سمير صبّاغ- النبطية
لا تشبه يوميات العدوان الصهيوني المتمادي على مدينة النبطية وقراها، المنطلق بوحشية مطلقة غير مسبوقة منذ خمسة أيام، أيّاً من يوميات المدينة وأهلها في يوميات الحروب السابقة، حيث نزح أكثر من ٨٠ في المئة من أهالي المدينة والقرى المجاورة على دفعات. فماذا رصدت "النهار" عن يوميات الصامدين الذين لم تسعفهم الظروف في خيار الرحيل، أو اختاروا البقاء متشبّثين بأرضهم رغم فظاعة المجازر، أو لمساعدة الصامدين في تدبير أمورهم؟
ينطلق أحد أبناء النبطية الصامدين السيّد وسيم بدرالدين في تبرير بقائه بالقول: "لم أرحل في أيّ حرب ولن أرحل اليوم. أرسلت عائلتي إلى صيدا وفضّلت البقاء في مدينتي لمعاونة البلدية والمخاتير في مساعدة الذين لم تسعفهم الظروف على الرحيل أو قرّروا البقاء مثلنا".
ويلفت بدرالدين إلى أنّ "الحرب الحالية لا تشبه حتّى عدوان تموز، فالغارات مكثّفة، والوقت الفاصل بين الغارة والأخرى لا يتجاوز الـ١٥ دقيقة، كذلك القوّة التدميرية فهي هائلة جدّاً دون الاكتراث إلى أيّ من المدنيين وأرزاقهم. في الحقيقة لم نشهد عدواناً مماثلاً من قبل لا بالأصوات ولا بالدمار ولا بحجم الرصد الذي لاحظته، الأمر مخيف جدّاً". وشدّد على أنّ "البلدية حاضرة عبر خلية الأزمة الخاصة بها، وعبر إمام النبطية الشيخ عبد الحسين صادق، وعبر "إسعاف النبطية" وغرفة عملياتهم، فهؤلاء وحدهم الذين يقومون بتوزيع الاحتياجات على الصامدين، وهذه خطوة جيّدة لتعزيز صمودنا ودعم بقائنا في منازلنا".
وهنا يؤكّد عضو المجلس البلدي لمدينة النبطية صادق اسماعيل لـ"النهار" أنّه "من واجب البلدية البقاء مع أهلها خلال هذا العدوان الهمجيّ، فالاشتراك الكهربائي لا يزال يعمل، وفرق الأشغال تفتح الطرق بعد كلّ ضربة، وتوزّع المواد الغذائية والخبز والأدوية والمياه يومياً".
وكشف أنّ "البلدية تؤمّن نقل الأهالي الذي يرغبون بالنزوح عبر سيّاراتها إلى صيدا وغيرها من المناطق، كما أنّها تُشكّل نقطة اتصال لاطمئنان النازحين والمغتربين عن أهلهم وأقاربهم الصامدين".
أمّا مهدي صادق من "إسعاف النبطية" التابع لنادي النبطية الحسيني فيؤكّد أنّهم حضّروا خطّة عمل تنقسم إلى أكثر من مجال، "تبدأ بأعمال الإغاثة والإسعاف الذي أعددنا له العدّة عبر التجهيزات والتدريبات، وتستمرّ من خلال تخزين المواد الغذائية والبنزين والمازوت ومستودعات الأدوية لوضعها في خدمة الصامدين، وتنتهي بتأمين وجبات ساخنة إلى الجهات الإسعافية والأمنية".
ولفت إلى وجود "خمسة باصات تنقل الراغبين في النزوح يوميّاً، وهذا عمل بدأناه منذ اليوم الأوّل على توسّع رقعة العدوان واضطرار أغلب العائلات إلى النزوح، حيث تتمّ متابعتهم عبر فريق إغاثة مرتبط بنا من خلال مرجعيّتنا السيد السيستاني في النجف الأشرف، حيث تؤمّن مساعدات عينية ونقدية".
ووصف النبطية بأنّها "مدينة منكوبة وشبه خالية، ما يجعل عملنا الإغاثي أصعب وأكثر تعقيداً، لكنّنا سنبقى هنا لدعم صمود آخر فرد من أهلنا في المدينة".
وفي المقابل أكّد النائب هاني قبيسي خلال اتّصال "النهار" معه، الذي تزامن مع غارات عنيفة على بلدته زبدين، أنّه "صامد مع أهل النبطية وقراها الصامدين والمقاومين والمضحّين بكلّ شيء لمواجهة العدو الإسرائيلي الذي لا يفهم إلّا لغة المقاومة، كما علّمنا الإمام الصدر، فالصمود مع الأهالي والأطبّاء وتأمين مستلزماتهم اليومية، وتأمين نزوح العائلات من أبنائنا إلى أماكن آمنة فعل مقاوم".
وأكّد أنّ "العدو يستهدف المدنيين وأرزاقهم بشكل عشوائيّ، لكنّ مدينة النبطية مدينة مقاومة صامدة محتسبة ونرى في كلّ شخص يستشهد وكلّ حجر يسقط من منازلنا ومؤسساتنا التجارية خطوة على طريق الانتصار للبنان وشعبه ووحدته الوطنية التي ترعب العدو غير المصدق كيفية التفاف الشعب اللبناني من كلّ الطوائف حول النازحين من الجنوب والبقاعَين الشمالي والغربيّ".
ودعا الحكومة إلى العمل سريعاً على "احتضان النازحين وعائلاتهم كي لا يبقى نازحٌ بلا مأوى، وتأمين المستلزمات للصامدين في قراهم الجنوبية لاسيّما للمستشفيات التي تقوم بعمل مقاوم جبار أمام ضخامة أعداد المصابين والشهداء".
العمليات الجراحية خارج النبطية
وعلى جبهة المستشفيات الصامدة أيضاً، اعتبر مدير الطاقم الطبي في مستشفى الشهيد الدكتور حكمت الأمين في النبطية (النجدة الشعبية) الدكتور شفيع فوعاني أنّ "وظيفتهم تنحصر باستقبال الإصابات نتيجة الغارات، وتجهيزها لتصبح مستقرّة، على أن يتمّ نقلها إلى مستشفيات صيدا وبيروت لفسح المجال لاستقبال حالات جديدة لأنّ وتيرة نقل الجرحى متسارعة مع تسارع وتيرة الغارات".
وعلمت "النهار" أنّ حال مستشفى الشيخ الشهيد راغب حرب ومستشفى نبيه بري الحكومي الجامعي لا يختلف عن النجدة، كما أنّ التنسيق بينها وبين مستشفيات صيدا وبيروت متواصل عبر الهيئة الصحية، لاسيّما الصليب الأحمر، كي تموّن العمليات الجراحية في مستشفيات خارج النبطية".
لا شكّ أنّ المستمرّين بصمودهم عبر بقائهم في منازلهم وقراهم "النبطانية" يعيشون تحدّياً غير مسبوق أمام هول الغارات والجرائم الصهيونية التي لا تميّز بين عسكري ومدني، فإلى أيّ مدى يستطيعون الصمود أمام آلة القتل الصهيونية شأنهم شأن النازحين التوّاقين للعودة إلى منازلهم قريباً؟