إنه بمثابة تواصلٍ اتخذ طابعاً خاصّاً بين رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميّل، رغم أنّ حيوية المحادثات الهاتفيّة لطالما كانت قائمة تنسيقيّاً، بخاصّة في هذه المرحلة التي شكّلت تلاقياً مندفعاً بسواعد مبادئ المعارضة بين "القوات" والكتائب حيث أوْج التصميم على تغييرٍ يرتّب أحوال التضاريس اللبنانية في كنف الدولة اللبنانية، لا سواها. لطالما تحادث جعجع والجميّل في الآونة الأخيرة، ولكن كان الاتصال ضمن جدران الأروقة الشخصية كلّ مرّة، فيما تقرّر هذه المرة الإعلان عن المكالمة بين الرجلين، فلماذا اقتضى التشديد على حصول ذلك التشاور الذي شمل البحث في الأوضاع الحربية المتسارعة؟
انطلاقاً من المعطيات التي واكبتها "النهار"، كان متعمدا إعلان الأمر في خضمّ حقبة شديدة الحساسية يعيشها لبنان، مشوبة بالقلق والحذر، مع أهمية متابعة التطورات وتلافي أيّ خلل على مستوى الوضع الأمنيّ، فيما تبرز حاجة ملحة إلى ضبط المناوشات الحربية ومنع الانزلاق نحو انحدارات أكثر تفجّراً. ولقد أخذ الكتائب و"القوات" على عاتقهما التواصل الثابت انطلاقاً من إمكان اضطلاع المكوّنين بمهمّة وطنيّة سياسيّة في آونة مشتعلة. وتأكّد أن المالكمة المسهبة بين الجميّل وجعجع تناولت الملفّات اللبنانية الأساسية بدءاً من الضراوة الحربيّة الناشبة بعدما دخل لبنان مرحلة غير محصورة الضربات، مروراً باستحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية وأهمية إنهاء الشغور في مرحلة تستدعي إعادة بناء المؤسسات. ويأتي توخي الإعلان عن الاتصال بهدف طمأنة اللبنانيين إلى أن هناك قوى سياسية تعمل على التنسيق في ما بينها لمواكبة التطورات والتأكيد أنّ لبنان ليس متروكاً.
يسرد من هو على بيّنة في "القوات اللبنانية" من فحوى التواصل بين جعجع والجميّل أنّ "العلاقة بين الحزبين قائمة، فيما يشكّل الاتصال الذي أعلن عنه جزءاً من التواصل بين كلّ مكونات المعارضة والنواب السياديين، بمن فيهم الكتائب و"القوات" اللذان يشكّلان جزءاً أساسيّاً من التركيبة الخاصة بقوى المعارضة". ويضيف أنه "لا يمكن إغفال قوّة العلاقة الثنائية بين "القوّات" والكتائب مع تواصل مستمر بين رئيسي الحزبين، ولكن لم تكن هناك ضرورة للإعلان عن المحادثات الهاتفية التي كانت تحصل سابقاً بين جعجع والجميّل".
ويثني الكتائب أيضاً على التواصل بين رئيسي الحزبين، الذي رتِّب في إطار التنسيق الدائم على مستوى الحزبين كما بين جعجع والجميّل شخصيّاً. فالتشاور دائم بين كلّ القوى المعارضة ومنها الكتائب و"القوات"، لكنّ تسارع الأحداث في خضمّ المعارك الحربية الناشبة حرّك وتيرة المحادثات أكثر بين المعارضة بحثاً عن أطر لإدارة المرحلة وسط قلقٍ من غياب تأثير الدولة اللبنانية حالياً، فيما كانت هناك حكومة قادرة على الاضطلاع بمهمّة ديبلوماسية لوقف النار في حرب 2006. ويهدف التواصل إلى العمل على تنسيق الموقف بين الحزبين ومتابعة الأحداث الطارئة وما هو مطلوب من قوى المعارضة حالياً، فيما اتفق على أهمية المطالبة بإيقاف حفلة الجنون الحربيّ والاستمرار في السعي إلى لجم التصاعد الناريّ.
واستناداً إلى من واكب فحوى التواصل بين الجميّل وجعجع على مستوى حزب الكتائب، هناك تأكيد لـ"علاقة ندّية قائمة على تنسيق الملفات الكبرى بين الحزبين، مع الاتفاق على استمرار التواصل الحزبيّ والمناطقيّ تحسّباً لكلّ جديد. والأهم في مضمون التشاور، أن يلاحظ اللبنانيون وجود تنسيق سياسيّ ثنائي، وهذا هدف توخّاه المكوّنان من خلال إعلان حصول اتصال مطوّل بين جعجع والجميّل".
في المقابل، ثمة تشديد "قواتيّ" على تلاقي الفريقين السياسيّين في المنطلقات والخلفيات واتفاقهما على غالبية من المواضيع الوطنية، لكن ذلك لا يمنع وجود تباينات سياسية أو تمايزات في الخطاب المتخذ ودينامية التحرّكات. وتكمن أهمية الفريقين من منظار "قواتيّ" في أنهما يتشاركان معاً المنطلقات والمبادئ والأهداف والخلفية السياسية. ولا بدّ من عملية تنظيم لما يجمع بينهما في هذه المرحلة تحديداً رغم أنّ كلّ فريقٍ لديه طريقته السياسية الخاصة، فيما خصوصية خوض استحقاقات انتخابية نيابية ونقابية لا تلغي المبادئ الواحدة بين المكوّنين".
في المحصلة، يأتي التواصل في إطار الموقف الثابت الذي أكده الفريقان مذ بدأت المناوشات الحربية على الحدود اللبنانية الجنوبية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، مع تحذيرهما من مغبّة أي نشوب حربيّ واسع ورفضهما إدخال لبنان في مغامرات حربية. وبحسب الكتائب، إن "تلويح حزب الله بقدرته القتالية على حماية الجنوب اللبناني قد سقط في أيام، فيما استطاع القرار الدولي 1701 حماية لبنان منذ عام 2006. ويحضّر الكتائب لموقف خاص من تبعات الاندلاع الحربيّ، يتلاقى مع الأزمة الإنسانية للمدنيين اللبنانيين ويرفض المعارك الحربية التي يخوضها الحزب مصادراً قرار الحرب والسلم الخاص بالدولة اللبنانية".