"أعدكم أن حزب الله سيفهم الرسالة". هكذا وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو العالم، فرفع الجيش الإسرائيلي اليوم من وتيرة تهديداته، متوعّداً بهجمات واسعة وقويّة.
وفي رسائل صوتيّة واتصالات بالمواطنين اللبنانيين من خلال الشبكة الأرضية، وعبر موجات إذاعيّة تمّ اختراقها، قال للّبنانيين: "ابتعدوا عن مواقع حزب الله، سنهاجمها". وكان لافتاً اليوم استهداف مناطق تُعتبر بعيدة عن الجنوب، وتقع جغرافياً في جرود جبيل، في خراج بلدة إهمج.
الباحث في شؤون مكافحة الارهاب بيار جبور تحدّث لـ"النهار" عن مسألة توسيع الحزام الناري وتكثيف الضربات، فذكّر بأنه بعد هجوم البيجرز والأجهزة اللاسلكية بدأت إسرائيل بتكتيك جديد من العمليات الحربية هو بمثابة إعلان حرب. وفيما الجميع ينتظر الهجوم البريّ، تذهب إسرائيل إلى اعتماد تكتيكات مغايرة، لأنها تضرّ وتؤثر على الروح المعنية لدى قادة وعناصر "حزب الله". وتوسيع الحزام الناري يدخل في إطار مندرجات الخطة التي وضعتها القوات الإسرائيلية، فسمّت المرحلة الأولى بحرب الاستنزاف، والمرحلة الثانية القيام بعمليات نوعيّة، وتتدرّج للوصول إلى إنهاك "حزب الله" وجعله ضعيفاً؛ فإذا أرادت تنفيذ هجوم برّي، فسيكون "الحزب" بوضعية "مضعضعة"، ويفتقد إلى القادة الحقيقيين الذي يقودون المعارك والجبهات، وفي إطار من الجو النفسي غير المريح".
وعن الرسائل التي وصلت إلى المدنيين طالبة منهم المغادرة من أماكن وجود "الحزب"، يقول جبور: "إسرائيل باشرت بتوسيع عملياتها الحربية التي تأتي ضمن الخطة التي وضعتها، وتعتمد سياسة التهويل على الحزب وبيئته، متّهمة إيّاه بجرّهم إلى الدم والدمار. هذه الخطة بالطبع موجودة من ضمن استراتيجية الحرب التي يتبعها الجيش الإسرائيلي، وهي كما ذكرنا سابقاً، لإضعاف "الحزب" في حال تمّ القيام بهجوم بريّ. لكن الجيش الإسرائيلي قد لا يقوم باجتياح بريّ بل يسعى إلى فرض إسرائيل لشروطها في الديبلوماسية، والوصول إلى الاتفاق الذي تريده، وهو إبعاد حزب الله عن حدودها الشمالية، وإرجاع المستوطنين إلى الشمال. من هنا، تضغط بكلّ قوتها، وتنفّذ الاغتيالات، وترفع من وتيرة التهديد، علّها تحقّق هدفها في الديبلوماسية، إذ بحسب تصوّر إسرائيل، قد يشعر الحزب بالضعف والوهن فيقبل بالاتفاق وينفّذه".
وفي تكتيك جديد يخرج عن التطوّر الميدانيّ اليوميّ، استهدفت إسرائيل بلدة علمات بغارة، حيث تسكن المنطقة أغلبية شيعية، وحيث يوجد نقاط تدريب لـ"الحزب"، بحسب معلومات "النهار".
جبور علّق على الموضوع، فاعتبر أن "بلدة علمات هي بلدة ذات غالبية شيعيّة، وتعتبر مناصرة لحزب الله، على الحدود مع إهمج، حيث استهدفت إسرائيل صباح اليوم منطقة تعرف باسم الورديّات، التي تقع بين إهمج ووطى علمات".
ورجّح أن "هذا الاستهداف يأتي كضربة تحذيرية، حيث قد يكون لحزب الله منشآت أو مخازن أسلحة في هذه المنطقة".
وأضاف: "يبدو أن الجيش الإسرائيلي يسعى إلى توجيه رسالة مفادها أن تحركات الحزب تخضع للرّصد المستمرّ. والجدير بالذكر أنّ المنطقة المستهدفة عبارة عن تلّة صخرية خالية من أيّ منشآت، ولا يبدو أنه يمكن استخدام تلك التلّة لنصب صواريخ بعيدة المدى. وبالتالي، يُعتقد أن الهدف من هذا القصف هو توجيه تحذير إلى حزب الله ومناصريه في منطقة جبيل".
من جانب آخر، أثارت الفيديوهات التحذيرية والاتصال بالمواطنين خوفاً من ارتكاب إسرائيل مجازر كبيرة تتخطّى مسألة الحرب النفسية. فتخوّف العديد من أن تحاول إسرائيل شرعنة ضرباتها قانونيّاً أمام الرأي العام الدولي، معتمدة على اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها المكملة.
توضح المادة 57 من البروتوكول الأول توضح بأن الأطراف المتنازعة يجب أن تأخذ جميع الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين أثناء العمليات العسكرية، بما في ذلك تقديم تحذير قبل أيّ هجوم على "بنية تحتية" تُستخدم لأغراض عسكرية.
أما المادة 51 من نفس البروتوكول فتحظر "الهجمات العشوائية" التي لا تميّز بين الأهداف العسكرية والمدنية. ويجب اتخاذ تدابير دقيقة لضمان أن الأهداف التي يتمّ استهدافها تُستخدم بالفعل لأغراض عسكريّة.
وتعتبر المخالفات الجسيمة لأيّ من هذه القواعد انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني، وقد تتطلّب ملاحقة قضائيّة أو تسليم مرتكبيها.
يعدّ هذا جزءًا من الجهود الأوسع لضمان أن الأطراف المتحاربة تقلّل من تأثير النزاع على السكّان المدنيين بقدر الإمكان، مع التزامها بمبادئ القانون الدولي الإنساني.
الدكتور في القانون الدولي أنطونيو أبو كسم يؤكّد في حديث لـ"النهار" أنه لا يمكن اعتبار ما يقوم به الإسرائيلي لجهة التحذيرات عبر الفيديوهات أو الاتصالات لمغادرة السكّان منازلهم قانونياً، بل مجرّد ادّعاءات خلف القانون الدولي. فالمبدأ العام هو حماية المدنيين، وفي الوقت نفسه التمييز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية؛ وما يقوم به الإسرائيلي عمليّة ترهيب لكلّ السكّان المدنيين، لأنه لم يستثن أحداً، ويضع فرضيّة أن الجميع لديهم السلاح. واستناداً إلى المبدأ الثاني في القانون الدولي الإنساني، مبدأ الضرورة، لا يمكن اللجوء إلى القوة في الأماكن السكنية إلا عند الضرورة؛ وإذا تمّ استخدام هذه الضرورة هناك مبدأ النسبية، ثم مبدأ الإنسانية.
لكن ما نشهده مخالف للقانون الدولي الإنساني، لأنّ الحديث عن استهداف أماكن مدنية يكون في حالات استثنائية جدّاً. على سبيل المثال، استهداف جسر معيّن باعتباره يُصنّف ضمن إطار البنية التحتية الذي يربط منطقة بأخرى، فيتمّ تحذير المواطنين مسبقاً بأنه سيتمّ قصف الجسر. لكن "تعميم" هذه التحذيرات والرسائل والفيديوهات التي وصلت تعتبر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لأنها تُصنف ضمن "الهجمات الممنهجة"، بمعنى ضرب كل الأماكن السكنية لإنشاء منطقة عازلة".
بالاختصار، لا يُمكن للإسرائيلي أن يختبئ وراء القانون الدولي لضرب أهداف مدنية، فالتحذير يجب أن يكون محصوراً بهدف محدّد ومكان معيّن، وليس على مستوى الوطن ككل.