النهار

تجّار وعدد من أهالي بلدات حدودية فضّلوا نقل بضائعهم وبعض مستلزماتهم مع بداية موسم المدارس
عباس صباغ
المصدر: "النهار"
أواخر شهر آب الفائت، لفت مشهد إخراج بعض التجار من بلدة ميس الجبل الحدودية بضائعهم من محالهم التجارية في واحدة من أكثر البلدات نشاطاً تجارياً في منطقة مرجعيون. لكن هل كان من توجه رسمي أو حزبي بالإخلاء أم هي قرارات فردية وتهدف للحفاظ على مصدر الرزق؟
تجّار وعدد من أهالي بلدات حدودية فضّلوا نقل بضائعهم وبعض مستلزماتهم مع بداية موسم المدارس
سكّان من بلدات حدودية ينقلون ما أمكن من أثاث منازلهم وبضائع محالّهم التجارية
A+   A-

أواخر شهر آب الفائت، لفت مشهد إخراج بعض التجار من بلدة ميس الجبل الحدودية بضائعهم من محالهم التجارية في واحدة من أكثر البلدات نشاطاً تجارياً في منطقة مرجعيون. لكن هل كان من توجه رسمي أو حزبي بالإخلاء أم هي قرارات فردية وتهدف للحفاظ على مصدر الرزق؟
هل فعلاً تلقى بعض سكان البلدات الحدودية توجيهات لإفراغ محالهم التجارية أو منازلهم، أم ما جرى في ميس الجبل وبلدات أخرى كان بمبادرات فردية بالتنسيق مع الجيش وقوات "اليونيفيل"؟
 
"موسم المدارس وإطالة فترة النزوح"
باتت القناعة راسخة لدى من نزح من البلدات الحدودية الجنوبية بأن لا عودة كاملة في العام الدراسي المقبل، ولا سيما أن وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية تتصاعد، والتدمير يطال يومياً المنازل والمحالّ التجارية ودور العبادة وحتى المقابر على طول الحافة الأمامية.
 
الى ذلك بدأ النازحون الترتيبات لتسجيل أبنائهم في مدارس خارج المنطقة الحدودية بعدما تبيّن أن معظم المدارس الخاصة وكذلك الرسمية لن يكون فيها العدد الكافي من التلامذة بما يسمح بانطلاقة العام الدراسي بسبب استمرار الاعتداءات.
 
إلا أن ذلك يستوجب من بعض العائلات أن تقصد بلداتها الحدودية لإحضار ما أمكن من مستلزمات أو ثياب أو حتى بعض الأثاث.
 
تلك الخطوة تجري بالتنسيق مع الجيش اللبناني، وبحسب مصادر أمنية، يجري التواصل مع الجيش عبر التسلسل المتعارف عليها، وذلك بدءاً من المنطقة المطلوب الذهاب إليها، ثم يجري الجيش اتصالاته بحسب الآلية المعتمدة، ثم يتم التنسيق العملياتي لمواكبة الأهالي الذين يريدون إخراج ما يلزمهم من منازلهم أو حتى من محالّهم ومؤسساتهم التجارية.
 
أما عن عدد الذين يتقدمون بطلبات بهدف التوجّه إلى بلداتهم الحدودية، فليس هناك عدد محدد ولكنّ هناك سكاناً من بلدات الخيام، والعديسة، والطيبة وكذلك بليدا وغيرها.
 
فالأهالي النازحون عن بلداتهم لنحو 12 شهراً، لم يكن أمامهم متسع من الوقت لإخراج ما يلزمهم من أثاث أو حتى ملابس ومستلزمات أخرى، وبما أن الإقامة قد طالت خارج الديار كان لا بد من اتخاذ القرار بالتوجه الى تلك البلدات الحدودية ونقل ما يلزم منها الى مناطق النزوح ولا سيما أن المدارس على الأبواب وهناك الكثير من اللوازم المدرسية كانت لدى التلامذة قبل النزوح وبقيت في منازلهم التي لم تصل إليها آلة التدمير الإسرائيلية.
 
ويؤكد الأهالي الراغبين في نقل ما تيسّر من أثاث أو غيره أن ذلك يتم بصورة فردية وليس بناءً على توجيهات أو تعليمات بل في قراءة الوقائع وبسبب إطالة فترة النزوح، وأيضاً ليس بسبب الخشية من أيّ عملية عسكرية ولكن هناك احتياجات يمكن الاستغناء عن شرائها ما دامت موجودة في المنازل الخالية.
 
"لمنع تكرار مجزرة شهداء إنقاذ الأرزاق"
في الخامس من أيار الفائت، كانت عائلة فادي حنيكة في بلدة ميس الجبل خلال دفن أحد أبناء البلدة، وللعائلة محالّ تجارية في البلدة كانت لا تزال سليمة حتى ذلك التاريخ، وقرّر صاحب تلك المحال تفقدها مع زوجته وولديه. بيد أن الغدر الإسرائيلي كان بالمرصاد حيث أغارت طائرات جيش الاحتلال على مكانهم ما أدى إلى استشهادهم جميعاً وكذلك تدمير المحالّ فوق رؤوسهم. فالعائلة المؤلفة من الوالد، والوالدة مايا عمار، والولدين محمد (20 عاماً)، وأحمد (12 عاماً) ارتقوا شهداء "إنقاذ الرزق" بنيران إسرائيلية غادرة.
 
تلك الحادثة المأساوية دفعت بعض التجار في قرى الحافة الأمامية الى التفكير في نقل بضائعهم من محالهم التجارية الى خارج منطقة المواجهات، بما أنه لا اتفاق قريباً على وقف إطلاق النار بعد التعنّت الإسرائيلي ورفض كل الاقتراحات التي قدّمتها الولايات المتحدة الأميركية.
وبما أن "جبهة الإسناد" اللبنانية مرتبطة عضوياً باستمرار العدوان على غزة، لا شيء يشي بقرب عودة الأهالي الى بلداتهم. فأمام هذا الواقع وبسبب ارتفاع حدة الاعتداءات كان القرار من تجار بلدة ميس الجبل بنقل بضائعهم من البلدة.
 
ميس الجبل: مركز تجاري كبير على الحدود
تتميّز بلدة ميس الجبل في قضاء مرجعيون بأنها مركز ثقل تجاري مميّز على الحدود الجنوبية، عدا أن نشاط أبنائها الاقتصادي يتعدّى الجنوب الى مناطق لبنانية كثيرة ولا سيما تجارة السجاد، والمفروشات، والأدوات المنزلية وغيرها.
 
وبحسب محمود حمدان إن تلك المنطقة باتت مقصداً ليس فقط لأبناء الجنوب بل لمناطق خارجه، ويضيف لـ"النهار" أن "في البلدة أكثر من 160 مؤسسة تجارية فضلاً عن نحو 400 مؤسسة صغيرة، وذلك يدل على أن ما في تلك المؤسسات يمثل رأسمالاً كبيراً للتجار وبالتالي كان لا بدّ من اتخاذ خطوة تجاه ذلك الواقع".
 
تلك الخطوة كانت بالاتفاق بين بعض التجار لنقل بضائعهم التي تفوق قيمتها 100 مليون دولار وهي أصلاً كانت بضائع موسمية بحسب حمدان، والتجار كانوا يستعدون لموسم السجاد في تشرين الأول الفائت، ولكن الحرب بدأت وتغيّرت الأمور رأساً على عقب.
 
أما عن تلقي نصائح من جهات رسمية أو حزبية لإفراغ المؤسسات التجارية فيؤكد حمدان أن الخطوة كانت من منطلق الحفاظ على تلك البضائع وبالتنسيق مع الجيش اللبناني الذي استجاب لرغبة أهالي البلدة وأجرى ما يلزم كي يتم إخراج الشاحنات المحمّلة بالبضائع من البلدة.
ووفق ما جرى في ميس الجبل فلا أحد من سكانها تلقى أي تعليمات رسمية أو حزبية لنقل أثاث منازلهم أو بضائعهم من بلداتهم التي تتعرّض للاعتداءات الممنهجة منذ 8 تشرين الأول الفائت.
لكن الخشية من أن يطال التدمير الإسرائيلي الممنهج لبلدات الحافة الأمامية، ما بقي من منازل ومحالّ تجارية ومؤسسات اقتصادية كانت الدافع الأساسي خلف تلك الخطوة.
 
 

اقرأ في النهار Premium