الديمان – "النهار"
شدّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي على أهمية التحرك الداخلي في الملف الرئاسي من أجل نجاح المساعي الخارجية. وإذ اعتبر "أن استمرار الحرب ضعف وخسارة للجميع"، لفت الى "أننا آمنّا بالإنتماء العربيّ، وأطلقنا الفكرة العربيّة لتحرّر شعوب المنطقة من "التتريك"، لا اللبنانيّين من "اللبننة".
قال الراعي في عظة قداس الأحد في كنيسة الصرح الصيفي في الديمان، والذي صادف اليوم عيد مولد السيدة العذراء: "المحبّة والرحمة هما ثقافتنا المسيحيّة التي علينا أن نعامل بها كلّ إنسان، دونما اعتبار لدينه أو ملّته أو انتمائه. يكفي أن يكون ذا حاجة".
وأضاف: "بالمحبّة والرحمة تتوقّف الحرب على غزّة وفي جنوب لبنان. استمرار الحرب ضعف وخسارة للجميع: خسارة أرواح الله وحده هو سيّد حياتها وموتها، خسارة استقرار المواطنين الآمنين بتهجيرهم، هدم البيوت وحرق الأرض والممتلكات وجنى الأعمار من دون سبب سوى الهدم. لو يفكّر ضميريًّا أمراء الحروب في كلّ هذه النتائج، لتوقّفوا عن فعلهم هذا الذي هو علامة ضعفهم لا بطولتهم. ولو يفكّرون في الأموال الطائلة التي ينفقونها في الحرب وفي التسلّح، ويحرمون شعوبهم منها، وبأيّ سلطان يفعلون هذا ولأي أهداف، لأدركوا شرّ الحرب، وذهبوا إلى التفاوض السلميّ".
بثقافة المحبّة والرحمة، تعيش مكونّات الدول وحدتها الداخليّة، على تنوّع ثقافاتها وأديانها. لا يكفي أن نعلن رغبتنا في الشراكة الوطنيّة من دون إرادة الفعل، وتغيير السلوك، ونزع الولاءات الخارجيّة، والإتفاق على "المختلف". دولة لبنان الكبير تتألّف من جماعات كانت تتفاعل قبل إمارة جبل لبنان وأثناءها وبعدها. تاريخنا الجماعيّ السياسيّ أخبار وتقاتل واجتياح وسيطرة، خلافَ تاريخنا الخاص المقتصِر بإبداعاته على النخب والأفراد. ورُغم ذلك، غامرنا وأسّسنا دولة لبنان الكبير خلاصة مكوّنات الشرق لتكون مقبولة في محيطها العربيّ، فإذا بالمحيط يقبلها، ومكوّنات لبنانيّة ترفضها. مشروعنا هو التعايش السلميّ والحضاريّ بين المسيحيّة والإسلام ومع محيطنا الطبيعيّ. نحن آمنّا بالإنتماء العربيّ، وأطلقنا الفكرة العربيّة لتحرّر شعوب المنطقة من "التتريك"، لا اللبنانيّين من "اللبننة".
وأشار الى "أن اللبنانيين يعانون اليوم من ثقل التربية والتعليم والصحة والإستشفاء والغذاء والمعيشة وفرص العمل وسواها، وهي من صميم مسؤولية الدولة الملتزمة رعاية أبنائها. لكنّها معدومة ما دامت الدولة بلا رأس وفاقدة الجانب الأعلى من ميثاقيتها الذي يستمر فارغًا منذ قرابة سنتين. إن هذا الفراغ الذي يبدو متعمّدًا يترك تداعيات سلبية كبيرة على المستوى الوطني، أولها عدم انتظام المؤسسات، وتفكّك الإدارة واستباحة القوانين والأعراف وصولًا إلى استهداف مواقع ومراكز مسيحية وبخاصة مارونية في الدولة تمهيدًا لقضمها، مما بات يهدّد صيغة المشاركة والمناصفة في الحكم والادارة".
وأكد "أن الكل في انتظار المبادرات الخارجية، المشكورة، التي لا يجوز أن تختزل إرادة اللبنانيين عبر ممثليهم في مجلس النواب. فمن المؤسف والمعيب ان يبقى انتخاب الرئيس أسير رهانات على الخارج، أو على استحقاقات أو تطورات خارجية وهمية. وأن تبقى كتل نيابية اسيرة رهاناتها الضيقة الخاطئة. إن التحرك الداخلي المطلوب هو ضرورة لنجاح المساعي الخارجية، وأبرزها مساعي اللجنة الخماسية، التي استأنفت تحركها المتعلق بالاستحقاق الرئاسي هذا الاسبوع، والذي نأمل له النجاح بتجاوب المجلس النيابي الذي يبقى المسؤول الأول والأخير عن إتمام هذا الإستحقاق ووضع حدّ للحالة السياسية غير السليمة وغير المألوفة والشاذة في لبنان".