أحمد م. الزين
في غضون دقائق، تحوّل مبنى مؤلّف من تسعة طوابق مأهولة بالسكان المدنيين ضمن الضاحية الجنوبية لبيروت، إلى أنقاض لا يتجاوز حجمها طابقاً واحداً فوق الأرض. هو زلزال نعم، لكنّه ليس طبيعياً، بل بفعل صواريخ الطائرات الإسرائيلية المعادية التي استهدفت المبنى. صراخ العالقين تحت الأنقاض سمعتها آذان فرق الإنقاذ في الدفاع المدني والجمعيات الأهلية لنجدتهم قبل فوات الأوان، وهنا كان التحدّي الكبير المتمثّل برفع الأنقاض في أسرع وقت لإنقاذ القلوب النابضة بالحياة قبل أن يخطفها الردم، لأنّ الأمل الوحيد وسط سوداوية هذه المشاهد هو انتشال الجرحى قبل أن تصبح جثثاً.
انهيارات المباني بفعل الكوارث الطبيعية أو بفعل القصف المتعمد خلال الحروب، يحتّم وجود فرق متخصّصة للتعامل مع رفع الأنقاض تمهيداً لعمليات الإنقاذ. في حديث رئيس وحدة الخدمة والعمليات في الدفاع المدني اللبناني، وليد الحشاش مع "النهار"، تناول العديد من القضايا المتعلقة بعمليات رفع الأنقاض بعد حوادث انهيار المباني ودور الدفاع المدني في التعامل مع مثل هذه الكوارث.
أوضح الحشاش أنّ الدفاع المدني هو الجهة المسؤولة قانونياً عن عمليات رفع الأنقاض في البلاد، وأنّ هناك وحدة خاصّة تتعامل مع هذه المهام تُعرف بـ"وحدة الإنقاذ في الأبنية المنهارة". هذه الوحدة مجهّزة ومدربة للتعامل مع مختلف أنواع الانهيارات، وأن المهمة معقدة للغاية وتحتاج إلى خبرة تقنية ومعدات هندسية متطورة. وأوضح أن الفرق المتخصصة في الدفاع المدني تعتمد على التدريبات المستمرة لتنفيذ هذه المهام بشكل آمن وفعال. كما أشار إلى أن طبيعة الانهيار ونوعه يحددان كيفية التعاطي مع الموقف، حيث يتطلب كلّ انهيار تقييمًا خاصًا للسلامة العامة وطريقة التعامل مع الأنقاض.
من بين التحديات التي أشار إليها الحشاش، كان نقص المعدات الحيوية اللازمة لرفع الأنقاض، مثل الرافعات والمولدات الكهربائية والمعدات الهيدروليكية التي تعتبر أساسية لتسريع عمليات الإنقاذ. وبيّن أن الدفاع المدني يعاني من نقص في هذه المعدات، نظرًا إلى الأزمة الاقتصادية الحادة التي يمرّ بها لبنان. هذا الوضع أدّى إلى الاعتماد بشكل كبير على التبرّعات والمساعدات الخارجية، بالإضافة إلى التعاون مع البلديات والجمعيات المدنية التي تقدّم دعمًا هامًا في شكل معدات ومواد لوجستية. تعاونٌ بدا واضحاً خلال عملية رفع الأنقاض الأخيرة في الضاحية الجنوبية، إذ يظهر تعاون فرق الدفاع المدني اللبناني مع فرق الدفاع المدني في الهيئة الصحية الإسلامية وجمعية الرسالة للإسعاف الصحي وغيرهم.
تحدٍّ آخر مهم يتعلق بتواجد الجمهور في مواقع الانهيار، وهو ما يجعل عملية الإنقاذ أكثر تعقيدًا ويشكل خطراً على سلامة المدنيين. وفي ظلّ غياب سلطة ضبط صارمة، يصعب التحكّم في حركة الناس في المناطق الخطرة، ما يزيد من احتمالية حدوث إصابات أو تعرّض الأفراد للخطر. وهذا بالضبط ما واجهته الفرق خلال الحادث الأخير، حيث أدّى تواجد الناس في موقع الانهيار إلى تعقيد الأمور، خاصّة مع احتمالية حدوث انهيارات إضافية. يؤكّد الحشاش هنا، على أهمية التعاون مع الجيش اللبناني والقوى الأمنية لضمان تأمين المنطقة المتضررة ومنع تواجد الأشخاص غير المؤهلين، ما يتيح لفرق الدفاع المدني العمل بفعالية وأمان.
تأثير الأزمة الاقتصادية على أداء الدفاع المدني كبير أيضاً، لأنها أدّت إلى تقليص قدرة الدولة على تزويده بالمعدات اللازمة. ما يدفع الدفاع المدني في وضعه الحالي إلى الاعتماد على التبرعات والمساعدات الخارجية بشكل أكبر، حيث يسعى أحياناً إلى سدّ النقص في المعدات من خلال التعاون مع الجمعيات الإنسانية والمؤسسات الأهلية، وأحياناً أخرى عبر استئجار المعدات المطلوبة خلال أداء المهمات. الحشاش تمنّى أن تؤمّن السيولة الكافية لشرائها كي تصبح تحت تصرّف العناصر بشكل دائم.
رفع الأنقاض، يبقى عملاً من أخطر المهام التي يقوم بها رجال الدفاع المدني لمواجهتهم الموت بين ركام المباني المنهارة، ورغم قلّة المعدّات يصرّون على مواصلة التحدّي بإرادة صلبة وشجاعة لا تلين. شجاعة نحتاج أن نراها من المعنيين أيضاً في الدولة لمساعدتهم على مساعدة الناس.