في أوّل إطلالة مباشرة بُعيد يومَين داميَين في لبنان، وصف الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله الهجمات الإسرائيلية يومَي الثلاثاء والأربعاء بـ"إعلان حرب وإبادة جماعيّة"، مؤكّداً أنّه "تعرّضنا لضربة كبيرة أمنيّاً وإنسانيّاً غير مسبوقة في تاريخ المقاومة في لبنان".
نصرالله الذي توعّد بالردّ على تفجير آلاف أجهزة الاتصال اللاسلكية، اعترف بأنّ "العدو حقّق تفوّقاً على المستوى التكنولوجيّ لأنّه يحظى بدعم أميركيّ ودعم من الناتو"، وقال: "الحرب سجال... ويوما الثلاثاء والأربعاء كانا ثقيلَين، هذه الضربة الكبيرة والقويّة لم ولن تسقطنا".
وأكّد نصرالله أنّ "العدوّ سيواجَه في حساب عسير وقصاص عادل، وهذه المعركة الجديدة تتطلّب تغيير الأسلوب"، فيما لم يكشف عن موعد الردّ وتوقيته، وقال: "موعده سنحتفظ به لأنفسنا وداخل الدائرة الضيّقة، فنحن في المعركة الأكثر دقّة وحساسية".
نصرالله يُفنّد العمليّة الإسرائيليّة
في كلمته التي خُصِّصَت للحديث عن الهجوم الإسرائيليّ في لبنان، اعتبر نصرالله أنّ "العدو تجاوز كلّ الضوابط والقوانين والخطوط الحمراء، وكان يستهدف المحيط الذي يتواجد فيه عناصر "حزب الله"، وبعض الأجهزة في المستشفيات، ولم يكترث لأماكن تواجدها".
واستعرض نصرالله ما حصل يومَي الثلاثاء والأربعاء قائلاً: "عندما قام العدو بتفجير الأجهزة على مدى يومين، كان يسعى ليقتل ما لا يقلّ عن 5 آلاف إنسان في دقيقتَين، مع الأخذ في الاعتبار أنّه حتّى لو أصيبوا فإنّ كثيراً من الجرحى سيموتون بفعل الضغط على المستشفيات"، متسائلاً: "ماذا نسمّي ما حصل... مجزرة؟ إبادة جماعيّة؟ جرائم حرب أو إعلان حرب؟".
وتابع: "بعض هذه الإصابات كانت طفيفة، وعدد من أجهزة "البيجر" كانت خارج الخدمة أو بعيداً عن الأخوة أو لم تُوزَّع أساساً، والعناية الإلهيّة والجهود البشرية حالتا دون تحقيق هدف العدوّ بنسبة كبيرة".
إلى ذلك، كشف نصرالله أنّه "شكّلنا لجان تحقيق داخلية متعدّدة فنية وتقنية وأمنية، وندرس كلّ السيناريوهات والاحتمالات والفرضيات"، مؤكّداً أنّه "توصّلنا إلى نتيجة شبه قطعيّة لما جرى، ونحتاج إلى بعض الوقت للتأكّد منها، والقضية قيد التحقيق بدءاً من الشركة إلى التوزيع إلى لحظة التفجير".
كما لفت إلى أنّ "هذا النوع من القتل والاستهداف والجريمة بمعزل عن المحيط الذي يتواجد فيه العناصر غير مسبوق عالميّاً".
أهداف العمليّة الإسرائيليّة
وتوقّف نصرالله عند أهداف العملية الإسرائيليّة، معلناً أنّها تهدف بالدرجة الأولى للضغط على "حزب الله" من أجل وقف "جبهة الإسناد اللبنانيّة" لقطاع غزّة.
وقال إنّ "جبهة الإسناد جبهة ضاغطة جدّاً ومن أهمّ أدوات التفاوض للمقاومة الفلسطينيّة، ونائب رئيس أركان سابق إسرائيليّ وصف ما يجري في الشمال بأنّه هزيمة تاريخيّة لإسرائيل".
وعلى وَقع التهديد المتواصل بالحرب الشاملة منذ 11 شهراً، كشف نصرالله عن "رسائل وصلت ليل الثلاثاء من قنوات رسميّة وغير رسميّة تُفيد بأنّ الهدف من هذه الضربة هو التوقّف عن دعم غزّة".
وردّاً على هذا الأمر، توجّه نصرالله إلى نتنياهو وغالانت بالقول: "جبهة لبنان لن تتوقّف قبل وقف العدوان على غزّة أيّاً تكن العواقب والاحتمالات، والأوفق التي تذهب إليه المنطقة، وهذا هو أوّل الردّ بتعطيل الأهداف".
كما عدّد نصرالله الأهداف الأخرى من العملية، كاشفاً أنّ إسرائيل كانت تسعى إلى "ضرب البيئة"، وقد "حصلت التفجيرات بشكل أساسيّ في الضاحية والبقاع والجنوب في أماكن تواجد العناصر... فقد أراد العدو ضرب البيئة واستنزافها وإخضاعها وجعلها تصرخ للمقاومة (كفى)"، مؤكّداً أنّ "هذا الهدف سقط عندما سمعنا المعنويات العالية للجرحى في المستشفيات، وصبرهم العظيم وعزمهم للعودة إلى الميدان والقتال والإصرار على هذه المهمّة والوظيفة والمسؤولية"، إضافة إلى "التعاطف في البلد".
من أهداف العملية أيضاً، قال نصرالله إنّ "إسرائيل أرادت ضرب بنية "حزب الله"، وقتل أكبر عدد من القادة والمسؤولين وضرب المفاصل وضرب نظام القيادة لكي تعمّ الفوضى وهذا ما لم يحصل"، مؤكّداً أنّه "منذ اللحظة الأولى، أعلنت المجموعات جهوزيّتها في الجبهة تحسّباً لأيّ هجوم إسرائيليّ".
كما أكّد أنّ "بنية المقاومة لم تهتزّ، وهي من القوّة والمتانة والعدّة والعديد ما لا تهزّه جريمة كُبرى في هذا الحجم".
ووصف نصرالله إسرائيل بـ"العدو الأحمق والغبي، فهو يعتقد أنّه متفوّق بالذكاء التكنولوجيّ، لكنَّ ما فعله عبر التفجيرات كشف أنّه على درجة عالية من الغباء".
إعادة سكّان الشمال
في خطابه، تطرّق نصرالله إلى التهديدات الإسرائيلية المتواصلة بـ"تغيير الوضع في الشمال وإعادة السكان بشكل آمن"، معتبراً أنّ "هذا تحدٍّ قبلناه منذ 8 تشرين الأوّل"، متوجّهاً إلى نتنياهو بالقول: "لن تستطيعوا إعادة المستوطنين المحتلّين المغتصبين إلى المستعمرات في الشمال وافعلوا ما شئتم".
كما أكّد أنّ "السبيل الوحيد لإعادتهم هو وقف العدوان على قطاع غزّة والضفة الغربية"، مشدّداً على أنّ "لا تصعيد عسكريّاً ولا اغتيالات ولا حرباً شاملة تستطيع إعادتهم، بل ما ستفعلونه سيزيد تهجير السكّان في الشمال".
وعن تصريح قائد المنطقة الشمالية الأخير بإقامة حزام أمني في الأراضي اللبنانية، وصف نصرالله القائد بـ"الأحمق"، وقال: "نحن نبحث عن الجنديّ والدبابة بجهد استخباراتيّ يومي، أمّا حينما يدخلون فهذه فرصة تاريخية ونتمنّاها لما لها من تأثيرات على المعركة".
وأضاف: "من يعتقد بأنّ المقاومة ستنشغل في القتال مع إسرائيل في الحزام الأمنيّ واهم، بل هذا الحزام سيتحوّل إلى فخّ ووحل وكمين وإلى جهنّم إذا أحببتم أن تأتوا إلى أرضنا، وستجدون أمامكم المئات مِمّن جُرحوا يومَي الثلاثاء والأربعاء".
نصرالله يشكر الدولة اللبنانيّة لتضامنها
وفي مستهلّ خطابه، توجّه نصرالله إلى "الحكومة ووزارة الصحّة والهيئات الصحّية والأطباء والممرّضين بالشكر"، لافتاً إلى أنّ "الضغط والتأخير حصلا بسبب الحالات الكبيرة في العيون"، معرباً عن شكره حيال "التعاطي الإيجابيّ والجدّيّ والكبير والاهتمام العالي" الذي أبداه المجتمع اللبنانيّ في اليومين الأخيرين.
وقال: "الشكر لكلّ الذين تبرّعوا بالدم في مختلف المناطق، وقيل إنّ يوم الثلاثاء شهدت أكبر عمليّة تبرّع بالدم في تاريخ لبنان"، كما "شكر كلّ من بادر بنقل جريح، وكلّ من أعلن استعداده بالتبرّع بأعضاء للجرحى"، إضافة إلى توجيه الشكر "للمؤسسات الإعلامية والنقابية، وللدول التي سارعت في تقديم الدعم وأرسلت أدوات طبية".
واعتبر نصرالله أنّه "من بركات الدماء، أنّنا شهدنا في لبنان مجدّداً ملحمة أخلاقيّة على المستوى الوطنيّ والإنسانيّ لم نشهدها منذ وقت طويل".