فتحت الغارات على بعلبك وما تلاها من انفجارات باب التساؤلات عن مخازن الأسلحة المتواجدة بين المدنيّين أو في أماكن قريبة منهم، من دون احتياطات حماية لهؤلاء.
ما ظهر في بعلبك ليس الأوّل من نوعه في هذه الحرب، إذ كشفت اللقطات المصوّرة عدداً آخر من المستودعات تمّ استهدافها في غير منطقة، منها في النبطية وعدلون وغيرها من المناطق.
يشكّل الحديث في هذا الموضوع درجة فائقة من الحساسية، خصوصاً أثناء المعارك، إذ قد يعطي ذريعة لأيّ من المتحاربين بقصف المدنيين تحت ستار وجود مخازن أسلحة، وهذا ما يستوجب درجة كبيرة من الحذر.
ما جرى في سرعين ومناطق بعلبك أثار الرعب وسط سكان المنطقة، خصوصاً أنّ المقذوفات على إثر الضربة بقيت مشتعلة وتتطاير لساعات طويلة ضمن مناطق مكتظة بالسكان، وهناك العشرات من القصص التي رويت وأظهرتها المقاطع المصوّرة عن الرعب الذي رافق الآباء على أبنائهم، وعدم مقدرتهم على الهرب بسبب عشوائية انفجار الأسلحة والمقذوفات، خصوصاً أنّ المخزن المستهدف يحاط بعدد من محطات المحروقات، واحدة منها تبعد مئات الأمتار فقط، ولم تنفع الإجراءات الفورية التي اتّخذت بإقفال الطرقات، وما جرى في بعلبك حدث سابقاً في عدلون حيث طالت المقذوفات قرى بعيدة نسبياً عن موقع المخزن المقصوف.
وبحسب روايات الأهالي والناشطين في المنطقة، فبسبب سرية المستودعات وإبعادها عن الشبهات، لا تقوم أيّ من الجهات باتّخاذ إجراءات حماية طبيعية كإبلاغ الأهالي أو إخلاء المناطق خوفاً من تسريب الخبر وانكشافها، وهذا ما يزيد الأمر خطورة خصوصاً أنّ العدو معروف بهمجيته وعدم احترامه لأيّ من المواثيق الإنسانية، وهو مستعدّ لضرب هدفه مهما كلّف ذلك من خسائر بشرية، وتجربة غزّة لا تزال ماثلة في الأذهان.
لا مجال للحديث عن هذه الأمور مع "حزب الله" المالك الطبيعيّ لهذه المخازن، فهذه مسائل عسكرية استراتيجية تحاط بسرية تامة، إنّما بعد السؤال يأتي الجواب من مقرّبين من "حزب الله" ليؤكّد أنّ هذه المستودعات ليست موجودة بين المنازل، ومن الاستحالة وضع مستودعات أسلحة بين منازل الآمنين، رافضة التعليق عمّا جرى في عدلون وبعلبك، وتقول: "إذا افترضنا الأمر صحيحاً وما استهدف هو مستودع أسلحة فهو ليس بين المنازل."
وفي هذا الاطار، يرى الخبير العسكري العميد خالد حمادة، أنّ القوانين الدولية الموقّع عليها لبنان، والتي تلزم بتجنيب المدنيين الخطر، لا تحترمها التنظيمات المسلحة غير الرسمية، كما هو حال "حزب الله"، ولا تنظر إلى هذه القوانين وبروتوكولات جنيف كمرجعية لسلوكها العسكريّ.
وبرأي حمادة، فإنّ وجود مستودعات الأسلحة بين المنازل أو بالقرب منها هو انتهاك للقانون الدولي الإنساني، و"يجب على الحكومة أن تكون قادرة على إلزام الجميع بعدم استخدام المناطق المدنية لتخزين الأسلحة، لكن في حالتنا هذه، والجميع يعلم أنّ الحكومة لا تستطيع القيام بهذا الأمر خصوصاً مع "حزب الله" الذي يدير الحرب".
ويشدّد على أنّ "التعويل في هذه الحالة يكون على عمل المنظمات الدولية والجمعيات الإنسانية والحقوقية المحلية لتثير هذه القضية على مستوى دولي لمحاولة فرض قيود معيّنة أو الزام الحكومة اللبنانية بتنفيذ إجراءات معينة للحدّ من كلّ هذه المخاطر التي تهدّد المدنيين في لبنان".
هذا في العسكر، أمّا في السياسة فقد برز عدد كبير من المواقف تعبّر عن رفضها وجود المستودعات بالقرب من المنازل، وهذا ما أكّد عليه حزب الكتائب الّذي اعتبرت مصادره أنّ "تخبئة مخازن الأسلحة بين البيوت على غرار ما ظهر في عدلون وبعلبك لا يخدم ما يسمّى إسناد غزّة بشيء، بل يشرّع الباب أمام الاعتداءات الإسرائيلية، ويحوّل اللبنانيين إلى دروع بشرية حماية للسلاح"، مضيفة أنّ "وضع الصواريخ والقذائف بين البيوت يجعل من اللبنانيين دروعًا بشرية يذهبون في جريرة حرب لا يريدونها ولم يأخذ أحد رأيهم قبل زجّهم فيها".
وتخوّفت المصادر من ألّا تكون هذه المخازن أو الأنفاق مقتصرة على الجنوب والبقاع بل متواجدة في مناطق أخرى لدى "حزب الله"، ولو بشكل محدود خصوصاً أنّه جرى الحديث عن أنفاق في كسروان وجبيل وغيرها، محذّرة من أنّ هذا الأمر لن يتمّ السكوت عليه في حال التأكّد منه و"لن نقبل بدفع الناس فاتورة ما يريدونه أبداً تحت أيّ حجة".
وحمّلت المصادر "مسؤولية انفلات الأوضاع للحكومة اللبنانية من خلال التعامي عن الواقع وتحويل الدولة إلى عاجزة ومتقاعسة عن حماية اللبنانيين وصون أمنهم، ورفض حتّى طرح الموضوع للمناقشة أمام الرأي العام".