لودريان في بيروت-ارشيفية
لا صوت يعلو على صوت طبول الحرب، وتصاعد العمليات الإسرائيلية الاستخباراتية والتكنولوجية، إلى الحدث الأبرز الذي تمثل بقصف الضاحية الجنوبية واستشهاد عدد كبير من كوادر "حزب الله". ويبقى السؤال عن الاستحقاقات الداخلية وخصوصاً الانتخابات الرئاسية، مع حديث عن زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان لبيروت اليوم. ولكن حتى الساعة الأمور لم تحسم، فثمة من يشير إلى أن الزيارة ليست مرتبطة برمتها بالاستحقاق الرئاسي، إنما ثمة تكليف من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لموفده من أجل متابعة الوضع في الجنوب والتطورات الميدانية، وإجراء اتصالات حثيثة بكل القيادات والمرجعيات اللبنانية على اختلافها والدعوة للتهدئة، وذلك هو العنوان الأساسي للزيارة. وسيشارك لودريان في احتفال العيد الوطني السعودي الذي سيقام في دارة السفير وليد بخاري في اليرزة، ما لم يحدث أي طارئ ويؤجله بعدما ألغيت مناسبات عديدة. إلى الآن الدعوة قائمة، وقد وجهت إلى لودريان خلال لقاء الرياض الذي شارك فيه الوزير في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا والسفير بخاري.
في السياق، ثمة معلومات يكشفها لـــ"النهار" مرجع سياسي، متوقعا حرب استنزاف طويلة، وألا ينتخب الرئيس في العام الحالي لأن هناك مخاضا عسيرا سيمر فيه لبنان والمنطقة، إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، ليتّضح مَن مِن الإدارة الجديدة سيتولى المفاوضات مع إيران، وعندها يبنى على الشيء مقتضاه داخلياً. وعليه، ما يجري اليوم هو وضع الملف الرئاسي في ثلاجة الانتظار إلى حين نضوج الظروف الدولية والإقليمية، وخصوصاً أن ما يحصل راهناً من أحداث ليس مسبوقا في تاريخ لبنان المعاصر.
من هذا المنطلق، يردد المرجع أمام زواره أنه لا يتوقع فحسب تأجيل الانتخابات الرئاسية، بل النيابية والبلدية أيضا، إذ إن الظروف لن تسمح بإجرائها، فثمة دمار هائل في الجنوب وقد تستمر الحرب ويحدث المزيد ربما في مناطق أخرى، وهو ما يؤكد المؤكد لناحية أن هذه المسألة ستأخذ وقتاً طويلاً، وعلى هذه الخلفية فكل الاستحقاقات الداخلية في ثلاجة الانتظار وعلى الرف، وإن جاء لودريان أو سواه، فلن يفعل شيئاً أمام هذه الصعوبات التي يجتازها لبنان في حرب طويلة الأمد، ولن تتضح معالمها قبل انقشاع الصورة في غزة، وبعد أن ينتخب الرئيس الأميركي ويتسلم مهماته في الربيع المقبل، ويعين وزيراً للخارجية وتكون له مداخلة في الكونغرس يحدد خلالها السياسة الشرق أوسطية، نظراً إلى ضخامة الحرب وخطورتها وكل ما يجري ميدانياً واستخباراتياً ومعلوماتياً.
توازياً، يشير أحد نواب تكتل "الجمهورية القوية" لـــ"النهار"، إلى أن موقف رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع مما حدث في الضاحية والجنوب وبعد التفجيرات الأخيرة، إنساني بامتياز، وقد لاقى ترحيباً واسعاً لدى معظم الأطراف والخصوم السياسيين، لكن ذلك لا يبنى عليه رئاسياً، بمعنى أن ثمة موقفا مبدئيا واضحا، أنه يجب انتخاب الرئيس ومن ثم الشروع في الحوار، مستبعداً أن تكون الانتخابات الرئاسية على الأبواب، إذ يبدو أن الصورة قاتمة في خضم الإجرام الحاصل، وبالتالي الأمور ذاهبة إلى التصعيد. وعن زيارة الموفد الفرنسي وما يحكى عن أفكار جديدة، يقر بأن هناك توافقا من الخماسية على الخيار الثالث، وهو ما يحمله معه لودريان إلى بيروت، ما لم يحدث أي جديد من شأنه تأجيل زيارته، لكن هذا الخيار غير محسوم لأن الرئيس دائماً ينتخب في الدقائق القاتلة، وحتى الساعة كل الاحتمالات واردة، ربطاً بما شاهدناه من تفجيرات "البيجر" ومن ثم قصف الضاحية الجنوبية والحرب المفتوحة.
بناء على كل ما سلف، يبدو الانفراج الرئاسي مستبعدا حاليا، باعتبار أن الحرب مفتوحة ولا أفق لها، وكل هذه الحركة إنما هي لعب في الوقت الضائع لا أكثر ولا أقل.