تماماً، فحزب الله قال وإيران أيضاً، إن الرد سيأتي بعد أن تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمر، من خلال مقتل القياديين البارزين في الحزب وحماس فؤاد شكر وإسماعيل هنية، وبالتالي ذلك لا دخل له بغزة، وما يجري فيها أو المساندة وسوى ذلك، بل الرد له دوره، وثمة حساسية واعتبارات لا يمكن تخطيها، ولن يمر الموضوع مرور الكرام من خلال ما قامت به إسرائيل".
ويضيف هاشم "أن الحركة الديبلوماسية في لبنان عبر الزيارات التي حصلت أخيراً، تصب تحت عنوان واحد ألا وهو احتواء التصعيد والوصول إلى حلول، وبناءً على ذلك فرئيس مجلس النواب نبيه بري في كل لقاءاته، إلى ما قاله لدى استقباله وزير خارجية مصر، كان واضحاً وتماهى وتناغم مع الموقف المصري، بمعنى أنه ما لم يكن ثمة حل للقضية الفلسطينية، فالأمور ستبقى على ما هي عليه، ويجب على المجتمع الدولي أن يكون له موقف يدين إسرائيل وتجاوزاتها واعتداءاتها وغطرستها عبر الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية".
ويخلص هاشم قائلاً: "إن بري تطرق مع هوكشتاين إلى المبادئ المرتبطة بالقرار 1701، وألا يكون تطبيقه بالمفرق بل بالجملة، وبشكل شامل، ما ركز عليه أيضاً مع الموفد الأميركي خلال اللقاء الذي جمعه به، وقال له عندما تعود إلى لبنان نحن جاهزون لبحث كل المسائل، وقد قلنا ما قلناه، وكان واضحاً في كل الطروحات، وهذا ما حصل بانتظار أن يتلقى الإجابات، وذلك عبر زيارة الموفد الأميركي للدول المعنية بالملف اللبناني، ولا سيما إسرائيل".
وتخلص المصادر الى أن دخول الديبلوماسية المصرية على خط الاتصالات الجارية دولياً، يحمل أكثر من دلالة، نظراً إلى موقع مصر على المستوى العربي والأفريقي والدولي، إلى خبرتها الكبيرة وإمساكها بكل الملفات، وتحديداً الملف الفلسطيني، وهذا ما بُحث بعمق من خلال زيارة وزير الخارجية بدر عبد العاطي لبيروت، وثمة دلالة للمواقف الأخيرة التي أطلقها الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن"، والتي كانت لافتة، ما يعني أن ثمة مواجهة عربية واضحة لإسرائيل من خلال الديبلوماسية الفاعلة، بعدما بلغ جنون نتنياهو ذروته، وكذلك عودته منتشياً من واشنطن، إلى المجازر التي يقوم بها في غزة وجنوب لبنان، ما يعني أن الفترة المقبلة قد تشهد ربما حلولاً إذا نجحت مفاوضات الدوحة والقاهرة، وينقل أن نتائج زيارة وزير الخارجية المصري لبيروت، ستكون ضمن إطار المباحثات مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في القاهرة، ويعوّل على زيارته بفعل الدور الذي تقوم به مصر لوضع واشنطن في الأجواء، ما يعني أن كل هذا الحراك ستتبلور معالمه في الأيام المقبلة إن كان إيجابياً أو سلبياً.