رجل المراحل الصعبة، والصيغ والهندسات، التي اختلف في توصيفها المؤيدون والمعترضون، ترك موقعه في المصرف المركزي، وذهب إلى تقاعد ظنّه آمناً، بحماية علاقاته الوثقى في الداخل والخارج، وغطاء أنصاره من أهل السلطة والنفوذ في الدولة شركاء العقود الثلاثة التي أمضاها معهم بالتكافل والتوافق على إدارة السياسات النقدية والمصرفية في البلاد.
في جديد الملف، لم يُسفر الموعد القضائي الثاني لاستكمال التحقيق في ملف تحويل مبلغ الـ42 مليون دولار من مصرف لبنان إلى حساب الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، عن أيّ جديد نظراً لاقتصار الجلسة الثانية للتحقيق أمس على الاستماع إلى شاهد واحد في الملف وتغيّب آخرين بحجة أو بلا حجة. وقد استمع قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي إلى إفادة المحامي ميشال تويني بصفة شاهد في ملف سلامة، ولم تدم الجلسة أكثر من نصف ساعة. ولم يحضر باقي الشهود الذين جرى استدعاؤهم، فيما حضر عدد من المحامين الذين مثّلوا المصرف المركزي الذي اتخذ صفة الادعاء في هذه القضية. وفي السياق، أصدر المحامي مروان عيسى الخوري بياناً أوضح فيه أنه "منذ أربع سنوات ولغاية تاريخه أتعرّض لحملة إعلامية مبنيّة على شائعات ومعلومات خاطئة مضللة لا تمت للحقيقة بصلة وذلك لتشويه سمعتي. لكن بات واضحاً أن خلفيات هذه الحملة الممنهجة ضدّي هي لأسباب خارجة عن إستهدافي الشخصي وإنّما تتوسّل الضغط على أشخاص آخرين".
وفي السياق، عُلم أنّ القاضي حلاوي سيستمع إلى سلامة وشهود الاسبوع المقبل من بينهم رئيس العمليات المالية في مصرف لبنان نعمان ندور ورئيس الدائرة القانونية بيار كنعان.
في عدد جريدة "النهار" اليوم، ملفّ خاص حول قضية رياض سلامة... تعريف عن أبرز مراحل حياته وعمله، إضافة إلى عرضٍ للتّهم والمواد القانونية التي سيُحاكم فيها أمام القضاء اللبناني.
من هو؟
رياض سلامة (17 تموز 1950) هو حاكم مصرف لبنان السابق منذ 1 آب 1993 وحتى 31 تموز 2023 حين غادر منصبه.
بين عامي 1973 و1985، اكتسب رياض سلامة خبرة واسعة في شركة ميريل لينش، متنقلاً بين مكاتب بيروت وباريس، الأمر الذي أدّى إلى تعيينه في 1985 نائبا للرئيس ومستشاراً مالياً. وقد شغل هذا المنصب حتى تعيينه حاكما لمصرف لبنان عام 1993. للمزيد اضغط هنا.
رياض سلامة... ما لَهُ وما عليه
يقول مؤيدو رياض سلامة إن له أفضالاً على البلد يمكن تفصيلها بالآتي:
- حافظ على الاستقرار النقدي الذي من دونه تحصل ارتدادات وهزات اجتماعية بخلاف ما حصل قبل توليه الحاكمية عندما اضمحلت الودائع وأُفقر الناس.
- تمكّن من دعم المصارف الصغيرة قبل الكبيرة لتستمر في أداء مهماتها في خدمة المودعين فلا تسقط تباعاً وتضيّع حقوق الناس.
أما المعترضون عليه فيفنّدون "الأخطاء" و"الارتكابات" التي يمكن اختصارها بالآتي:
- حفاظه على استقرار سعر الصرف كان سياسة خاطئة أسهمت في إضعاف الليرة وتفريغ الخزينة.
- دعمه المصارف حقَّق له ولأصحاب تلك المصارف منافع شخصية إذ لو تمت معالجة المشكلة جذرياً لما وصلت الى ما هي عليه اليوم. للمزيد اضغط هنا.
في هذا الملف، كتبت سابين عويس:
خارج الحاكمية وقبل السجن: مراجعة ذاتيّة وإنكار للأخطاء
في الأول من آب 2023، ومع انتهاء ولايته على رأس حاكمية المصرف المركزي، لم ترتضِ قلة من الأوفياء أن يغادر الحاكم مكتبه الذي أقام فيه لثلاثة عقود من دون زفّة، ولا سيما أنها كانت المرة الأولى التي يخرج فيها الرجل منذ انتفاضة 17 تشرين وانهيار نظامه النقدي والمصرفي، من دون أن يكون متخفياً لدواعٍ أمنية فرضتها الاستهدافات الشعبية الغاضبة له، كما الادعاءات القضائية المقامة في حقه.
لم تمضِ أيام قليلة حتى أدرجت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وكندا في العاشر من آب، الرجل على قائمة العقوبات في خطوة ترجمت رفع الغطاء الدولي عن صاحب الأوسمة والجوائز وحامل لقب أفضل حكام المصارف المركزية في العالم. للمزيد اضغط هنا.
واستعرضت سلوى بعلبكي السياق القضائي لقضية سلامة في مقالٍ بعنوان:
سلامة أمام القضاء اللبناني: أيّ تهمٍ ووفق أيّ موادّ سيُحاكَم؟
يوم أصدرت الخزانة الأميركية عقوبات على سلامة، "رجلها" في لبنان، كما اعتادت التقارير الإعلامية وصفه، وشاركتها كندا وبريطانيا، لم يعِ أحد أن اللعبة تغيرت، وأن "الخط الأحمر" الذي كان يزنر سلامة بالأمان والتحصين سقط، وأن المصالح الدولية بالتكافل مع السياسات المحلية، تنتج في غفلة من اطمئنان، تسويات تطيح كل الضمانات والتعهدات و"الصداقات"، لصالح الاستراتيجيات والمصالح الدائمة.
ترك سلامة كرسي الحاكمية، بيد أن الملفات القضائية والتهم المنسوبة إليه لم تتركه، وباتت الاستدعاءات تتوالى، ويواجهها إما بالحضور النادر، أو بمخاصمة الدولة، والدفوع الشكلية. إلى أن حضر منفرداً، دون محاميه، ومتخلياً عن حقه بوجوده، ليفاجأ بمستجدات ومعلومات، سمحت للقاضي حجار بتوقيفه وإحالته على التحقيق المالي، بتهم ارتكابه جرائم "سرقة أموال عامة، والإثراء غير المشروع، وتبييض الأموال، والتهرب الضريبي". فما هي التهم الموجّهة إليه بالتفاصيل وما عقوبتها؟ للمزيد اضغط هنا.
وكتب رضوان عقيل:
"شجرة سلامة" غطت كثيرين... فهل يكون ضحية كل الارتكابات؟
طغى مثول الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة أمام القضاء، على الملفات الأمنية والسياسية رغم كل أخطارها، ولا سيما الإسرائيلية منها. وباتت قضيته الحديث الأول في الصالونات السياسية والمصرفية والمقار الدينية، وصولا إلى كل اللبنانيين الذين لا ينفكون يسألون عن مصير ودائعهم في ال#مصارف، ولو كانت التحقيقات مع سلامة تتناول ملفا لا علاقة له بالودائع المنسية في غياهب المصارف والذمم السياسية.
وفي خضم ملف سلامة ومتابعة مقاربة قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي القضية وما ستنتهي إليه مع رجل تصدر الواجهتين المالية والسياسية في البلد طوال ثلاثة عقود، تعود إلى الأذهان من أرشيف أخبار الرؤساء والزعامات ورؤساء الكتل النيابية، إشادات بحكمة الحاكم وحفاظه على ثبات سعر الليرة أمام الدولار! للمزيد اضغط هنا.