زهير غدّار
بعد العدوان الإسرائيليّ الذي هزّ أركان الجنوب اللبناني والبقاع وبعلبك، يعيش آلاف اللبنانيين معاناة لا توصف، حيث يفرّون من نيران الحرب إلى شوارع تفتقر إلى الأمان. لم تعد البيوت التي احتضنت أحلامهم وذكرياتهم مأوى لهم، بل أصبحت ذكريات مؤلمة تتراقص في أذهانهم، بينما يفترشون الطرقات، في مشهد يختزل مأساة إنسانية عميقة.
في زوايا الشوارع والحدائق العامة في العاصمة بيروت، يجلس النازحون، يواجهون مصيرهم بعزيمة تتجلّى في عيونهم، رغم قسوة الظروف وصعوبة الأيام. "النهار" جالت في حديقة الصنائع العامّة وأجرت بعض المقابلات مع هؤلاء النازحين، ومن بينهم الحاجة زينب علاوية، التي تحمّلت مرارة النزوح. عند سؤالنا لها إن كانت قد وجدت مأوى لها ولعائلتها المكوّنة من عشرة أفراد، أجابت: "لم نجد مأوى. أنام مرّة في الحديقة العامّة، ومرّة على كورنيش عين المريسة، ومرّة في الشارع من دون فراش أو غطاء. لا أحد حتّى اللحظة مدّ لنا يد العون."
وأضافت زينب، "أجلس في هذه الحديقة حتّى إغلاقها، ثمّ أخرج إلى مكان آخر. بيوتنا تهدّمت، وأرزاقنا تبخّرت. لم يبقَ لنا شيء سوى رحمة الله." وعندما سألناها عن منزلها في بلدة عيترون الجنوبية، أجابت إنّه دُمّر بالكامل. "حتّى لو انتهت الأزمة، إلى أين سأعود؟ الظروف التي نمرّ فيها صعبة جدّاً."
وعن المساعدة، أشارت زينب إلى أنّ "عددًا من عناصر بلدية بيروت يجلبون لنا بعض الطعام، ولكن غير ذلك لا أحد يساعدنا."
أمّا مهدي، حفيدها البالغ من العمر تسع سنوات، فقال بصوت حزين: "ننام على الطريق أو على كورنيش المنارة"، بينما تتجلّى براءة الطفولة في وجهه.
من جهته، عبّر النازح علي حيدر عن شعوره بتقصير الجمعيات والدولة اللبنانية، مشيراً إلى محادثته مع أسرته في منطقة النبطية الجنوبية، التي تعرّضت للاستهداف منذ أيام. قال لهم: "انزحوا!"، لكنّهم ردّوا ردّاً صادماً: "لماذا نخرج لنُشرّد؟ هل ترى كيف يتشرّد النازحون في الطرقات؟ لا توجد مراكز إيواء تكفي ولا خدمات تُؤمّن احتياجاتنا. نفضل الموت في بيوتنا على أن نتشرّد."
إنّ معاناة النازحين اللبنانيين ليست مجرّد قصّة تتكرّر في صفحات التاريخ، بل هي جرح عميق يتطلب منّا جميعاً التحرّك الفوريّ. إنّ قصص هؤلاء الأشخاص الذين فقدوا منازلهم وأحلامهم تذكّرنا بأنّ الإنسانية تتطلّب منّا المزيد من التعاطف والالتزام. إنّهم في حاجة ماسّة إلى الدعم والمساعدة، ولأنّنا في زمن الأزمات، يجب أن نكون صوتهم ونشدّ على أياديهم. فلنلتزم جميعاً بالعمل من أجل إيجاد حلول جذرية لهذه المأساة، ولنحارب من أجل حقّهم في الأمان والكرامة، لأنّهم ليسوا مجرّد أرقام أو إحصائيات، بل هم جزء من نسيج مجتمعنا، وعلينا أن نعيد إليهم الأمل في غدٍ أفضل.