بدأت التصريحات الإسرائيلية حيال لبنان تأخذ منحى تصعيدياً غير مسبوق، مع التركيز الكبير الذي توليه القيادتان السياسية والعسكرية على الجبهة الشمالية ضدّ "حزب الله"، وإصرارهما على إعادة الأمن إلى المناطق الشمالية، ومن ثمّ إعادة سكّان المستوطنات.
هذا التركيز تُرجم في تحديث "الكابينيت" أهداف الحرب وإضافة بند إعادة سكّان الشمال الى بيوتهم بأمان، وفق ما أعلن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي شدّد على أنّ "إسرائيل ستواصل العمل لتحقيق هذا الهدف".
ترافق هذا الجو وتقاطع مع جو آخر ومعلومات صحافية نقلتها وسائل إعلام إسرائيلية مفادها أن نتنياهو يسعى إلى إقالة وزير الدفاع يواف غالانت وتعيين جدعون ساعر خلفاً له، كون غالانت يُعارض خطط الحرب الشاملة ضدّ "حزب الله"، وساعر قد يكون أكثر مرونة في هذا السياق.
كثيرون اعتبروا أنّ هذه التصريحات تندرج في سياق الحرب النفسية، لكنّ الخبير الاستراتيجي والعميد الركن حسن جوني يرى هذه التهديدات "جدّيّة" تنطلق من صعوبة الموقف الذي تواجهه الحكومة الإسرائيلية، وهو عجزها عن إحداث أيّ خرق عند الحدود الشمالية لإعادة السكّان إلى مستوطناتهم.
وبرأي جوني، فإنّ سمعة الجيش الإسرائيلي تأثّرت بسبب الواقع العسكري والأمني عند الحدود الشمالية، ونتنياهو مربك ولا حلول أمامه في ظلّ انسداد أفق وقف إطلاق النار في غزّة، وهذه العوامل قد تدفع إسرائيل إلى خطوات خارج النمط.
هذه الخطوات التي ستكون خارج النمط قد تتمثّل في تسخين الجبهة عبر تكثيف القصف الجوّي وشنّ عملية برّية محدودة في المناطق الحدودية المدمّرة أساساً لإقامة حزام أمني حدودي.
ويعلّق جوني على مسألة إقالة غالانت وتعيين ساعر مكانه، ويقول إن الخلاف الأساسي بين نتنياهو وغالانت يتمحور حول توسيع العملية العسكرية في الشمال، وغالانت يرفض، وبالتالي إقالته وتعيين ساعر يمنحه مرونة أكثر للتحرّك شمالاً، وفي حال حصل الاستبدال، فإنّ ذلك سيكون بمثابة إشارة لتوسيع الحرب.
لكنّ توسيع الحرب لا يخدم إعادة سكّان شمال إسرائيل إلى مستوطناتهم، وبالتالي هذا الأمر مستبعد بالنسبة إلى جوني، "خصوصاً وأن إسرائيل تُدرك أنّ أيّ توغّل برّيّ في لبنان سيكون مكلفاً كون "حزب الله" يتمتع بقدرات قتالية برّية عالية ويُقاتل على أرضه وتضاريسها وهو أعلم بها، ولا ضوء أميركياً لهذه العملية أيضاً".
إلى ذلك، فقد نقلت وسائل إعلام إسرائيلية قبل أيام قليلة قولها إنّ الجيش الإسرائيلي يدرّب عناصر من قواته البحرية لتوظيفهم في الحروب البرّية، وذلك بسبب نقص العديد، وفي هذا السياق، فإنّ جوني يُشير إلى أنّ الجيش الإسرائيلي يُعاني أزمة نقص عديد، ولهذا السبب لجأ إلى محاولة تجنيد "الحريديم" وأفارقة، وهذا الواقع عامل إضافي لاستبعاد الحملة البرّية في لبنان.
وبالتالي، فإنّ الخطر يتصاعد، لكنّ العوامل التي تصعّب شنّ إسرائيل عملية برّية واسعة في لبنان حاضرة، وتبقى العين على الأيام المقبلة وما قد تفرزه من إشارات قد تحدّد مسار الحرب في المدى القريب.