ارتفعت في الآونة الأخيرة لهجة التهديدات الإسرائيلية بعملية عسكرية واسعة في لبنان، وذهب البعض الى حد إعادة السيناريو الى عام 1978 وما رافق الاجتياح الأول من إقامة حزام أمني لمنع عمليات المقاومة الفلسطينية. فهل فعلاً الظروف تسمح بتكرار تجربة "عملية الليطاني"؟
في 14 آذار عام 1978 اجتاح جيش الاحتلال منطقة الشريط الحدودي وأقام حزاماً أمنياً بعمق 10 كيلومترات في عملية أطلق عليها تسمية "عملية الليطاني"، وبرّرها بالرد على عملية فلسطينية في الداخل المحتل. لكن السبب ليس حقيقياً تماماً كما كانت الذريعة لاجتياح لبنان عام 1982 بسبب محاولة اغتيال ديبلوماسي إسرائيلي في لندن.
التهديدات: ارتباك أم تمرير رسائل؟
ليس خافياً أن الخلافات الداخلية الإسرائيلية تُعدّ غير مسبوقة، وأن الصراع على أشدّه بين القيادتين السياسية والعسكرية – الأمنية.
يُختصر ذلك بالخلاف بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والوزير يوآف غالانت بشأن العملية العسكرية في لبنان.
فنتنياهو العاجز عن إعادة المستوطنين الى الشمال، يطلق الوعود لسكان الشمال بقرب إعادتهم ووضع ذلك الهدف ضمن أهداف الحرب، وكرّر مراراً قرب تغيير الوضع في الشمال.
لكنه استبق وصول المبعوث الخاص للرئاسة الأميركية آموس هوكشتاين الى تل أبيب وزاد من نبرة التهديدات فيما كانت تل أبيب لا تزال تعيش تحت هول صدمة الصاروخ الباليستي اليمني.
وضمن التهديدات الإسرائيلية جاءت قصة "المناشير اليتيمة" في منطقة الوزاني ومن ثم تبرّؤ الجيش منها لترسو على اجتهاد فردي من قائد لواء الشمال (اللواء 769)، ما يظهر الارتباك الإسرائيلي، والفوضى في اتخاذ قرار كبير بهذا الحجم.
ويُفهم من الأمر أن تمرير الرسالة ثم التنكر لتداعياتها يدخلان ضمن الحرب النفسية التي تخوضها تل أبيب.
أما عن النيّة أو التفكير في إقامة حزام أمني مماثل لما كان عليه عام 1978، فإن أكلافه باهظة مع اختلاف الظروف والقدرات العسكرية لدى المقاومة في لبنان عن تلك التي كانت في حوزة المقاومة الفلسطينية والأحزاب اللبنانية المتحالفة معها.
وصحيح أيضاً أن القدرات التقنية لدى تل أبيب متقدمة وربما متفوّقة على معظم القدرات في العالم، ولكن الاجتياح البري له محاذير وتداعيات لا يمكن لجيش الاحتلال تحمّلها وإن كان متفوقاً جوّياً.
فالمنطقة التي احتلتها تل أبيب عام 1978 كانت بعمق 10 كيلومترات الى الشمال من الحدود، ولكن حينها وصل الجيش الى حدود نهر الليطاني، ما يعني تجاوز الـ10 كيلومترات قبل أن تعود لتنحسر تلك المسافة ثم تُسلّم بعد نحو 3 أشهر لميليشيات متعاملة مع تل أبيب ولكن بالإشراف العسكري الإسرائيلي المباشر الذي استمر حتى الاجتياح في حزيران عام 1982.
لم تحقق "عملية الليطاني" أهدافها الكاملة وظلت المقاومة قادرة على تنفيذ العمليات، والسيطرة العسكرية غير المباشرة على تلك المنطقة لم تغير كثيراً في الواقع، والدليل أن تل أبيب عمدت الى اجتياح أوسع بعد 4 سنوات.
محاذير التوغّل البرّي في لبنان
لم تنفع المحاولات الإسرائيلية المتكررة في منع وصول المسيّرات الانقضاضية الى أهدافها، ونشر الصور عن تحليق تلك المسيّرات التابعة لـ"حزب الله" بات عنوان الإخفاق في المواجهة.
لكن الاجتياح البري ليس نزهة بحسب خبراء عسكريين، وبالتالي فإن تل أبيب بحاجة إلى نحو 10 فرق عسكرية لتنفيذ مثل تلك العملية العسكرية فيما هي تخفق في تجنيد 10 آلاف جندي لمواصلة العدوان على غزة وتعزيز قواتها في الشمال.
أما الاحتمالات الأخرى فتكمن على سبيل المثال في تنفيذ حزام أمني ناري بمعنى استمرار استهداف الحافة الأمامية بطريقة لا تسمح بأي وجود فيها وبالتالي تكون أشبه بمنطقة عازلة. لكن كم سيكون عمق تلك المنطقة ما دامت أمداء صواريخ المقاومة تفوق 8 و10 كيلومترات (الصواريخ ضد الدروع المستخدمة حتى تاريخه).
أما الاحتمال الثاني وهو محفوف بالمخاطر فيكمن في احتلال التلال الحاكمة مثل مارون الراس والعويضة ومرتفعات في البلدات الحدودية.
بيد أن ذلك سيفتح الباب على مواجهة مباشرة مع المقاومة التي لا تزال منتشرة على طول الحدود على الرغم من الغارات المكثفة على طول الحدود وخارجها.
التهديد بالاجتياح البري ليس جديداً وهو ضمن الحرب النفسية بحسب العميد الركن المتقاعد هشام جابر.
وذلك الاجتياح يجب أن يسبقه قصف مركّز مدفعي وغيره على جنوبس وشمالي الليطاني وهذا يعني حرباً واسعة.
ويلفت الى أن "الاجتياح البري على شاكلة دخول الأراضي اللبنانية ومن ثم الانسحاب منها، ويمكن ذلك أن يكون في القطاعين الشرقي والغربي، وليس الأوسط بسبب طبيعة الأراضي في منطقتي بنت جبيل والنبطية".
ويشير رئيس مركز الشرق الاوسط للدراسات الى أن "التقدم البري ممكن من جهة الدردارة في منطقة الخيام وصولاً الى كوكبا وحاصبيا ومنها الى البقاع الغربي، وذلك ممكن بغطاء جوي". ويسأل عن الهدف منه، فإن كان معنوياً ولضرب أهداف عسكرية، فهناك كلفة كبيرة.
ويوضح أنه إن كان الهدف فصل البقاع عن الجنوب فهل يستطيع جيش الاحتلال أن يبقى في تلك المنطقة.
وينحو جابر في اتجاه عملية برية محدودة من جهة الناقورة وصولاً الى القاسمية ولمدة 24 ساعة، ويوضح "عندما تحصل تلك العملية عندها حزب الله سيكون في انتظار الإسرائيليين وسيوقع في صفوفهم خسائر كبيرة من خلال تنفيذ الكمائن والإغارة على الآليات... وفي الخلاصة، الاجتياح بمعنى الاحتلال مستبعد فالإسرائيلي في غزة لم يستطع القيام بذلك".
هي سيناريوهات بعيدة عن الواقع حتى تاريخه، وتدخل ضمن الضغط الإعلامي والنفسي للدفع في اتجاه الحل السياسي، لكن ذلك الحلّ يبدأ بوقف العدوان على غزة.
وبناءً على ذلك ستبقى الأمور ضمن الحلقة المفرغة في انتظار تطوّر ميداني أو خرق سياسي يكسر هذه الحلقة.